مسرحيات السيرة الذاتية تثير الجدل..ونقاد: تعكس إفلاسًا وانعزالًا عن الواقع.. ووصفي: ليست جريمة
فى أقل من عام، شهد المسرح المصرى وتحديدًا المسرح الحكومى التابع للدولة تقديم مجموعة من الأعمال التى تتناول سير وحياة عدد من الرموز الفنية والغنائية ممن أضافوا للتراث المصرى الكثير وأثروا الفن بإبداعاتهم وإسهاماتهم الكبيرة، والتى لا يزال أثرهم باقيًا حتى اليوم.
البداية كانت بمسرحية "سيد درويش"، والتى أنتجها البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية التابع لقطاع الإنتاج الثقافى وقُدمت على مسرح البالون، ثم تلاها تقديم سيرة رموز الغناء بمسرحية "ألمظ وسى عبده" من إنتاج بيت الفنون الشعبية أيضًا، وتناولت حياة ألمظ وعبده الحامولى، حيث يعدان من رواد الغناء فى مصر وأحد مؤسسيه بشكله الحديث، وكان ذلك فى النصف الثانى من القرن الـ19.
أعقب ذلك تحضيرات فرقة مسرح الإسكندرية والتابعة للبيت الفنى للمسرح لتقديم مسرحية "ذهب الليل" عن حياة الموسيقار والمطرب الراحل محمد فوزى.
ليفتح ذلك باب الجدل والنقاش حول جدوى تقديم ذلك اللون على خشبة المسرح الآن، وعن أولويات مسرح الدولة وخطة الفرق التابعة له خلال الفترة الحالية، بالإضافة إلى ما وصفه البعض بانعزال المسرح عن التحديات التى تواجهها الدولة وخططها التنموية خلال الوقت الراهن.
إفلاس
الكاتب والناقد المسرحى أبو العلا السلامونى أكد أن استرجاع حياة وقصص وسير رموز الفن المصرى وتقديمها على المسرح من جديد يعد إفلاس فكرى وضعف مستوى الكتاب المسرحيين وقلة ثقافة بعضا منهم، مشيرا إلى أن الكاتب هو أحد أفراد المجتمع الذى يعيش فيه ويتأثر به ويرى قضاياه وأزماته وتحدياته التى يواجهها ومستقبله، فيجب عليه تقديم وتناول ذلك من خلال إبداعاته وكتاباته، لما يمثله من أهمية فى زمانه الحالى.
وأوضح "السلاموني" أن ذلك لا يعد عدم اعتراف بالدور المهم الذى قدمه رواد الحركة والحياة الفنية المصرية عبر مر العصور وإسهاماتهم التى جعلت مصر فى مقدمة دول العالم، وتذخر بمبدعيها وفنانيها، بل بحثا عن جدوى تقديم سيرهم فى الوقت الراهن، قائلًا: "ليه أرجع وأبحث عن ما فات.. رموزنا قاموا بدورهم على أكمل وجه ونشكرهم على ما أضافوه للحياة الفنية ونكرمهم فى المهرجانات والمحافل المختلفة.. لكن الموضوع نابع من مبدأ وقاعدة الأولوية فقط".
وتعجب الناقد المسرحى من تقديم السير على أولوية إبراز وتقديم التحديات التى تواجهها الدولة المصرية وأهدافها وخططها التنموية على خشبة المسرح، مضيفا أن ما تواجهه الدولة وتسعى لتحقيقه خلال الفترة الحالية يجب تسليط الضوء عليه من خلال الفنون بأشكالها المختلفة وعلى رأسها المسرح.
وتابع: "أدين الكُتاب والمؤلفين لأنهم لا يبحثون عن قضايا المجتمع ولا يتكلمون عنها.. قضية الإرهاب التى تواجهه دول كثيرة على مستوى العالم ومن ضمنها مصر لماذا لا يتحدثون عنها.. ليه مفيش حد بيقدم محتوى عن هذا الموضوع.. ونبحث ونقدم نتكلم عن قضايا بعيدة عن الواقع الذى نعيشه ونواجهه فى اعتقادى أن ذلك دليل واضح على الإفلاس".
وعن الأسباب التى يسوقها صناع مسرحيات السير بضرورة تعريف الأجيال الجديدة بالرموز، أشار أبو العلا السلامونى إلى أن الأجيال الجديدة لا تعرف واقعها وذلك ضرورة وأولوية.
وأضاف أن معرفة الرموز وتاريخهم لا تحتاج إلى صناعة عروض مسرحية جديدة حيث تتوفر العديد من الكتب والأعمال الأدبية عن كل شخص أبدع عبر تاريخ الوطن، وتاريخ المسرح مدون بكل ما فيه من تفاصيل فى أمهات الكتب من يريد معرفته ومعرفة رواده عليه بالقراءة، لكن هل تقديم سيرته سيفيد فى بناء الإنسان المصرى وثقافته ووعيه بحاضره ومستقبله؟
لا يجب أن تكون الفنون والثقافة بمعزل عما يدور داخل أركان الدولة وخططتها، يؤكد "السلاموني" أهمية تجسيد وتقديم ما تقوم به الدولة من مبادرات ومشروعات كحياة كريمة، والتى تغير شكل القرى والمجتمع المصرى إلى التقدم والرقى، قائلًا: "القضايا الاقتصادية والاجتماعية وتحديات المجتمع أمر مهم، لماذا نلجأ للأشكال التى تمثل هروبًا من الواقع والحقيقة أن السبب الأساسى هو غياب إستراتيجية للمسرح خلال الوقت الحالي".
وأكد قائلًا: لا بد أن يكون هناك إستراتيجية واضحة ماذا نريد من المسرح؟ ويجب أن توضع خطة وتوزع على مسارح الدولة، وكل يعمل وفقا لرؤيته وأفكاره فى إطار العمل على مشاركة جهات الدولة المختلفة ما تقوم به من أعمال وبناء للجمهورية الجديدة.
السير الذاتية
فيما ترى الدكتورة هدى وصفى، أستاذة الأدب الفرنسى بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ورئيس مركز الهناجر للفنون ومقرر لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة سابقًا، أن تقديم سِير الرموز فى جميع المجالات على المسرح موجود منذ وقت طويل ليس فى مصر فقط بل فى جميع دول العالم، مشيرة إلى أن بعض الشباب والأجيال الجديدة لا تعرف شيئًا عما قدمه الأولون فوجب تعريفهم من خلال جميع ألوان الفنون ومنها المسرح.
وأضافت "وصفي" أن مَن لا يمتلك ماضيًا قويًا وحضاريًا يعتز به لا يمكن أن يكون لديه مستقبل مزهر إطلاقًا، مضيفة: "دورنا أننا نبين ونقدم للأجيال الجديدة من الشباب والأطفال ما كنا عليه وما امتلكناه على مدار تاريخنا من رموز ومبدعين ومفكرين وفنانين أثروا حياتنا".
وأوضحت مقررة لجنة المسرح سابقًا، أن ذلك النوع المتخصص فى تقديم سير شخصيات مهمة ومؤثرة فى المجتمع هو تيار يحدث فى العديد من دول العالم، ومنها أمريكا، والتى نرى فيها أفلامًا سينمائية مخصصة لتجسيد حياة رموزهم فى جميع المجالات، وفى فرنسا هناك تيار مسرحي أيضًا لا يغفل تقديم سِير أعلام الفن والإبداع الفرنسى بشكل مختلف يتطور مع مرور الوقت مع استخدام التكنولوجيا الحديثة.
وأبدت الدكتورة هدى وصفى إعجابها بحرص المخرجين الشباب على تقديم ذلك النوع، مؤكدة أن ذلك دليل على وعي وإدراك الأجيال الجديدة من المسرحيين والمخرجين أهمية ما نملكه من تراث وما أخرجته بلدهم من مبدعين ورواد.
"شخصية معينة تجذب المبدع أنه يتناول جوانب لم يتم تناولها من قبل على خشبة أبو الفنون" توضح رئيس مركز الهناجر للفنون السابق أسباب تقديم سير النجوم من جديد على المسرح، مشيرة إلى أن ثراء الشخصية وتأثيرها فى مجتمعها يجعل أبناء المجتمع ذاته يدينون لها بالفضل ويحاولون بإبداعاتهم شكرهم على ما بذلوه فى خدمة بلدهم.
وهاجمت "وصفي" أصحاب الاتجاه الذى يرى أن تقديم ذلك النوع من جديد يعد فقر فكرى، قائلة: "أسهل حاجة فى مصر أنك تتهم الناس بعدم الإبداع وفقر الموهبة والإفلاس لكن ذلك ليس حقيقيًا.. الهجوم على أي مبدع شاب أو أي شخص يحاول الاجتهاد ليس جديدًا فى مصر للأسف".
وأوضحت أستاذ الأدب الفرنسى أن فرنسا إحدى أهم دول الفنون فى العالم يتميز القائمون فيها على العملية الفنية بعناصرها المختلفة على الحرص من وقت لآخر على تقديم أفلام ذات إنتاج ضخم للتمجيد فى رموزهم، مؤكدة أن ذلك يزرع داخل المواطن الفرنسى نفسه الاعتزاز ببلده وما قدمه أسلافه ويحرص على أن يكرر إنجازاتهم أو يتخطاها إذا استطاع لذلك سبيلًا.
نقلًا عن العدد الورقي…