الخشت: إضفاء القداسة على الأعمال البشرية يعارض التوحيد
استضافت جامعة القاهرة برئاسة الدكتور محمد عثمان الخشت، صباح اليوم، الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، للحديث عن "بناء الإنسان وتطوير العقل المصري" وذلك ضمن النسخة الرابعة من معسكر قادة المستقبل الذي تنظمه الجامعة للطلاب في إطار مشروع جامعة القاهرة الذي وضعته منذ 4 سنوات لتطوير العقل المصري وبناء جيل جديد من الشباب يمتلك عقلًا علميًا واعيًا نافعًا لمجتمعه ومساهمًا في نهضة وطنه.
حضر اللقاء المفتوح، الدكتور عبد الله التطاوي مساعد رئيس الجامعة للشؤون الثقافية، ونواب رئيس الجامعة، وعمداء الكليات ووكلاؤها ومستشارو رئيس الجامعة، وأعضاء هيئة التدريس والعاملون والطلاب.
وأوضح الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، خلال اللقاء، الفرق بين الوحي والتراث، مؤكدًا أن الوحي هو الإسلام متمثلًا في القرآن والسنة الصحيحة وكلاهما إلهي المصدر، بينما يتمثل التراث في المُنجز البشري الذي نقدر بعضه ونرفض بعضه، مشيرًا إلى أنه من الخطأ والجور على الدين أن نعد الاجتهادات الفقهية أو التفسيرية من أي نوع دينًا مقدسًا، ومن الخطأ دمج التراث في بنية وتكوين المقدس، مشيرًا إلى أن من يفعل ذلك من البشر يُخشى عليه من الشرك، لأنه يعطي لنفسه سلطة إلهية تتعارض مع مفهوم التوحيد النقي والشامل للواحد الأحد المالك وحده للحقيقة المطلقة.
وقال الدكتور محمد الخشت، إن المطلق هو الله الذي يملك الحقيقة المطلقة، أما النسبي فلا يملك إلا حقائق نسبية، مستدلًا بقول المولى تعالى "وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون. الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون"، وقوله تعالى "قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أوإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين"، مؤكدًا أن ما يدعو إليه في كتاب " نحو تأسيس عصر ديني جديد" لا ينال من الثوابت، لأن هذه الثوابت من القرآن والسنة الصحيحة المتواترة وهي ليست جزءًا من التراث بل هي فوق التراث، لافتًا إلى أنه من المغالطة التوحيد بين الوحي والتراث، لأن هذا يتضمن إضفاء للقداسة على أعمال بشرية وهو ما يعارض التوحيد الخالص، كما أنه ليس من الابتداع فحص التراث فحصا عقلانيًا نقديًا.
وأكد الدكتور محمد الخشت، أننا مسلمون فقط ولسنا أشاعرة ولا شيعة ولا مرجئة ولا جهمية أو غيرها من الفرق العقائدية التي يدافع عنها البعض دفاع المشجع لاحدى الفرق الرياضية، لافتًا إلى أنها تقع تحت طائلة قوله تعالى "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون"، ومن الخطأ الواضح تفسيرها على أهل دين بعينه لأن اللفظ عام العبارة كلية تشمل كل من يفعل ذلك.
ولفت الدكتور الخشت، إلى ضرورة التمييز بين المقدس والبشري والعودة إلى المنابع الصافية المتمثلة في القرآن والسنة الصحيحة فقط، مؤكدًا أن كل ما جاء بعد اكتمال الدين ليس دينًا وإنما محاولات بشرية قابلة للصواب والخطأ، وأن الكلمة الإلهية في الإسلام بدأت بـ "إقرأ باسم ربك الذي خلق" وانتهت بـ"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، حيث اكتمل الدين بإعلان إلهي وهذه هي كلمته الأخير، وهنا أغلقت دائرة الكلمات المقدسة، وبالتالي فإن كل ما جاء بعد ذلك في التراث ليس دينا بل مجرد اجتهادات بشرية.
وتابع الدكتور الخشت، أنه ليس لبشر عصمة وإنما العصمة لرسول الله صل الله عليه وسلم فهو المعصوم في أمر الدين بالوحي، موضحًا أن القرآن لا توجد به آية واحدة تعين شخصا سوى رسول الله للحديث باسم الحقيقة الدينية، وأن الرسول لم يرد عنه أي حديث لتحديد شخص بعينه يحمل الرسالة بعده، بل أن القرآن الكريم يذم طاعة السادة والكبراء دون برهان محكم لمجرد مكانتهم، وقال تعالى في هذا الشأن "وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا".
ومن جانبه، أشاد الدكتور سعد الدين الهلالي، بمشروع جامعة القاهرة في التنوير وتطوير العقل المصري وانطلاق معسكر قادة المستقبل بما يساهم في زيادة وعي طلاب الجامعة ومعرفتهم بكيفية إدارة شؤون حياتهم من خلال العلم والمعرفة والتسلح بخبرات الأساتذة وأصحاب الرؤى والعقول الناضجة، مشيرًا إلى دور الجامعة الرائد في التعليم والتنوير وتمكين المواطن المصري من المعرفة والتحرر من الجمود للإنطلاق إلى المستقبل وليس العيش في الماضي، مؤكدًا إنطلاق التنوير من جامعة القاهرة إلى الوطن العربي بأسره وليس مصر فقط وأخرجت عقول مصرية جديرة بحماية حضارتها ومستقبلها.
وأشار الدكتور الهلالي، إلى أن الدكتور محمد الخشت أحد أهم الذين سجلوا بصمتهم التاريخية التي ستظل قائمة إلى الأبد من خلال تقديمه خارطة إصلاح الخطاب الديني من خلال التفرقة بين المقدس والبشري، وتأكيده على أن التراث هو التفسير الذي دونه الفقهاء.
وأضاف الدكتور الهلالي، أن تطوير العقل الجمعي المصري يستلزم تعميم الوعي بمفهومه الشامل للدين دون خوف عليه، والانفتاح على الآخر فكريًا وعلميًا بالبعثات والسياحة الداخلية والخارجية دون فزاعة المؤامرة على الدين، بالإضافة إلى التمكين للخطاب الديني المستوعب للآخر بالمشاركة لا بالمغالبة أو الاستعلاء، وتصحيح منمساره من الاستعباد أو التجنيد إلى السيادة بالإبلاغ والتعليم، والاعتراف بالرشد الديني للمواطن المصري الرشيد ماليًا واجتماعيا وعلميًا، والآمن بقلبه السليم.
وأوضح الدكتور سعد الدين الهلالي، عدة جوانب أساسية لبناء الإنسان وتطوير العقل المصري، تبدأ ببناء الإنسان الذي يتمثل في رعاية خلق الإنسان على وجهه الأقوم، وتأهيل الإنسان علميًا لما خلق له، وأن علاقة الدين علاقة فردية وليست جماعية أو طائفية، لافتًا إلى وجود 5 عناصر يتحدث فيها خلال الندوة وهي بناء الانسان، وحكمة خلق البشر، ومصادر المعرفة، ووجود حقائق يعمد أوصياء الدين إلى تغييبها، وتطوير العقل المصري.