نجل البطل خضر التوني: «هتلر» قال لوالدي تمنيت لو كنت ألمانيًّا.. والملك فاروق منحه نوط الجدارة | حوار
انتزع الميدالية الذهبية من سواعد الألمان فى بلدهم وأمام جماهيرهم فى «أولمبياد برلين 36»
صحفي أمريكي أطلق عليه لقب «أقوى رجل فى العالم» وهرب من المستشفى ليحقق «برونزية العالم» رغم آلام «الزائدة الدودية»
منحة الـ1000 جنيه من الملك فاروق سبب شرائه «بيت حلوان».. و«لمبة» كتبت نهايته
ناظر المدرسة أصدر قرارًا بفصله من عمله بسبب «غيابه دون إذن».. وطه حسين أنصفه بتعيينه «مستشارًا رياضيًّا» بـ10 جنيهات فى الشهر
راتب الوالد كان 103 جنيهات عام 56.. وعند الوفاة صدر قرار استثنائى بمعاش 6 جنيهات
مات صعقا بالكهرباء أثناء إصلاح «لمبة».. وعبد الناصر قرر أن يكون تعليمنا على نفقة الدولة
«الأولمبياد».. مسابقة يدرك كل رياضى الفخر الذى سيجنيه عندما يوضع اسمه فى «قائمة المشاركين» بالبطولة الأشهر عالميًّا.. الحلم الذى يسعى أي بطل لتحقيقه وضمه لـ«مسيرة إنجازاته» فى عالم الرياضة، ناهيك عن تحقيق ميدالية، برونزية كانت أو فضية، أما «الذهبية» فهى «المستحيل الذى أصبح واقعًا».. الحقيقة أنه مع موسم «الأولمبياد» الذى يأتى كل أربع سنوات تتزاحم الأفكار فى رأسى، ويطاردنى سؤال وحيد.. كيف لمصر بلد التاريخ والحضارة أن يكون رصيدها من الميداليات الأولمبية على مدار ما يقرب من 100 عام ثماني ميداليات فقط «ذهبية»؟!
وبالطبع لكل ميدالية من الميداليات الثمانى هذه حكاية، وهنا أتوقف عند واحدة «ذهبية» كانت حديث العالم وقتها، عندما وقف الزعيم النازى «أدولف هتلر» مشدوهًا بالبطل المصرى الذى حقق الميدالية الأغلى، قائلا له: «إن لمصر أن تفخر بك.. وددت لو كنت ألمانيًّا».. أما البطل الذى نال إعجاب الزعيم النازى الأشهر، وأبهره فهو المصرى خضر التونى، البطل الذى لم يكن - وقتها– قد أكمل عامه الأربعين، وهو يحقق ألقابا كثيرة منها «أقوى رجل فى العالم» و«أفضل رياضى مصرى فى القرن العشرين»، ورغم مرور سنوات كثيرة على «إنجاز التوني» إلا أن بطولته وسيرته لا تزال حاضرة فى الأذهان، واسمه لا يزال يزين ميادين ليست فى مصر وحسب، ولكن فى ألمانيا وأمريكا والصين.
على مدار أيام وأشهر، تراودنى فكرة التنقيب عن هؤلاء الأبطال.. كيف كانوا؟! كيف عاشوا؟! ماذا حدث لهم بعد ذهبية الأولمبياد؟!
قصة هذا الحوار
البداية كانت من عند صورة التقطت فى سرداق عزاء المستشار هشام التونى، رئيس منطقة القاهرة السابق، وابن شقيق البطل الأولمبى خضر التونى، نشرها اللواء مختار عمارة، بطل رفع الأثقال، مع اللواء شكرى التونى، ابن البطل خضر التونى، وبعد عدة اتصالات نجحت فى الوصول لابن البطل الذى يقطن فى إحدى فيلات مدينة الشروق، وكان سؤالى الأول: هل لديك شيء من سيرة البطل ومقتنياته؟ وكانت الإجابة نعم.. وهى الإجابة التى فتحت «طاقة القدر» لأجد نفسى أمام كنز ثمين لا يقدر بأموال، أثمن ما فيه أصل الميدالية الذهبية التى حققها البطل المصرى فى الدورة الأولمبية التى أقيمت فى برلين عام 1936، فضلًا عن عدد آخر من الميداليات جرى ما جرى عليها من الزمن، ورغم هذا لا تزال باقية، شاهدة على «بطولة التوني»، وإلى جانبها قصاصات الجرائد فى عام 36، وأولمبياد 48، ويوم الوفاة في 56، وطابع بريد عليه صورة خضر التونى صادر من هيئة البريد المصرى.
«وبطولات التوني» الذى حاورت "فيتو" نجله اللواء شكرى تمثلت فى ذهبية أولمبياد برلين 1936، وذهبية بطولة العالم بباريس 1946، ورابع أولمبياد لندن 1948 وميدالية برونزية، وذهب بطولة العالم في لاهاى 1949، وذهب بطولة العالم بباريس 1950، المركز الثالث فى بطولة العالم بميلانو 1951، وذهب ألعاب البحر المتوسط 1951.
أفضل رياضى مصرى فى القرن العشرين
وكرَّمته الدولة بمنحه نوط الجدارة من الدرجة الأولى عام 1951، ولقب أفضل رياضى مصرى فى القرن العشرين، ونوط الواجب من اللجنة الأولمبية العربية، وصدر قرار جمهورى بمعاش استثنائى لأسرته، وقرار جمهورى بتعليم أولاده فى جميع مراحل التعليم مجانا.
أى كنز هذا الذى وقعنا عليه والأكثر من ذلك الحكايات التى جرت على لسان اللواء شكرى التونى الذى عاصر والده 8 سنوات و3 أشهر، وكان شاهد على وفاته عندما صعقته الكهرباء فى سبتمبر 1956، وكيف دارت بهم الحياة بعد ذلك لنكتشف أن الدولة المصرية بعراقتها لم تنس أبطالها وكل من قدم حبة عرق فى سبيل رفع العلم المصرى.. وتركنا «التونى الابن» ليسرد ذكرياته مع والده البطل الراحل.
وإلى تفاصيل حوار “فيتو” مع نجل البطل المصرى الأوليمبى الراحل الذى حفر اسمه بالذهب فى التاريخ لنفتش فى أوراقه باعتباره صورة طيبة للحاضر والمستقبل، على أمل أن يكون قدوة الشباب.
*بداية.. حدثنا عن الميلاد والنشأة والمواقف البطولية للبطل المصرى الراحل؟
الميلاد فى 15 ديسمبر 1916 فى أسرة بسيطة.. الوالد يمتلك محلًا لبيع الجلود فى منطقة بين الصورين، والبطل «خضر» لم ينل حظه من التعليم كاملًا حيث كان شغوفًا بالرياضة، وتحديدًا رياضة رفع الأثقال التى كان يمارسها فى الساحات الشعبية.
ووالدى كان يملك قوة هائلة، وهو إنسان فوق ذلك، وسأدلل على كلامه بموقفين، الأول: قبل أن يصبح بطلًا عندما كان يستقل "الترام" وإذ بفتوة بولاق يضايق إحدى السيدات وحاولت السيدة تفادى الأمر، لكن الفتوة أصر على مضايقتها بوضع قدمه فى وجهها، فما كان من البطل التونى إلا أن رفع الفتوة وألقاه من الترام، والغريب بعد ذلك أن علاقة صداقة قومية ربطت بينهما، وكان الفتوة فى مقدمة الذين تلقوا العزاء فى والدى، وأذكر أنه عندما حاول بعض موظفي الكهرباء تحرير محضر بسبب سرادق العزاء، فما كان منه إلا أن أخبرهم أن السرادق يخص البطل خضر التونى الذى شرف مصر أمام العالم، ليرحلوا فى هدوء.
الموقف الثانى الذى أذكره عندما كان والدى يدرب المنتخب الوطنى، وكان المنتخب فى معسكر بمحافظة الإسكندرية، وحدث أن اللاعبين خرجوا فى نزهة وأثناء عودتهم بـ«حنطور» فوجئوا بصاحبه يطالبهم بـ 10 قروش أجرة، وهو ما رفضه اللاعبون، الذين سارعوا بقلب الحنطور رأسًا على عقب، وعندما علم والدى بالموقف أسرع إلى المكان وأعاد الحنطور إلى وضعه الطبيعى وأعطى الرجل 20 قرشا.
البطل المصرى كان رجل «بيتوتى» فى المقام الأول، رزقه الله بـ8 أبناء، 6 ذكور وبنتين، وبعد اعتزال رفع الأثقال كان هو من يذاكر لهم ومن يلتزم يذهب معه إلى نادى الترسانة كفسحة، والضرب لم يكن من عاداته، لكن العقاب الذى كان ينزله على المخطئ أن يطالبه بدخول غرفته وإغلاق بابها عليه، أما شريكة العمر التى اختارها البطل مات زوجها وهى فى الثلاثين من عمرها وأصبحت هى رجل البيت، وظلت على رسالتها حتى أوصلت أبناءها إلى بر الأمان، الطبيب والمستشار واللواء، وكلهم تعلموا لتقابل بعد ذلك ربا كريما، وثروة والدهم التى تمثلت فى دروع وميداليات وأوسمة وزعتها على الأبناء بالتساوى مع وصية بالحفاظ على تراث البطل، فكان نصيب الميدالية الذهبية من نصيبى، والتمثال العاج من نصيب الدكتور أسامة الذى يعيش فى الولايات المتحدة الأمريكية.
*حدثنا عن مواقف الزعيم عبد الناصر لتكريم الوالد؟
راتب الوالد قبل الوفاة كان يبلغ 103 جنيهات عام 56، منها راتبه فى وزارة التربية والتعليم كمستشار رياضى، فضلا عن تدريب المنتخب الوطنى والنادى الأهلى والترسانة، وعند الوفاة صدر قرار استثنائى بأن يكون المعاش 6 جنيهات، وهو أكبر معاش آنذاك، ولكن الرئيس جمال عبد الناصر لم ينس أبناء البطل عندما قرر أن يكون تعليم أولاده على نفقة الدولة عرفانا بالدور الذى قدمه لمصر كبطل رفع علم مصر فى المحافل الدولية.
*ما هي قصة انتزع الوالد الميدالية الذهبية من سواعد الألمان فى بلدهم وأمام جماهيرهم وبحضور الزعيم هتلر فى «أولمبياد برلين 36»؟
«أولمبياد برلين 36» كانت أعظم الإنجازات عندما انتزع الميدالية الذهبية من سواعد الألمان فى بلدهم وأمام جماهيرهم وبحضور الزعيم هتلر، ووقتها نشرت الصحف الألمانية الكثير عن معجزة مصر فى رفع الأثقال ووصل الخبر لهتلر الذى أصر على حضور المباراة، حيث كان يشك فيما يسمعه ويثق فى قدرة الألمانيين «أزماير» و«واجنر» على حسم الموقف لصالحهما، وتأجلت المباراة عدة ساعات حتى يتمكن «هتلر» من متابعتها، وكانت أرقام «أزماير» الألمانى 842، ليفاجئ خضر التونى العالم برفع 853 رطلا، ليفوز بالذهب، ويأتى بعده الألمان، ولم يكتف الزعيم الألمانى بمتابعة المباراة، لكنه توجه إليه وصافحه مهنئا، وقال له مقولته الشهيرة: «كم كنت أتمنى أن تكون ألمانيا»، وتقديرا للإنجاز الذى تحقق قررت اللجنة المنظمة للأولمبياد إطلاق اسم «التوني» على أحد شوارع القرية الأولمبية بمدينة ميونيخ بعد 36 عاما من إقامة الدورة.
*ما هي حكاية صدور قرار فصله من العمل بعد عودته من الأولمبياد لغيابه دون إذن؟
عاد «التوني» إلى مصر مكللا بالذهب من ألمانيا، حيث كان يعمل فى مدرسة الصناعات الميكانيكية، ليفاجأ بناظر المدرسة يبلغه بصدور قرار فصل من العمل لغياب دون الحصول على إذن، وذلك بعدما تعطلت الباخرة عدة أيام فى طريق عودتها، ووقتها هاجت الدنيا وصدر قرار من الدكتور طه حسين وزير التربية والتعليم آنذاك بتعيين «التوني» مستشارا رياضيا مقابل 10 جنيهات فى الشهر، ومنحه الملك فاروق مكافأة قدرها 1000 جنيه مع نوط الجدارة، ولم يكن يستطيع أن يصرفها إلا بعد الاعتزال، وهو ما حدث عندما قرر التوقف.
*ماذا فعل بمكافأة الملك فاروق؟
والدى عندما توقف عن اللعب قرر صرف الـ1000 جنيه، وكان المبلغ يعادل ما قيمته مليون جنيه فى وقتنا الحالى، لأنه بهذا المبلغ اشترى قطعة أرض فى حلوان، وبنى بيتًا عليها، وهو البيت الذى شهد وفاته.
*حدثنا عن «يوم رحيل الوالد البطل»؟
أتذكر أننى فى هذا اليوم كنت أبلغ التاسعة من العمر، وكان أحد أيام شهر سبتمبر عام 1956، وذاكر لنا دروسنا فى الصباح وصعدنا للدور الثانى مع وعد بأنه سيصطحبنا معه فى المساء لنادى الترسانة، وفوجئنا فى الثانية ظهرا بأصوات مرتفعة فى الشارع، ونزلنا لنفاجأ بالبطل ملقى على الأرض وكل جسمه ينتفض، وعرفنا أنه تعرض للصعق بالكهرباء أثناء إصلاح «لمبة» فى مدخل البيت، وما زاد الأمر سوءًا أنه سقط أرضا فى منطقة غارقة بالمياه، وجاءت سيارة الإسعاف، ليلقى بعدها وجه رب كريم قبل أن يدخل المستشفى.. رحمة الله عليه كان يظن أنه أقوى من الكهرباء ولا يبالى بها.
*لماذا حصل على الميدالية البرونزية فى «أولمبياد لندن 48» رغم حصوله على المركز الرابع على عكس كل الأعراف الأوليمبية؟
البطل خضر التونى حدث له موقف فى أولمبياد لندن 48 بعد توقف الدورة فى 40 و44 بسبب الحرب العالمية الثانية، وكان فى أتم الاستعداد، لكن هاجمته آلام الزائدة الدودية وعلى إثرها قرر طاهر باشا رئيس اللجنة الأولمبية ورئيس بعثة مصر فى لندن إعلان انسحاب «التوني» فما كان منه إلا الهروب من المستشفى ليفاجئ العالم ويذهب إلى الميزان، ويلعب وهو يتأوه، وحقق المركز الرابع، وعرفانًا وتقديرًا لما قدمه قررت اللجنة المنظمة للدورة منحه الميدالية البرونزية على عكس كل الأعراف بمنح الميداليات لأصحاب المراكز الثلاثة الأولى، ومنحه الصحفى الأمريكى الذى لقبه بـ«أقوى رجل فى العالم» وسامًا من العاج.
*ماذا عن شهرة الوالد البطل، وماهو الفريق الذى كان يشجعه؟
كانت شهرته تفوق الخيال، وتفوق نجوم كرة القدم آنذاك، وإذا كان هناك فى أمريكا محمد على كلاي فى الملاكمة، ففى مصر كان خضر التونى أقوى رجل فى العالم، وكان يسير فى الشارع مثل الملك، وكنا نلقى معاملة كريمة من المصريين عندما يعرفون أننا أبناء البطل خضر التونى، ووالدى لم يكن مشجعًا للأهلى أو الزمالك، لكنه كان «ترساناوي» أصيل يعشق قلعة الشواكيش التى قضى فيها عمرا طويلا.
*هل مارستم كأبناء للبطل الراحل رياضة رفع الأثقال؟
كنا نحب رياضة «رفع الأثقال»، وكان شقيقى الراحل «فارس» أفضلنا، وكان «الوالد البطل خضر» يشير إلى أن «فارس» سيكون أفضل منه؛ لأنه كان فى الـ16 من عمره ويرفع أوزانًا مثل الأوزان التى كان يرفعها الأب، لكن العناية الإلهية اختارته ليرحل فى حادث مأساوي فى بيت حلوان الذى شهد رحيل الأب ومن بعده الابن.
*أخيرًا.. هل تعتقد أن والدكم البطل تلقى التكريم المستحق من الدولة المصرية؟
كيف لا نشعر بالفخر واسم والدنا رغم مرور 65 عامًا على رحيله يتردد فى كل مكان، حيث أطلق اسمه على شارع فى مدينة نصر وميدان فى حلوان وشارع فى الإسكندرية وشارع فى العبور وخارج البلاد فى برلين حيث القرية الأولمبية، ورأيت تمثالا لوالدي فى متحف لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، وأبلغنى أحد الأصدقاء أن هناك تمثالًا لوالدي فى الصين، وجميعها أمور تدعو للفخر والاعتزاز بمسيرة والدي البطل.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"…