دينا منير تكتب: قطار أول وجريدة واحدة
اعتدت الانتظار على رصيف انتظار ذلك القطار، نعم مللت ولكنني ألفت ذلك دون ضجر أو تأفف... لِما قد يأتي هو وقد أفنيت عمري فى الانتظار ولم ألحق بشىء حتى الآن!!
هاهو قطار أمامي يمر وأركض خلفه ولكن قدماي لا تطأنه!
يمر من أمامي كتلك الأيام الثقال التي أحسبها عمري، يمضي بعجلاته تاركًا لقلبي وجسدي تجاعيد كتجاعيد وخدوش تلك القضبان التي تتحمل ذلك القدر من الضغط دون كلل، يزداد لمعانها وصقلها ولكن إن لمستها ستجد لهيب يحرقك.
وقطار آخر الآن مر مسرعًا يصدر صفيرًا مدويًا، ألمح بين ركابه روحي.. لوحت بيدي كثيرًا حتى تلتفت لذلك الجسد البائس الذي لا يستطيع أن يجتمع بها في ذات القطار.. ولكنها كانت تتسامر مع محظوظين آخرين ففقدتها، فمر القطار وجلست أنا أنتظر.
تأملت جميع من حولي وينتظرون قطاراتهم مثلي... فعلت مثلهم لعلّي ألحق بقطار يأخذني لمحطة ما أجمع بها شتات أمري.. ولكن ذلك لم يجدي نفعًا، فذلك الطالب الذي يحمل وثيقة نجاحه بيديه يُظهرها للجميع بتفاخر قد مضى، وهذان العاشقان يسرقان القبل في الخفاء والأحضان وتشابك الأيدي وسرعان ما لحقا بقطار يجمعهما إلى وجهة يرجونها.
وهنا تلك الأسرة التي تداعب الأم بها تارة طفلها الصغير ثم ترنو بابتسامتها لتلك الابنة اللامعة وتمسد شعرها ثم لا تنسى إحتضان طفلها الكبير الغيور وفى النهاية جمعهم قطار ومضى..
وآخران تتعالى أصواتهما شجارًا حتى انفصلا، أحدهما بالقطار والأخر يترك رصيف الإنتظار ويعود للحياة ويُكمل بها شق طريقه.
حتى أن ذلك الوسيم رمقني على عجل ثم استقل قطاره ومضى.. تبًا إنه يظن أنني لا أصلح سوى الإنتظار!!
وضعت يدي بجيوب معطفي ووجدت مجموعات كبيرة من تلك التذاكر المهترئة لجميع الوجهات، أيعقل أنني بذلت ما أملك لكل تلك التذاكر والوجهات ولا زلت هنا عند رصيف الانتظار!
أوقفت بائع الجرائد ولكنه لم يلتفت، حتى ذلك الشخص الذي عمله أن يظل منغرسًا هنا مثلي على الرصيف لا يعيرني اهتمامًا!!
لا بأس سأخذ أنا الجريدة وأتصفحها فقد تشغل وقتي قليلًا حتى أجد قطارًا يحملني.
وجدت اسمي وصورتي وسط العشرات من الأسماء المتراصة بتلك الصفحة الأولى بهذه الجريدة القومية التي يغطي نصفها الأول ذلك القطار المحترق المدمر، مررت بعيناي سريعًا على السطور فانتابني الدوار، تذكرت الآن..!
ذلك كان القطار الأول الذي زُججت إلى داخله مع حشد من الناس أتذكر ملامحهم جيدا..
كنت وسطهم أقاوم ولكنهم كانوا كيأجوج ومأجوج متعطشون للشجار والجدال والصعاب والأزمات، أمضيت معهم رحلة كانت نهايتها إشتعال القطار وتدمره وأنا بداخله معهم..
لا بأس الآن.. علمت أن الإنتظار سبيلي الوحيد المتاح وأن تلك القطارات ليس لي بها مقعدا يحملني بروحي وجسدي معًا..
سأعود لأراقب تلك القطارات المسرعة على قضبان روحي وقلبي.