جنازة «النحاس» و«غضب عبد الناصر».. الآلاف يهتفون «الزعامة ماتت من بعدك يا باشا»
«وتمضي الأيام.. ويتصور البعض أن النحاس قد طواه النسيان، وأن هذه الصفحة الناصعة من تاريخ مصر قد نسيت.. وفجأة يعود النحاس بموته ليثبت أنه لم يزل حيًّا في قلوب الكثير من المصريين.. عندما مات النحاس في 23 أغسطس 1965 تحولت جنازته إلى مظاهرة صاخبة ضمت قرابة المائة ألف متظاهر.. وأثبت النحاس أنه لم يزل حيًّا.. وأنه لن يموت.. وأثبت شعب مصر أنه - وبرغم كل شيء - يمتلك قدرًا هائلًا من الوفاء والعرفان بالجميل».. ما سبق فقرة أخيرة اختارها الدكتور رفعت السعيد لتكون الفقرة الختامية لكتابه عن مصطفى النحاس باشا، الذي قدمه تحت عنوان «مصطفى النحاس.. السياسي والزعيم والمناضل».
الساعات الأخيرة
في 23 أغسطس 1965 كانت الساعات الأخيرة لـ«النحاس باشا»، بعد مرور 13 عامًا على قيام ثورة 23 يوليو 1952، الثورة التي باركها «النحاس» في بدايتها ثم سرعان ما اصطدم معها صدامات دفعت «الضباط الأحرار» لاتخاذ قرارات جميعها كانت تصب في «وأد سيرة النحاس»، وبالفعل تحقق الهدف، حتى جاءت جنازته لتزيح الستار عن الكثير والكثير الذي يحفظه المصريون للرحل الذي تولى قيادة حزب الوفد بعد زعيمه التاريخي سعد زغلول، والذي شكل الحكومة 7 مرات، فقد كان مخططًا أن يأتي «جثمان النحاس» من الإسكندرية حيث توفي، للصلاة عليه في مسجد عمر مكرم، ومن ثم الاتجاه به إلى مدفنه في منطقة «التونسي» بحي البساتين، غير أن الجماهير كان لها رأي آخر.
ويروي الكاتب الصحفي عبد الرحمن فهمي، مشاهد من جنازة «النحاس باشا»، قائلا: «فى جنازة مصطفى النحاس.. كانت وزارة الداخلية مستعدة لها تمامًا، جمعت حشدًا من الضباط والجنود ومعهم شوم وعصيان مكهربة.. هاجموا الجنازة الضخمة.. وخاف مصطفى موسى زعيم شباب الوفد على وزراء الوفد القدامى الذين كانوا في الصف الأول فأحاطهم ببعض الشباب وأحضروا له البندقية الطويلة سريعة الطلقات وميكروفونا».
المثير في الأمر هنا أن الجماهير التي أحاطت بـ«جثمان النحاس» أبت إلا وأن تحمل النعش للصلاة عليه مرة ثانية في مسجد «الحسين»، وفي طريقها إلى هناك تعالت الهتافات «لا زعيم بعدك يا نحاس» و«اشك لسعد الظلم يا نحاس» و«الزعامة ماتت من بعدك يا نحاس»، وهي هتافات كانت سببًا رئيسيا بعد ذلك في صدور قرارات باعتقال عدد من رموز «الوفد» الذين شاركوا في جنازة «الباشا».