حسام البدري والذين معه
طالما كانت الثقافة العامة هي التعايش مع الضرر لا الحسم معه يصبح وجود حسام البدري أمرا عاديا ولهذا أتعجب من تلك الصحوة المفاجئة ضد الرجل وكأن البلد ليست مزدحمة بعشرات الألوف من حسام البدري.. علي الأقل البدري لم يفشل الفشل الذريع الذي يستوجب تلك الثورة الغامضة كل ماهنالك أن بعض الجماهير نصبت نفسها مكانه بدون علم بظروف اللاعبين المرهقين من دوري غبي طال بأكثر مما يجب وإتحاد كرة هاوي فشل حتي في صنع جدول للمباريات، فكان حسام البدري هو كبش الفداء لتغطية فشل المنظومة الرياضية كلها..
وان كان الامر كذلك فهل من حق تلك الجماهير المطالبة بتنحية كل الحسامات من مواقعها المشكلة ليست في حسام البدري كشخص، بل في كل حسام بدري متواضع القدرات، ثقافتنا كمجتمع وكأسرة وكأجواء عامة أن نُثمن هذا الصنف، هذه اختياراتنا.. لذلك هذا هو وضعنا العام.. من أول المكوجي والسباك وصولا لمدرب المنتخب ومرورا بالمحافظ والوزير..أن يكون العادي المضمون خير من سواه.. مهما كان اللافعل واللاتقدم واللاحراك.
وربما كانت ديمقراطية ملاعب كرة القدم هي سبب شهرتها فالمساءلة والشفافية وتغيير السلطة، فكرة لقدم تتضمن العدل والقوانين والمساءلة، كما أن الجمهور يري كل شيء دون إخفاء أو غموض فضلا عن إتاحتها للتبديل بين اللاعبين حتي بالنسبة لأمهرهم، فلا يستمر لاعب مثلا لمدة ٢٠ عاما دون أن يخرج من المباراة والجمهور يتوحد مع كرة القدم لأنها المجال الوحيد الذي يشمل مزايا الديمقراطية وكلما كانت الشعوب مقهورة بحثت عن الشيء العادل الوحيد حولها، وهو هنا بالطبع ملعب كرة القدم.
ديمقراطية كرة القدم
ديمقراطية، بمعنى أنها متاحة للفقراء كما الأغنياء. بيليه، اللاعب الأسطورة بدأ حياته ماسح أحذية فأكسبته ملاعب كرة القدم النجومية والثروة! فقراء الضواحي ومدن الصفيح في ساو باولو وسويتو والقاهرة وغيرها هم الذين أسهموا في انتشار هذه اللعبة لأن ممارستها لا تحتاج إلى أموال ولا إلى تجهيزات، يكفي الشباب الفقير ماديا والمهمش اجتماعيا العثور على فسحة من الأرض ضيقة كانت أو فسيحة لتحويلها إلى ما يشبه الملعب ثم يتقاذف كرة مصنوعة يدويا من الخرق البالية والألياف! وإنسانية، بمعنى أن لعبة كرة القدم عابرة للأعراق والإثنيات والأديان.
في عام 1998، سمي المنتخب الفرنسي الفائز ببطولة المونديال منتخب قوس قزح لكونه ضم لاعبين فرنسيين أبا عن جد، وآخرين من أصول افريقية وعربية أبرزهم زين الدين زيدان الجزائري الأصل والفرنسي الهوية والانتماء، وهي أيضا تضامنية بإعتبار أن اللاعب هو جزء من الفريق أي المجموعة، وهذا يساعد على تنمية الشعور بالتضامن والإنصهار ضمن كتلة واحدة مخولة الدفاع جماعيا عن مرماها وألوان منتخبها..
بل إن كرة القدم كانت أهم مؤهلات جورج ويا فرغم إعتزاله كرة القدم منذ أكثر من ١٦ عاما إلا أن أصوات الجماهيرعادت من جديد تهتف بإسمه فى إستاد العاصمة الليبيرية مونروفيا وبحضور أكثر من ٣٥ ألف متفرج، ليس لإحرازه هدفا جديدا ينضم إلى قائمة بطولاته ولكن هذه المرة لتنصيبه رئيسا لليبيريا بعد فوزه فى الجولة الثانية من الانتخابات بنسبة 61٫5%، ليصبح أسطورة كرة القدم جورج ويا أول رئيس بخلفية رياضية يحكم البلاد فى أول عملية إنتقال ديمقراطى للسلطة منذ أكثر من 70 عاما فى هذا البلد الإفريقي.
الرياضة وثقافتها الخاصة
وهكذا يمكن للرياضة أن تصنع ثقافتها الخاصة التي تتجاوز ثقافات التقسيم، والمساعدة في نشر قيم التعاون والتآخي بين الشعوب، وتعميم ثقافة الإنجاز والتعاون والإيجابية. ويمكن لكرة القدم أن تكون رسول محبة وإخاء بين الشعوب، يمكنها أن تعلم الناس كيف يتعارفون، وكيف يأتلفون، وكيف يشد بعضهم أزر بعض. كيف تجمعهم مشاعر واحدة تتجاوز فروقاتهم البشرية، كيف يلتف جزء كبير من العالم حول فريق لا ينتمي لدينه أو قوميته ولا يحمل جنسيته، كيف يتحول الإنسان في المونديال مثلا إلى كائن عالمي، أو كائن «معولم».
كيف يلتقي مع ملايين البشر حول قيم وجمالات وأساليب رفيعة ترمز لمعايير التفوق والجودة والأداء الماهر؛ بل يمكن القول إنها تعلم الجميع مهارات تساعدهم في إضفاء التعايش وحل الصراعات بالطرق السلمية.وقد أصبحت كرة القدم علاجًا لأمراض الشعوب، بعد أن كانت تثير المطاحنات والحروب، كحرب الجارتين في أميركا الوسطى: هندوراس والسلفادور، التي انتهت بآلاف القتلى والمشردين في عام 1969؛ لكنها تحولت وخاصة في أميركا اللاتينية وأفريقيا علاجًا فعالًا لمساعدة آلاف الشباب في المناطق الموبوءة بالجريمة والصراعات المسلحة، للتخلص من العنف والمخدرات، كما في البرازيل والمكسيك وكولومبيا والسلفادور وغرب أفريقيا؛ بل إن كاهنًا كاثوليكيًا في هندوراس هو «ألبرتو غوتشي» فضّل أن يبني ملعبًا في بلدة تعاني من تهريب المخدرات وعنف العصابات، كوسيلة لإنقاذ الشباب من السقوط في الغواية.
وتتحدث «اليونيسكو» عن: «تسخير الرياضة من أجل السلام والتنمية»، وترى أن «ممارسة الرياضة هي وسيلة مُعترف بها لتعزيز السلام؛ إذ إنها تتغاضى عن الحدود الجغرافية والطبقات الاجتماعية على حدٍ سواء». وهي تؤدي أيضًا دورًا بارزًا «إذ تعزز التكامل الاجتماعي والتنمية الاقتصادية في مختلف السياقات الجغرافية والثقافية والسياسية». كما تشكل الرياضة «أداة قوية لتوطيد الروابط والشبكات الاجتماعية، ولتعزيز المثل العليا للسلام والأخوة والتضامن واللاعنف والتسامح»