في ذكرى ميلاده.. “ابن سينا” أبو الطب الحديث وعالم الفيزياء والفلك وفيلسوف السعادة
ابن سينا طبيب وعالم وفيلسوف، قدم الكثير من الابتكارات العلمية التي أنارت كتب العلم والتاريخ، وساعدت العلماء في مواصلة أبحاثه العصرية، لذلك لقب بالشيخ الرئيس.. تحل اليوم ذكري ميلاده - 22 أغسطس 980م - وتوفي في مدينة همدان الإيرانية عام 1037م، ونستعرض أبرز إنجازاته وسيرته الذاتية.
في سن الـ16 كرس ابن سينا كل جهوده لتعلم الطب، وعندما بلغ 18 عاما حصل على لقب الطبيب المشهور، وعندما بلغ ابن سينا 22 عاما انتقل إلى مدينة قريبة من بحر قزوين، حيث تعلم المنطق وعلم الفلك، وفي تلك المدينة التقى مع "أبو الريحان البيروني"، وبعدها استمر في السفر وبذل الكثير من الجهد العقلي، وأمضى العقد الأخير من حياته بالعمل طبيبا ومستشار أدبي وعلمي، وتوفي خلال شهر يونيو عام 1037م، بينما كان يبلغ من العمر 58 عامًا ودُفن في مدينة همدان بإيران، ولقب بـ"أبو الطب الحديث" و"أمير الأطباء" و"الشيخ الرئيس".
مجال الطب
كان ابن سينا أول طبيب مسلم وصف الالتهاب السحائي، وأول من فرق بين الشلل الناجم عن سبب داخلي في الدماغ والشلل الناتج عن سبب خارجي، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم، مخالفا بذلك ما استقر عليه أساطين الطب اليوناني القديم، فضلا عن أنه أول من فرق بين المغص المعوي والمغص الكلوي.
وابن سينا صاحب الفضل في علاج القناة الدمعية، وأوصى بتغليف الحبوب التي يتعاطاها المريض، وكشف بدقة بالغة عن أعراض حصاة المثانة السريرية، بعد أن أشار إلى اختلافها عن أعراض الحصاة الكلوية.
كان أول من توصل لطرق انتقال بعض الأمراض المعدية، كالجدري والحصبة، وفسر ذلك بأن ثمة كائنات صغيرة لا ترى بالعين تنتشر في الماء والهواء، كما عرف العلاقة بين الاضطرابات النفسية والعصبية وكفاءة أعضاء وأجهزة الجسم، مما جعله يلجأ أحيانًا إلى العلاج النفسي مع مرضاه.
وبرع ابن سينا في وصف العديد من الأمراض التناسلية فعرف الانسداد المهبلي والأورام الليفية، بالإضافة إلى الأمراض التي قد تُصيب النفساء مثل النزيف أو احتباس الدم، كما تحدث عن الأجنة، وأرجع ذكورة أو أنوثة الجنين إلى الرجل وليست المرأة.
علم الجراحة
وأظهر ابن سينا براعة كبيرة ومقدرة فائقة في علم الجراحة؛ فقد ذكر عدة طرق لإيقاف النزيف سواء بالربط أو إدخال الفتائل (خياطة الجروح).
كما تحدث عن كيفية استخراج السهام من الجروح دون إصابة الأعصاب أو الشرايين.
وأجرى العديد من العمليات الجراحية الدقيقة، مثل استئصال الأورام وشق الحنجرة وعلاج البواسير.
علم الأدوية
صنّف الأدوية إلى 6 مجموعات، وألّف كتاب وصف فيه ما يزيد عن 750 عقار مرتبة وفق الأبجدية.
كما كان يُمارس الطب التجريبي، أي أنه كان يُجرِّب أي دواء جديد على الحيوان أولًا، ثم يُجربه للإنسان بعد أن يتأكد من فاعليته.
علم الفيزياء
كان ابن سينا أحد الذين ناقشوا سرعة الضوء في علم البصريات، فقد كان أول من فرَّق بين سرعة الصوت والضوء، وذلك قبل نيوتن بحوالي 6 قرون، فاشترطت ملاحظته أنه إن كان إدراك الضوء ناتجًا عن انبعاث جسيمات معينة من مصدر مضي.
كما كان من أوائل العلماء الذين تحدثوا عن علم الديناميكا، واخترع آلة شديدة الدقة تُستخدم لقياس الأطوال، كما يرجع الفضل لابن سينا في وضع قانون الحركة الأول.
علم الفلك
استطاع ابن سينا أن يرصد مرور كوكب الزهرة عبر دائرة قرص الشمس بالعين المجردة، وهو ما توصل إليه لاحقًا عالم الفلك الإنجليزي "جيرميا روكس" في القرن السابع عشر.
ابتكر جهازًا لرصد إحداثيات النجوم، وعمل في مجال الرصد، وعلم البيئة وألف عدة كتب في هذا المجال منها: كتاب الأرصاد الكلية، ورسالة الآلة الرصدية والأجرام السماوية، وكتاب كيفية الرصد ومطابقته للعلم الطبيعي، وكتاب إبطال أحكام النجوم.
علم البيئة والنباتات
قام ببحوث ودراسات في الجيولوجيا مثل تكوين الحجارة والجبال والمعادن والزلازل وكيفية تكون الغيوم والمطر والحر والثلج والصقيع والبرد وكيفية تشكل قوس قزح.
استطاع ابن سينا وصف النباتات وصفا علميا دقيقا، تمكن من خلاله من معرفة الفرق بين جذور النباتات وأوراقها وأزهارها، وأجرى العديد من الأبحاث عن طبيعة التربة، ومدى تأثير مكوناتها على نمو النباتات.
وتحدث أيضا عن الزلازل، وفسرها بأنها تحدث نتيجة حركة جزء من أجزاء الأرض، نتيجة تحرك ما تحته من أبخرة أو نيران أو سوائل، كما تحدث عن السحب، موضحا أنها تحدث نتيجة تجمع الأبخرة الرطبة التي تنتج عن التقاء الهواء الحار بالهواء البارد.
علم الفلسفة
أما عن الفلسفة، فقد أخذ ابن سينا فلسفته عن الفارابي، إلا أنه أضاف إليها من فكره واستنتاجاته الخاصة، ومن ضمن اسهاماته:
انتبه إلى فكرة الشعور وميَّز بينها وبين “الأنا”، فتوصل إلى أنَّ الشعور هو القوة الفعالة التي توحد الذات وتجمع أطراف الشخصية وتبعث على الاتصال بين الماضي والمستقبل، وأنه ضروري لكي تتمكن الأحوال من السيطرة على السلوك.
كما حدد أربعة أصول للسعادة؛ الأول أن لكل قوة نفسية لذة تخصها، والثاني أن اللذات تتدرج في مراتب حسب سلم القيم، والثالث أن اللذة المتحققة بالتجربة والشعور أقوى من تلك التي يتخيلها المرء دون تجربتها، أما الرابع فهو وجود شواغل تمنع النفس من بلوغ الكمال للقوة النفسية.