ما حكم قراءة صحيح البخاري وكتب السنة لرفع وباء كورونا؟ الإفتاء تجيب
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: " في ظِلِّ ما يمرُّ به العالمُ من تفشِّي وباء كورونا يقومُ بعضُ العلماء وطلبة العلم بتنظيم قراءة "صحيح البخاري" بتقسيمه على من يحِبُّ المشاركةَ في ختمه، عن طريق وسائلِ التواصل الاجتماعي؛ تبرُّكًا وتوسُّلًا إلى الله تعالى لكشْف وباء كورونا، جريًا على ما اعتاده علماءُ الأزهر من قراءته في الملمَّات والنوازل: كدفع الوباء، وكشف البلاء، ومواجهة الغلاء"، فما رأى الشرع في ذلك؟
وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:"صحيح الإمام البخاري" هو أصحُّ كتاب بعد كتاب الله تعالى، ولذلك اعتنى به المسلمون أعظم عناية؛ حتى صار علامةً على المنهج العلمي الدقيق وعلى التوثيق في النقل عند المسلمين.
صحيح البخاري
والاعتناءُ بـ"صحيح البخاري" من أبواب رضا الله تعالى، وقراءتُه باب جليل من أبواب تعلم العلم النافع، وقراءتُه في النوازل والمهمات والملمات هو ما فعله علماء الأمة ومُحَدِّثوها عبر القرون سانِّين بذلك سُنة حسنة، ونصُّوا على أن قراءته وكتب الحديث سببٌ من أسباب تفريج الكرب ودفع البلاء؛ إذ لا شكَّ أن قراءةَ سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودراسَتَها والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند القراءة من أعظم الأعمال الصالحة.
وقد جرت العادة في الديار المصرية قديمًا بقراءة "صحيح البخاري"؛ فابتُدئت قراءته في رمضان بالقلعة عام 775هـ بحضرة السلطان، حيث كان يجتمع بالقلعة طائفة من الفقهاء والعلماء لقراءة الصحيح، ويختم بشكل دوري كل ثلاثة شهور، ويقام لختمه حفلٌ.
علماءُ الأزهر الشريف
وعلى ذلك جرى علماءُ الأزهر الشريف عبر القرون؛ حيث نُقِل كثيرٌ من الحوادثِ والوقائعِ التي اجتمع فيها علماء الأزهر لقراءة "صحيح البخاري" لدفع الوباء، والغلاء، والنصر على الأعداء، وخسوف القمر، وغير ذلك.
وأما دعوى نفي مقصود التلاوة والتبرُّك والتعبُّد بنصوص الكتاب والسنة: فهي دعوى باطلةٌ لم يُسبَق إليها صاحبها؛ إذ هي مبطلة لباب الرواية والتلقي في الدين، مخالفة لإجماع المسلمين، ولو كان المراد عدم الاكتفاء بالرواية عن الدراية لم يصحَّ ذلك حجة على المنع، فليس كلُّ أحد يحسن الدراية، والناس في ذلك متفاوتون، ولذلك كان الحُفَّاظ عبرَ القرونِ حريصين على قراءة الحديث وتلقيه، وكانوا يخصصون الساعاتِ الطوالَ لسرْد نصوصِ الكتب الحديثية ومتونها، وهذا باب يختلف عن باب الدراية والتفسير والشرح والبيان.
وتخصيص المسلمين لذلك شهرًا معينًا في السنة ومكانًا معينًا في بيت من بيوت الله لا يخرجُ طاعتهم وطلبهم للعلم عن المشروعية، بل ذلك أمرٌ ضروري لتنظيم طلب العلم وسماع الحديث، وإلا لكان تنظيم الدراسة في الكليات الشرعية مثلًا بزمان معين ومكان معين بدعة ضلالة، وهذا لا يقولُ به عاقل، وقد نصَّ أهل العلم على مشروعية تخصيص زمان معين أو مكان معين بالأعمال الصالحة.
وأما من اتهم المسلمين في فعلهم ذلك بالبدعة، فهو الأولى بهذا الوصف؛ لأنه تحجَّر واسعًا وضيَّق على المسلمين أمرًا جعل الشرعُ لهم فيه سعةً، حيث إن الإسلام حثَّ حثًّا مطلقًا على تعلُّم العلم وسماع كلام المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر المطلق يقتضي عمومَ الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، ومنع المداومة على الخير ضربٌ من ضروب الجهل والصدِّ عن العلم النافع، والناهي عن ذلك قد سنَّ سنةً سيئةً في المنع من فعل الخير وتنظيمه والمداومة عليه، مخالفًا بذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنَّ عمله كان ديمة
ومن أنَّ أحب الأعمال إلى الله أدومها كما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما، ولم يلتفت في نهيه هذا إلى عواقبِ ما يقوله ويزعمه مِن صرْف المسلمين عن سماع حديث نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، ويُخشَى عليه أن يدخل بنهيه هذا في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ﴾ [البقرة: 114]، نسأل الله العافية والسلامة، والله تعالى يديم المسلمين على هذه المواسم الصالحة المباركة ويسدد خطاهم ويتقبل منا ومنهم صالح الأعمال.