ألاعيب الغرب.. خطة إعادة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط».. وفرنسا تتصدر الصورة
لم يعد الغرب يفكر كثيرًا في تطبيق قيمه وأفكاره خارج أراضيه بمساعدة المجتمعات الفقيرة أمنيا واقتصاديا وثقافيا، وبعد أن انحصرت مساعداته إما في تطبيق عقوبات على من يريد التغريد خارج السرب، أصبح الآن يريد منع التطرف عن بلاده بإعادة تصديره لمنابعه والاكتفاء بذلك، في دلالة كاشفة على عمق الأزمة بين الشرق والغرب.
لعبت البلدان الغربية، وخاصة فرنسا، مؤخرًا على إيجاد ثوابت مختلفة لقضية التطرف، على رأسها التشدد على أراضيها مع الوافدين وأصحاب الجنسيات الأجنبية لإجبارهم إما على تغيير أنماط حياتهم أو عودتهم مرة أخرى لبلدانهم.
انقلبت البلدان الغربية كليا على أفكارها وثوابتها، وأصبحت القيم الأوروبية تفرض قسرًا، ولم تعد محل نقاش كما كانت في الماضي، فالأساس في الحضارة الغربية الإنسان بشخصه وكرامته وحرية ضميره واختياره الشخصي لما يناسبه، لكن الآن القضية مختلفة.
فرنسا
تتصدر فرنسا الصورة، تفرض قيمها على الوافدين إليها، وترغمهم على تعلم قيم العلمانية في مدارس خاصة، بجانب إلزامهم بممارسة الحياة وفق مكونات الفكر الثقافي الفرنسي، وتهدد كل من يريد العيش خارج إطاره، ما يجعلها مرشحة لتصبح أكبر محكمة تفتيش في العالم، تراقب البشر وترفض اختلافاتهم إلا داخل عباءتها الفكرية والسياسية.
تضع فرنسا التطرف رأس حربة لتبرير تصرفاتها الرامية إلى إعادة الإسلاميين إلى بلادهم الأم، كما تشير الإستراتيجية الفرنسية الجديدة لمواجهة التيار الديني، التي امتدت إلى تقييد حرية غيرهم من المسلمين العاديين، وترجع إجراءاتها المتشددة إلى ما تسميه تغير طبيعة التهديد الإرهابي تغيرا جذريا، ولا سيما مع تطور أشكال الأعمال الإرهابية.
تزعم فرنسا بلغة الأرقام أن أراضيها يعيش عليها نحو 2000 شخص يشاركون بشكل مباشر أو غير مباشر في استمرار ظواهر التطرف الديني العنيف، ولهذا كان لزاما على الحكومة وضع ترسانة قانونية وتعزيز غير مسبوق في أجهزة الشرطة والعدل والجيش والمخابرات منذ الهجوم الإرهابي على البلاد في 2016.
تبنى فرنسا أسلوب الدعاية لبرامجها الجديدة على تداعيات الهجمات التي تعرضت لها في يناير ونوفمبر 2015 في باريس، وفي يوليو 2016 في «نيس»، كما وضعت ثلاثة مبادئ لإعادة التطرف إلى بلاده بحسب خطتها على رأسها، الحزم الشرس في مواجهة الإرهاب والإسلام السياسي.
مكافحة التطرف
التعزيزات الجديدة لمكافحة التطرف، تسمح بمحاكمة المواطنين لمشاركتهم في جرائم إرهابية حتى لو ارتكبت في الخارج، جنبًا إلى جنب مع إعطاء الأجهزة الأمنية، خاصة الشرطة والمخابرات، صلاحيات واسعة في التوقيف ورفع القضايا، وحتى الآن تم إمطار كل من يتورط في مخالفة القيم الفرنسية بدعوى جنائية، وتتداول المحاكم الفرنسية ما يقرب من 300 دعوى قضائية ضد أكثر من 1200 مواطن.
مع الوقت تتشدد فرنسا أكثر في طلباتها، بزعم مراعاة التطورات في المجتمع، التي تتعلق بطبيعة الأفعال وسلوك مرتكبيها، وأقرت ثلاثة قوانين جديدة زادت من سوء الإجراءات القمعية، ووسعت تطبيق قانون العقوبات ليشمل الجرائم ذات الطابع الإرهابي ومن يرتكبها في الخارج سواء كانوا مواطنين فرنسيين أو أي مواطن أجنبي يقيم في فرنسا.
منحت الحكومة صلاحيات واسعة للشرطة في القانون الفرنسي حتى تمكنها من التوسع في الإجراءات لإجبار كل شخص غير قادر على التأقلم مع الهوى الفرنسي على الرحيل مباشرة، لدرجة أنها خصصت رقما مجانيا من خلال متابعة الإنترنت لرصد أي تعليق على السوشيال ميديا من أي مواطن أو مقيم، ولو كان يؤيد فيه بلده الأم في أي قرارات ضد قرارات الحكومة الفرنسية.
هذه الإجراءات انعكست على نشاط الشرطة التي توسعت بشكل غير مسبوق في تحرير محاضر لهذا النوع من المخالفات المزعومة ووصلت الشهر الماضي إلى 5 آلاف تقرير عن التطرف منذ إنشاء الرقم المجاني الذي نشر في وسائل الإعلام لتشجيع الفرنسيين على الإبلاغ عن أي مظاهر للتطرف، ما خلق حالة من التوتر في المجتمع، وفتح المجال لليمين المتطرف للسيطرة على المجال العام والانتقام من المسلمين.
الغريب أن الإجراءات الجديدة ترفض مغادرة أي عنصر على أرضها يرى أنه غير قادر على التماشي مع القيم الغربية والفرنسية بشكل خاص، وتفحص سجله أولا لتنفيذ أحكام القانون في أي خطأ متعلق بالانصياع للقيم وتصل العقوبة للسجن وعليه أولا الانصياع للعقوبة ثم المغادرة.
وخلال هذه الفترة تخضعه لجلسات مكثفة للتأكد من إقلاعه عن الأفكار التي تشكل تحديا للقيم الغربية، التي يمكن أن تكون محافظة أو متدينة لا تصل حد التطرف، ولكنه الكود الفرنسي للمواطنة، الذي تتبعه الآن الكثير من البلدان الأوروبية، حيث يعيش الوافد في حالة من الرعب، ويشعر بالاستهداف من الجميع، ما يجعل أسباب بقائه منعدمة وغير مرغوب فيها.
الدكتورة نجاة السعيد، الباحثة في شئون الجماعات الإرهابية، ترى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكد خطورة الإسلام السياسي، في تهديده وسعيه للانعزال عن الجمهورية الفرنسية، موضحة أنه ينجح في توجيه انتقاده للإسلام السياسي وليس المسلمين العاديين.
لكن السعيد ترى مشكلة كبيرة في الغرب رغم رفض خطاباتهم دائما الجمع بين الإسلام السياسي والتنظيمات المتطرفة الإرهابية، ويفرقون بين المسلمين المؤمنين بالعقيدة ومن يريد فرض أفكارهم على غيرهم بالعنف والتشدد وأعمال القتل والتخريب، وتؤكد أنه منذ سنوات طويلة وهم غير قادرين على التوحد في مشروع يقوده قادة الفكر والساسة لمواجهة خطورة الإسلام السياسي، دون أن يتسرب ذلك إلى مواجهة المسلمين العاديين.
وأوضحت السعيد أن أهم الأسباب في ازدياد الإرهاب بالمنطقة العربية الإسلامية والعالم، أن العالم الغربي منقسم إلى طرفين في مواجهة إرهاب الإسلام السياسي، الأول: المبررون، وهم متمثلون في اليسار الغربي، والثاني: العدائيون، وهم متمثلون في اليمين، مؤكدة أن مواقف الطرفين من يسار ويمين لن تؤدي إلا إلى المزيد من الكراهية وسوء الفهم لطبيعة أحداث العنف الجارية سواء في المنطقة أو داخل البلدان الغربية، على حد وصفها.
نقلًا عن العدد الورقي…