أحمد رجب يكتب: الدنيا أرزاق
فى كتابه «أى كلام» الصادر عن مؤسسة أخبار اليوم عام 1990 كتب الكاتب الساخر أحمد رجب مقالا قال فيه:
بعض الناس لا يكفون عن النق والحسد، وهم يتساءلون لماذا تتقاضى الراقصة فى ليلة واحدة ما يتقاضاه مفكر أو كاتب فى سنوات، وقبل الرد على هذا السؤال يحسن بنا أن نقول إن الدنيا أرزاق، وأننا لو تأملنا مصادر الرزق فسوف نجد أن بعض المهنيين يكسبون رزقهم من علل المجتمع.
فالمحامى يرتزق من الجريمة، والمعلم يرتزق من الجهل، والطبيب يرتزق من المرض، كذلك هناك من يختار مهنة كئيبة يتم إنجازها وسط الأحزان والدموع كالحانوتى ومؤلف المسلسلات.
وكل مهنة أو حرفة لها وسيلة أداء تختلف عن الأخرى، فالمطرب مثلا يؤدى الغناء بحنجرته وكلما تفرد صوته بجمال خاص ارتفع ثمن هذا الصوت، فحنجرة عبد الوهاب مثلا حنجرة نادرة ينطبق عليها قانون الندرة فى علم الاقتصاد، وهو القانون الذى يفسر لنا لماذا الماس أغلى من الفاصوليا، فهناك حنجرة ماسية وهناك أيضا مئات المطربين من أصحاب الحناجر الفاصوليا.
كذلك ينطبق قانون الندرة على مهن أخرى غير مألوفة مثل مهنة الخواجة تانتاليوس، وهو رجل يونانى له أنف كبير يبتلع نصف وجهه، وهذا الأنف هو رأسماله، إذ كان يستخدمه فى مهنته كـ"خرمنجى" فى مصنع سجائر، وهو الذى يجرب خلطة التبغ التى تتكون منها خلطة السيجارة، وكان يرفض التصوير فى الصحف باعتبار أن أنفه من الأسرار التى لا يجوز الكشف عنها.
وفى عالم الفن يؤدى الممثل بصوته وملامح وجهه وإن كان بعض المخرجين يجعل الممثل يتكلم بقفاه.
والملاحظ أن كل صاحب مهنة يستثمر جزءا من تكوينه الجسمانى فى أدائها فلاعب الكرة يستثمر قدمه والفنان التشكيلى يستثمر يديه، وعازف آلة النفخ يستثمر فمه، وإذا أتينا إلى الراقصة وجدناها تؤدى مهمتها بالساقين والقدمين والكتفين والصدر والوسط والأرداف والرقبة، ولا بد من حركة الحاجبين واحد طالع وواحد نازل، وحركة الشفتين رسوم الدلال، وغمزة العينين لزوم الإغراء، حتى الشعر على الكتفين يؤدى دوره على الخدود يهفهف ويرجع يطير.. يعنى كل أعضاء الجسم تؤدى الرقصة، الأمر الذى ينفرد به الرقص الشرقى عن أي مهنة أخرى ولهذا استحق الأجر العظيم، فما استحق أجرا عظيما من لم يهز الوسط.