رئيس بعيد عن الأضواء.. محطات في حياة عبد العزيز بوتفليقة
أعادت وفاة الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، سيرته إلى الأضواء في عالم السياسة، منذ استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي عام 1962، حتى تنحيه عن الحكم في شهر أبريل من عام 2019.
التحق عبد العزيز بوتفليقة، المولود في مدينة وجد المغربية عام 1937، وهو في التاسعة عشرة من العمر بالثوار، حيث عمل أولا في الوحدات المتواجدة بمنطقة وهران، غرب الجزائر، وكلف بمهام عديدة في مناطق مختلفة من البلاد.
وخلال مسيرته العسكرية تولى عبد العزيز بوتفليقة مهام في هيئة قيادة العمليات العسكرية بالمنطقة الغربية، وبعدها عين في هيئة قيادة الأركان بالمنطقة نفسها، ثم عمل في هيئة قيادة الأركان العامة لثوار الجزائر.
مهام سرية
ومن أبرز المهام التي تولاها الرئيس السابق، أبان حقبة المقاومة التي التحق بها عام 1956، مهام على الحدود الجزائرية مع مالي، حتى بات يعرف في أوساط الثوار حينها بلقب ”عبد القادر المالي“.
كما تولى عبد العزيز بوتفليقة محاولة إقناع قادة الثورة الذين كانوا محتجزين، وهم: محمد خضير، وحسين آيت أحمد، وأحمد بن بلة، ومحمد بوضياف، ومصطفى الأشرف، بالانضمام إلى قائد جيش التحرير حينها هواري بومدين، ضد الحكومة المؤقتة بقيادة يوسف بن خدة.
وبعد أن وصل عبد العزيز بوتفليقة إلى القادة الخمسة المحتجزين في قلعة أولنوا، استطاع إقناع أحمد بن بلة بالانحياز إلى هواري بومدين، لكن محمد بوضياف رفض الفكرة رفضا قاطعا، بحسب الروايات التاريخية.
استقلال الجزائر
كان الرئيس الجزائري السابق عشية استقلال بلاده في الخامسة والعشرين من العمر، وحينذاك تخلى عن المسار العسكري، وأسندت له وزارة الشباب والرياضة والسياحة، حيث كان أصغر وزير في الحكومة.
وفي عام 1963، أي بعد أشهر من توليه الحقيبة الوزارية الأولى، تم تعيينه وزيرا للخارجية، وهو المنصب الذي نال منه شهرته الدولية، حيث كانت الجزائر حينها منخرطة في دعم تصفية الاستعمار في أفريقيا، وعضوا نشطا في منظمة عدم الانحياز.
وبعد سنتين، وتحديدا في عام 1965، قام رئيس البلاد حينها أحمد بن بلة بإصدار قرار بإعفاء بوتفليقة من منصب وزير الخارجية، لكن بعد ذلك بيوم واحد انقلب وزير الدفاع هواري بومدين على بن بلة، وأعاد بوتفليقة إلى المنصب الذي شغله حتى عام 1979، حين أعفي منه في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد.
وبعد خروجه من الحكومة في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد واجهت بوتفليقة تهم فساد، غادر على إثرها البلاد وعاش في المنفى، قبل أن يرجع إثر تلقيه ضمانات من السلطات بعدم مضايقته.
العودة للسلطة
بعد سنوات قضاها خارج المنظومة الحاكمة، عاد بوتفليقة مرشحا للرئاسة عام 1999، مع وعد بإنهاء ما عرف حينها في الجزائر بـ“العشرية السوداء“، حيث شهدت البلاد حربا أهلية خلال العقد الأخير من القرن الماضي، بعد أن فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في انتخابات برلمانية ومحلية، ثم ألغيت النتائج.
وبعد أن فاز في الانتخابات الرئاسية قام عبد العزيز بوتفليقة بإصدار عفو عن المسلحين الذين يسلمون أسلحتهم للدولة، وهي خطة نجحت في دفع آلاف من المقاتلين إلى التخلي عن العنف.
وبعد فترة أقر الرئيس الجزائري من جديد ما عرف بـ“ميثاق السلم والمصالحة“ لتشجيع من تبقى من المسلحين على إلقاء السلاح والاندماج في المجتمع مجددا، وهكذا وضع حدا لسنوات من العنف، ما أكسبه شعبية كبيرة في أوساط الجزائريين.
التشبث بالسلطة
بعد أن أعيد انتخابه لولاية رئاسية ثانية، قام بوتفليقة بالعمل على تعديل الدستور، حتى يتمكن من الترشح عدة مرات بعد أن كان يسمح فقط بولايتين رئاسيتين، وهو التعديل الذي تمكن من تمريره عام 2008، لينتخب مجددا عام 2009 رئيسا للبلاد، ويعاد انتخابه للمرة الرابعة عام 2014.
وخلال فترته الرئاسية الثانية وتحديدا في شهر نوفمبر من عام 2005، واجه بوتفليقة مشاكل صحية نقل على إثرها للعلاج في فرنسا، وقضى هناك أكثر من شهر وخضع لعملية جراحية، قالت السلطات إنها تتعلق بالمعدة.
وخلال ولايته الرئاسية الثالثة، وتحديدا في شهر أبريل من عام 2013، تعرض بوتفليقة لجلطة دماغية تعالج منها في فرنسا، ثم عاد إلى البلاد على كرسي متحرك، في شهر يوليو من العام نفسه.
وبعد عودته ظل ملازما الكرسي المتحرك ولا يظهر في المحافل الرسمية إلا نادرا، ما دفع كثيرا من الجزائريين إلى التشكيك في قدرته على حكم البلاد، وتفاقمت الأصوات المعارضة له والمطالبة باستقالته بعد ترشحه وفوزه بالمأمورية الرابعة عام 2014.
وخلال مأموريته الرابعة قام نظام بوتفليقة بتعديل الدستور مرة أخرى، لكن بهدف تحديد رئاسة الجمهورية مجددا بولايتين على الأكثر، وسط مطالبات للرئيس من طرف أنصاره بالترشح لولاية خامسة، غير أن احتجاجات شعبية عارمة اندلعت عام 2019 أجبرت الجيش على دفعه للتنحي عن السلطة، بينما طالت تهم الفساد أفرادا من عائلته وشخصيات بارزة في نظامه.
ولا يعرف الكثير عن حياة الرئيس الجزائري الراحل الشخصية، حيث لم تعرف له زوجة ولا أولاد، وبعد تنحيه عن السلطة اعتزل الحياة العامة من وقتها، وأقام في مقر إقامته بالعاصمة الجزائر حتى توفي.