إذا تساوت الحسنات والسيئات فكيف يحاسب المسلم في الآخرة؟
تحدث الشيخ محمد متولي الشعراوي، عن فئة من المؤمنين تتساوى حسناتهم مع سيئاتهم بميزان العدل يوم الحساب، وأوضح كيف تحاسب هذه الفئة في الآخرة؟، مستهلا كلمته بالحديث القدسي: (عن حذيفة رضى الله عنه قال: أصحاب الأعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا " ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم ربك، قال: قوموا ادخلوا الجنة فإنى قد غفرت لكم.
و في سورة الأعراف يقول الله تعالى:" وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ".
عرف الديك
والأعراف جمع عرف مأخوذ من عرف الديك وهو اعلى شيء فيه، وكذلك عرف الفرس، كأن بين الجنة والنار مكانا مرتفعا كالعرف، يقف عليه أناس يعرفون أصحاب النار بسيماهم، ويعرفون أصحاب الجنة بسيماهم، فكأن من ضمن السيمات والعلامات ما يميز أهل النار عن أهل الجنة.
فالمؤمنون جماعة أشرقت وجوههم بسيماء الإيمان، فكأنها مشرقة بالنور، ونور الوجه لايقصد به البشرة البيضاء، ولكن نور الوجه يكون بإشراقة الإيمان في النفس.
ولذا يصف الحق سبحانه المؤمنين برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة الفتح: ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار، رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ).
وساعة ترى المؤمن المتقي لله تسر وتفرح به، ولا تعرف مصدر هذا السرور إلا حين يقال لك انه ملتزم بتقوى الله.، وهذا السرور يلفتك إلى أن تقلده، والعكس من ذلك أصحاب النار فتبتعد عنهم سمات الجلال والجمال وتحل محلها سمات القبح والشناعة فيقول الله تعالى في سورة آل عمران: 0 لإاما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ).
ميزان العدل
وجماعة الأعراف هم من تساوت سيئاتهم مع حسناتهم في ميزان العدل الإلهى الذى لا يظلم أحدا مثقال ذرة، والقرآن يقول (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ) القارعة.
فهذان فريقان أحدهما من ثقلت موازينه وثانيهما من خفت موازينه، لذلك كان لابد من فريق ثالث تتساوى سيئاتهم مع حسناتهم فلم تثقل موازينهم فيدخلوا الجنة، ولم تخف موازينهم فيدخلوا النار، وهؤلاء هم من تعرض أعمالهم على " الجنة الرحمة " فسيجلسون على الأعراف.
عدالة الكون
يقول الحق سبحانه في سورة الأعراف ( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون ).
فالموازين هي عين العدل، والميزان الحق هو الذى قامت عليه عدالة الكون كله وكل شيء فيه موزون، فالميزان يثقل بالحسنات ويخف بالسيئات.
وهؤلاء الذين تتساوى حسناتهم بسيئاتهم ينظرون لأهل الجنة قائلين ( سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ) وفى نفس الوقت يطمعون أن يغفر الله سبحانه وتعالى لهم.
ولكن ماذا حين ينظرون لأهل النار ؟يقول الله تعالى ( وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ).اى جنبنا يا الله ان نكون معهم.
وهنا يطمنا الحق ويقول ( إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما )