رئيس التحرير
عصام كامل

الدولة "العقيقة"


بجدارة تستحق ثورة 30 يونيو لقب الثورة الثانية على الفساد والاستبداد والتبعية، بدأها شعب مقهور ضد جماعة طاغية وأربابها الممارسين للعنف والتكفير والاستبعاد، أو قل عنهم "الفلول" الجدد الهاربين من عباءة "الدولة العميقة" قبل عام، والمروجين لها ومفهومها كعدو لمشروعهم العنصرى الجديد.


المصطلح المنقول إخوانيا عن النموذج الحلم بتركيا، لم يسع الرئيس المطرود إلى استيعاب معناه وأبعاد وحدود نفاذه، وسط إصراره وجماعته على بناء مفهوم مواز مبتكر على مقاس دعاة عشيرته المروجة لما يسمى بـ"المشروع الإسلامى"، والذى جعلت غير المتوافقين معها خارجة ومعادين له.

ولأن الثورات غالبا ما تنتهى آلياتها الديمقراطية بالحكم إلى أيدى الأسوأ بداية، حضرت الفاشية الدينية المصنفة اقتصاديا كقوة رأسمالية تجارية إلى السلطة، وانخرطت بمشروعها العقائدى فى دورة تشبه حياة الكائنات الطفيلية مع جماعة انتهازية لفترات انتقالية برعاية الرأسمالية العالمية ومشروعها الأوسع نطاقا، فأنتجت ما يمكن أن يلقبه ضحايا سياساتها بـ"الدولة العقيقة".

والدولة "العقيقة" يمكن أن ينشأ كمصطلح سياسى جديد فقط فى المراحل التى تجتمع فيها قوى الدين السياسى الزائف الكائنة على جثث شعوب مغلوب على أمره، معدلات عالية من الفقر والأمية والبطالة والجهل والمرض تقضى على إرادتها فى اختيار حر بالمعنى الأبعد من صندوق الانتخاب، فيما تُوكِل مهمة الدفاع عن مشروعها "السبوبة" إلى متحالفين متحولين تقترب مخرجاتهم اللفظية من عاطفة المستضعفين، لإقناعهم بالاستغراق فى الدين كسبيل أوحد للخلاص من أزماتهم، وتشخيص الداء فى ابتعادهم عن الله ممثلاً فى شخص "نائبه" المنتصر بإرادته فى عملية سياسية.

الفارق بين الدولة "العميقة" بمجموعة التحالفات النافذة والمناهضة للديمقراطية داخل النظام السياسي، ونظيرتها "العقيقة"، أن الأخيرة صُبغَت بصِبغة دينية انتهت إلى حصد خيرات الدنيا والآخرة لأصحابها احتساباً إلى معايير "مكتب التنسيق البشرى"، الذى تفتكسه القوة الدينية الحاكمة ليجعل الناس درجات وأجناسا ويخلق فى معاملاتهم وتقديرهم قانونا خاصا جديدا يخالف قوانين السماء والأرض، ويصنع من واضعيه "آلهة" منزهة.

وبالضرورة يحكم المتأسلمون على "العميقة" بأنها مناهضة للإسلام وعلمانية، بينما يعتبرون "العقيقة" مشروع دولة ينتمى إلى "الإسلام" والسُنة، ومعه تنتفى أفكار الديمقراطية ومعانى حقوق الإنسان خارج سيطرة "التنظيم"، فلا خطأ يغتفر لمنتقدى "الحاكم"، ولا نبوءة تفسر إلا لصالح مقامه ولو كان ظهور الرسول محمد "ص" فى المنام واقفاً خلفه فى صلاة، ولا آية من الذكر الحكيم إلا ودلالاتها ذاهبة إلى تعظيمه وإجلاله.

الدولة "العقيقة" بمعناها وتطبيقها الإخوانجى تستحل ارتكاب الذنوب والمعاصى لبُناتِها وحدهم، فالعلمانى والليبرالى والقومى شواذ بالفطرة السياسية، والنائب الملتح المُدان قضائيا بفعل فاضح مع منتقبة مظلوم ومستهدف من أعداء الله بالضرورة، والحاكم المتصالح مع لصوص المال العام والباغى على القضاء حكيم بالسليقة، والمعتدى على حقوق شعبه فى العيش والحرية والكرامة والعدالة لديه تفويض ربانى بالأذى والتغول، والرافضون سياساته خوارج مستباحة دماؤهم صوناً للأمة "التنظيم"، ومن يطيحون به عبر ثورة منقلبون على "شرعية إلهية" وأعداء لمشروع ربانى مفوض بتنفيذه.

تخيلوا كم الانتهازيين المروجين للإسلام ك"مشروع" جعلوا معه الرسالة السماوية عرضة للربح والخسارة، ومن ربطوا أركانه الهشة بمطامعهم الدنيوية التى أنتجت فكرتهم الشيطانية التى سعوا بها إلى تحويل مصر من دولة قانون يحلم بها شعبها صاحب الثورة، إلى "عقيقة" يجتمع عليها الخاصة من المرضى عنهم، تستخدم فيها قوى وأدوات "العميقة" وعلاقاتها مع الأم بواشنطن وطفلتها المدللة إسرائيل، ولا يُراد لشعب مغلوب على أمره أن يقلب المائدة فوق رؤوسهم!!

ألهؤلاء سبيل آخر سوى حمل السلاح وإشاعة الفوضى وإعمال القتل والتخريب لاستعادة "فريستهم" والاجتماع على "عقيقتهم"؟! إنه الدرس "الكابوس" الذى لن ينتهى منه المصريون طالما ظلت أسباب سقوط حلمهم قائمة.
الجريدة الرسمية