كواليس فتنة مذكرات «النحّاس».. «أبو غازي» يقدم «يوميات المنفى» و«البنا» يكتب «ما حفظته الهوامش»
«مذكرات النحاس باشا».. واحدة من العبارات التي ظلت لسنوات – ولا تزال – موضعا لإثارة الجدل، فـ«الباشا» الذي رحل دون أن يُعرف عنه أنه أعد مذكراته ورصد مسيرة حياته، خرجت من بعده العديد من الكتابات التي تحمل كلمة «مذكرات»، بعضها مر مرور الكرام، ولم يلتفت إليها أحد من الأساس، والبعض الآخر حرك المياه الراكدة وأشعل حربًا لم تنته حتى الآن، ونوع ثالث وجد الترحيب من جانب الوافدين والمؤرخين على حد سواء إلا قليلا.
أما النوع الأول، فإن إهمال الجميع لتفاصيله يجعلنا لا نحاول الاقتراب منه، حتى لا تتكرر مأساة «الحرث في البحر»، غير أن النوع الثاني المثير للجدل هو الذي يحتاج إلى تسليط الضوء عليه، لا سيما وأنه حمل العديد والعديد من الأحداث والوقائع، هذا فضلا عن أن اسم كاتبها، أو «جامعها» معروف تمام المعرفة في الأوساط الوفدية والسياسية، ورغم هذا فإن ما «جمعه» فتح عليه «أبواب الغضب» والتكذيب والتشهير، ورغم هذا فإن الكتاب صدر في جزأين تحت عنوان «مذكرات مصطفى النحاس.. ربع قرن من السياسة في مصر» لصاحبها محمد كامل البنا، السكرتير الخاص لـ«النحاس باشا»، دراسة وتحقيق الكاتب الصحفي أحمد عز الدين.
المذكرات التي أكد «البنا» أنه جمعها، أشعلت في نفوس بعض أبناء الوفد بــ«ثورة غضب»، وهناك من شكك في صحتها، وقد قيل إن «البنا» لم يقف دوره فقط – حسبما أكد – على مسألة «جمع ما كتبه النحاس» لكنه – وباعترافه في مقدمة الجزء الأول للكتاب، فإنه هو من كتب هذه المذكرات على هوامش بعض الكتب، خوفا من مصادرتها.
مذكرات النحاس
إلى جانب «ما جمعه البنا» خرج المؤرخ عماد أبو غازي، ليعلن هو الآخر طرحه «مذكرات النحاس» ولكن ما قدمه «أبو غازي» كان يرصد فترة معينة في حياة «الباشا» وتحديدًا «أيام المنفى» لهذا خرج الكتاب الصادر عن دار الشروق تحت عنوان «مذكرات المنفى»، وكشف «أبو غازي» أنه حصل على هذه اليوميات، التي سطرت في ثلاث كراسات، من القطب الوفدي فؤاد بدراوي، وقد وجدها الأخير قبل خمس سنوات مهملة في منزل آخر أقطاب حزب الوفد الكبار فؤاد سراج الدين باشا بعد أن آلت إليه من السيدة زينب الوكيل حرم النحاس باشا.
فى المقابل كتب «البنا» قصة «المذكرات» التي قدمها هو الآخر وقال: «لقد عرفت الزعيم الخالد الذكر مصطفى النحاس في مطلع شبابي منذ أن تولى رئاسة الوفد المصري وزعامة مصر خلفًا للمغفور له الزعيم العظيم سعد زغلول، ومنذ ذلك التاريخ لازمته ولم أفارقه لا في سفر ولا في حضر، ولا في شدة ولا في رخاء، ورأى الرجل ببصيرته أني أحبه من أعمق الأعماق وأتفانى في حبه من شغاف قلبي، فقربني إليه حتى أصبحت ملازمًا له في غدوه ورواحه، وسفره وحضره، وشدته ورخائه، وحتى عرف خلصاؤه أني منه بمنزلة الولد البار لأبيه الحدب العطوف، وكان كلما أرد نشر شيء أو تدوين أمر يتعلق به أمر على ما يريد فأنقله بأمانة وأحافظ عليه ككنز ثمين، وازدادت ثقته بخصي حتى أطلق أقرب الناس إليه وألصقهم به أني موضع ثقته وموطن سره ومكان بره وعطفه، وحتى لقد كانوا ينقلون عنه قوله إن أربعة أشخاص موضع ثقة النحاس ويذكر اسمي في طليعتهم.. ولقد لقيت بسبب هذه العلاقة عنتَا كبير وقبض عليّ وأودعت المتعقلات والسجون اكثر من مرة فكان ينهض مدافعُا عني أمرا كبار المحامين بأن يترافعوا لصالحي ويحاولوا إطلاق سراحي».
وعن الأسباب التي دفعته لكتابة أو «جمع» مذكرات «النحاس» أوضح «البنا»، أن «منذ انتقل النحاس باشا إلى الرفيق الأعلى أخذت أفكر وأقدر وأحاول أن أخلد ذكرى هذا الزعيم العظيم بأي وسيلة من الوسائل فهداني تفكيري بعد ردح طويل من الزمن أن أنشر ما أملاه عليّ من أسرار سياسية داخلية وخارجية ليعلم أبناء العروبة مع المصريين وأبناء الإسلام مع الشرقيين شيئا طفيفًا عن ذلك الرجل الذي قالت الإذاعة البريطانية عنه إنه على الرغم من أظل ظل طيلة حكم 23 يوليو بعيدًا عن الأضواء لا يذكر اسمه ولا يتحدث عنه فإن الألوف المؤلفة خرجت لتشييع جنازته وقدر بعض مندوبي وكالات الأنباء الاجنبية عدد المشيعين بما يقرب من مليون شخص، فقد وصل النعش إلى مسجد الإمام الحسين للصلاة عليه والمشيعون يملؤون شارع الأزهر وشارع قصر النيل حتى لا يرى طيلة هذه المسافة موضع قدم».
وأضاف: أخذت أفكر كيف أجمع بعض آثار هذا الزعيم العظيم فرجعت إلى ما أملاه عليّ وكنت مبالغًا في الاحتياط أدونه على هوامش الكتب الدينية في مكتبتي احتياطًا لما كان يجري من تفتيش لمسكني من أونة لآخرى والاستيلاء على أوراقي ومذكراتي، ومن حسن الحظ أن زوار الليل الذين كانوا يهاجمون منزلي لم يعثروا على ما كان مدونًا على هامش تلك الكتب.
إثبات براءة
«البنا» الذي يبدو أنه توقع حالة اللغط التي ستحدث فور إعلانه عن «مذكرات الباشا» حاول تقديم أدلة جديدة لـ«إثبات براءته» من التهمة التي لم تكن وجهت إليه بعد بـ«اختلاق المذكرات»، حيث قال: «ظللت أنفل ما أملاه عليّ وأربط أحداثه ببعضها البعض حتى استطعت أن أرتب وقائع سنين طويلة كيوميات، فلما كثرت الوقائع اضطررت اضطرارًا إلى ان أذكرها غير متبة بحسب وقوعها، ولكن بقي أن ألقي دليلًا ولو ضعيفًا أستطيع أن أثبت به أن ما لدي هو إملاء الزعيم بالرغم من أن الوقائع التي ذكرتها لا يعرفها أحد إلا صاحبها.. وكدت أعدل عن إتمام هذا العمل التاريخي الذي أرى أنه أمانة في عنقي لرجل قربني إليه ووثق بي وائتمنني على أسراره السياسية، ولكن الله تجلت قدرته وعظمته أتي إليَ بالدليل المادي وأرشدني إلى ما يثبت صدق ما أقول، فقد عثرت في أوراقي على كراسة كلها بخط الزعيم، وهي عبارة عن نوتة عليها شعار فندق سان استيفانوا الذي كان يقيم فيه أثناء الصيف كل عام وهي مؤرخة عام 1932 قرأت هذه الكراسة وقارنت بينها وبين ما كان يمليه عليّ وما رتبته فجاءت مطابقة تمام الانطباق فسجدت لله شكرًا، إذ قيد الله لي بالعثور على تلك الكراسة ان استأنفت ما بدأت».
ما قدمه «البنا» في كتابه «مذكرات مصطفى النحاس.. ربع قرن من السياسة في مصر»، وجد صدى لدى الكاتب الراحل طارق البشري، الذي أخضع كتاب «البنا» للدراسة والتحقيق هو الآخر، وكتب «البشري» في مقدمة دراسته قائلا: «إن المذكرات التي تحت أيدينا عبارة عن إحدى عشرة كراسة مكتوبة بخط اليد، في كراسات من نوع الـ «بلوك نوت» الكبيرة، وتقلب صفحاتها لأعلى، أولاها غير مسطور وباقيها مسطور، والخامس والسادس والسابع منها معظم أوراقها سائبة وبعض الأوراق يكاد يتماسك، والكراسة الاولى تتكون من 78 صفحة وتبدأ بسرد سيرة ذاتية عن النحاس على لسانه، ثم من صفحة 7 تبدأ بلفظ «المذكرات» في شكل يوميات من 29 / 8 /1927 وتنتهي في يونيه 1930».
وأضاف: «والكراسة الثانية تتكون من 60 صفحة وتبدأ من أول يوليو 30 وتنتهي في ديسمبر 1933، والكراسة الثالثة تتكون من 64 صفحة وتبدأ من 2 يناير 1934 وتنتهي في 15 ديسمبر 1935، والكراسة الرابعة تتكون من 81 صفحة وتبدأ من 18 ديسمبر وتنتهي في 5 مارس 1938، والكراسة الخامسة تتكون من 64 صفحة وتبدأ في 7 مارس 1938 وتنتهي في 17 يونيه 1939، والكراسة السادسة تتكون من 25 صفحة مكتوبة (والباقي غيرر مكتوب) وتبدأ من 18 يونيه 1939 وتنتهي في 6 نوفمبر 1939».
وتابع: «الكراسة السابعة تبدأ بترقيم صفحاتها برقم 26 وتنتهي صفحاتها برقم 81 فهي والكراسة السابقة متصلين بترقيم واحد، والصفحة الأولى من هذه الكراسة التي تبدأ برقم 26 تبدأ بتاريخ 14 نوفمبر 1939 وتنتهي في صفحة 81 بتاريخ 20 أكتوبر 1940، والكراسة التاسعة تتكون من 76 صفحة وتبدأ في 14 يوليو وتنتهي اليومات في الصفحة رقم 61 بتاريخ 10 فيراير 1942، ومن صفحة 62 تبدأ طريقة أخرى في كتابة المذكرات، وهو ان ترد فقرات طويلة عن موضوعات معينة وليس حسب اليوم».
وأكمل: الكراسة العاشرة تتكون من 76 صفحة وهي كلها ترد بفقرات طويلة بسرد لموضوعات متفرقة على مدى الفترة من «اليوميات» في 10 فبراير 1942 حتى سقوط وزارة أحمد نجيب الهلالي قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952، والموضوعات التي عولجت فيها لم يجر ترتيبها ترتيبًاا تاريخيا، ولم تنضبط وقائعها بتواريخ محدد في المتن المكتوب، الأمر الذي يجعل قارئها أكثر فهمًا لها إن كان على سابقة دراية بوقائع تلك السنوات العشر من فبراير 1942 إلى يوليه 1952، والكراسة الحادية عشرةن وهي تتكون من 55 صفحة، وتبدأ في الصفحتين الأولى والثانية بحديث للنحاس عن سماعه عن قيام ثورة 23 يوليو، ثم صفحة 3 يرد وسط السطر الأول عنوان «كلمة كاتب المذكرات» ولفظ «كاتب» مشطوب، ومكتوب أعلاه لفظ «جامع» فتصير «كلمة جامع المذكرات».