في ذكرى رحيل أحمد بهاء الدين.. جريء لم يخشَ السادات وغيبوبة طويلة تكتب نهايته اضطراريا
مبدع قدير، لم يترك أى نشاط أبدا إلا ودق أبوابه كتب في الفن والأدب والصحافة، له صولات وجولات مع الحكام وقضايا بسطاء هذا البلد الأمين، اتسمت كتابات الكاتب أحمد بهاء الدين الذى رحل في مثل هذا اليوم 24 أغسطس 1996 ومتابعاته بالمتعة والبهاء كتب عن الحاضر والماضى وعيناه على المستقبل.
أحمد بهاء الدين هو الكاتب الصحفى صاحب المدرسة الصحفية المتميزة التى تبعد عن الإثارة، وفى نفس الوقت هى فى إطار التشويق لتستمر هذه المدرسة نصف قرن في بلاط صاحبة الجلالة.
بدأ حياته الصحفية بمقال نشره بمجلة "الفصول" التي أصدرها ورأس تحريرها محمد زكى عبد القادر عام 1944 وبدأت الكتابة حين ذهب شاب في العشرين من عمره قصير ونحيل إلى مقر الفصول بشارع شريف وترك مقالا عن جمال الدين الأفغاني في الذكرى الخمسين لوفاته، باسم مستعار،
ونشر المقال بمجلة الفصول التي تكون مجلس تحريرها من فتحى غانم ونعمان عاشور أحمد حمروش، أنور المشرى وبدر الدين أبو غازى، وطلب مجلس التحرير من البواب احضار الشاب كاتب المقال، وبعدها وجدت مقالات وأشعار الشاب أحمد بهاء الدين طريقها إلى صفحات مجلة الفصول.
رئاسة التحرير
وبعد عامين ترك محمد زكى عبد القادر رئاسة تحرير الفصول للصحفى الشاب أحمد بهاء الدين وكان في الثانية والعشرين وانتقل إلى العمل فى مؤسسة "روز اليوسف"، وساهم فى تأسيس مجلة "صباح الخير" وكان أول رئيس تحرير لها وعمره 28 عاما، وارتبط بصداقة كبيرة مع الأديب إحسان عبد القدوس وفتحى غانم وكونا ثالوثا متكاملا في العمل حتى إنه استمر سبع سنوات في رئاسته لتحرير المجلة الشابة.
وترأس تحرير جريدة "الشعب"، ثم رئيسا لتحرير "أخبار اليوم"، وانتقل إلى دار الهلال كرئيس لمجلس إدارتها ورئيس تحرير "المصور"، وترأس تحرير مجلة "العربي" الكويتية ثم مجلة "الشموع" حتى كانت المحطة الأخيرة رئاسة لتحرير جريدة الأهرام.
وأصدر 37 كتابا من أشهرها: أيام لها تاريخ، حواراتى مع السادات، إسرائيليات، المثقفون والسلطة فى عالمنا العربي.
سياسة السداح مداح
هو أول من هاجم سياسة الانفتاح الاقتصادى فى عهد السادات، فكتب مقالا بعنوان (سياسة السداح مداح) عام 1974 حين أصدر عبد العزيز حجازى قانون الانفتاح والاقتصاد الحر، وذلك أثناء رئاسته لتحرير الأهرام.
أكد في مقاله ان عواصف الانفتاح قد هبت بالفعل قبل صدور هذا القانون، فقد هجمت على البلاد شتى أنواع السلع الاستهلاكية، وبدأت تظهر أول فصائل المستثمرين الجادين، كما ظهر النصابون المحليون والدوليون المعروفون، ودارت كل أجهزة الإعلام مرئية ومسموعة ومقروءة، تندد بما سمى "فترة الانغلاق" في عهد عبد الناصر، وتهاجم كل مشروع وطنى أقيم فى مصر بدءا من السد العالى إلى أصغر المشروعات، ووصل الأمر إلى حد تحقير كل ما هو مصرى، والتهويل على الناس بمزايا كل ما هو أجنبى، حتى الملابس المستعملة التى بدأ التجار يجلبونها من الخارج ويبيعونها للناس حاملة الكلمة السحرية الجديدة، وهى "أنها مستوردة" وأصبحت مصدر تهافت المصريين.
كانت يوميات احمد بهاء الدين فى الأهرام التي كانت رصدا دقيقا للأحوال الاجتماعية والسياسية والثقافية التى تشهدها مصر يعرضها في أسلوب رشيق أهم ما فيه الموضوعية والتوثيق في كتاباته
الاطلاع المتشعب
من شدة تواضع الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين كان يطلق على نفسه محررا حتى انه أواخر حياته حينما بدأت الأمراض تهاجمه كتب يقول: إن نومى قلق والشئ الوحيد الذى أتغلب به على السأم هو القراءة ولا أنكر أن قوتى الجسدية متواضعة والمحرر اليوم لا يحتاج الى فصاحة فقط ولا إلى أذن حساسة فقط ولا إلى ذوق فى الإخراج فقط أنه يحتاج أيضا الى إطلاع متشعب آخذ للبصر مرهق للأعصاب على أحدث الكتب والصحف العالمية.
البعد الاضطراري
قال عنه الكاتب محمد حسنين هيكل عندما قامت حرب الخليج، وكان بهاء الدين قد أصيب بغيبوبة طويلة انتهت برحيله: "أعترف أننى طوال الأزمات لم أفتقد رأيا كما افتقدت رأى أحمد بهاء الدين، وفى وسط الطوفان العارم الذى ساح فيه الحبر على الورق أكثر مما ساح من الدم فى ميادين القتال، فإن كلمة أحمد بهاء الدين كانت هى الشعاع الوحيد الغائب فى وهج النار والحريق، كان الكل حاضرين، وكان وحده البعيد مع أنه كان الأقرب إلى الحقيقة، فكان بعده اضطراريا بعد أن أصابته الغيبوبة ست سنوات قبل الرحيل.