رئيس التحرير
عصام كامل

الفريضة الغائبة في "إصلاح الرغيف".. التحول إلى الدعم النقدي هو الحل.. وتشغيل المخابز بالغاز الطبيعي

«حان الوقت لزيادة سعر رغيف الخبز المدعم وإعادة تسعيره مرة أخرى».. جملة قاطعة أعلن بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، رغبته تحريك أسعار «الخبز»، واستعداده الكامل لتحمل مسئولية القرار، وهو تصريح يكشف حجم خطورة القرار، لا سيما وأن أسعار الخبز ظلت لسنوات طويلة «محلك سر»، وخارج حسابات «منظومة التطوير والتحريك»، وما هي إلا ساعات قليلة مرت بعد تصريح الرئيس، إلا وخرجت وزارة التموين والتجارة الداخلية، لتعلن أنها تعكف على دراسه ملف المخابز وإمكانية تغيير سعر الرغيف وفقا لتوجيهات رئيس الجمهورية. 


توجيهات الرئيس بـ«إعادة تسعير الخبز»، ساهمت في ظهور العديد من السيناريوهات حول مستقبل ملف «دعم العيش»، وسط حالة من الجدل والترقب، باتت هي الأكثر حضورًا في الشارع المصري، في ظل عدم ظهور ملامح أو مؤشرات لما تنوي الحكومة، ممثلة في وزارة التموين، تنفيذه على أرض الواقع. 
 

«فيتو» استطلعت آراء الخبراء والمسئولين عن ملف الخبز، للإجابة على تساؤلات حول منظومة الخبز الجديدة التي تبحث وزارة التموين تطبيقها بعد توجيهات، من نوعية.. لماذا يجب على الدولة أن تدعم رغيف الخبز؟.. وأسباب ارتفاع تكلفة تصنيع رغيف الخبز إلى 65 قرشا، وهل هناك بدائل لصناعة رغيف الخبز أقل تكلفة من القمح؟


وقبل الذهاب إلى إجابة الخبراء عن الأسئلة السابقة، نستعرض دراسات ومؤشرات حديثة للبنك الدولي، والتي تؤكد أن الاقتصاد العالمي يواجه مخاطر عديدة، وتشير إلى أن منحنى البطالة يصعد بشكل مستمر، وأن غالبية دول العالم سوف تواجه زيادة في أعداد الفقراء لديها، خصوصًا مع تهاوي دخل الأسر بنسب كبيرة، إضافة إلى توقف عدد كبير وخروجهم من السوق العالمية وانضمامهم إلى طابور العاطلين.

 

إحصاءات الخبز


وبحسب «البنك الدولي» فإن 734 مليون شخص كانوا يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم خلال العام 2015. ويُعد ذلك انخفاضًا من نحو 36 في المائة أو 1.9 مليار شخص في عام 1990‏، لكن بسبب تفشي فيروس كورونا واستمرار مخاطره وتداعياته السلبية المتمثلة في انهيار أسعار النفط وتهاوي جميع المؤشرات، فإن هذا الاتجاه قد ينعكس في 2020.


وتوقع البنك الدولي أن تؤثر الأزمات القائمة في الفقراء أكثر من غيرهم من خلال فقدان الوظائف، وفقدان تحويلات المهاجرين والعاملين بالخارج، وارتفاع الأسعار وتأثيرها بشكل مباشر في معدلات التضخم التي تواصل الصعود، مع تعطل تقديم الخدمات مثل التعليم والرعاية الصحية بعدد كبير من دول العالم، ومن المتوقع أن ترتفع معدلات الفقر للمرة الأولى منذ عام 1998 مع انزلاق الاقتصاد العالمي إلى حالة ركود، وسيشهد العالم انخفاضًا حادًا في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي. 


كما تذهب تقديرات البنك الدولي إلى أن ما بين 40 إلى 60 مليون شخص سوف يسقطون في براثن الفقر المدقع، وهم الذين يحصلون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم عام 2020، مقارنة بعام 2019، نتيجة لجائحة كورونا، وذلك تبعًا للافتراضات المتعلقة بحجم الصدمة الاقتصادية، وقد يرتفع معدل الفقر المدقع العالمي بنسبة 0.3 إلى 0.7 نقطة مئوية ليصل إلى نحو 9 في المائة خلال 2020..


وفي الإطار ذاته، أكد المعهد العالمي لبحوث الاقتصاد الإنمائي التابع لجامعة الأمم المتحدة، أن التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا قد تدفع 395 مليون شخص إضافيين إلى الفقر المدقع وتزيد إجمالي من يعيشون على أقل من 1.9 دولار يوميًا على مستوى العالم إلى أكثر من مليار شخص.


وقدم التقرير عددًا من الاحتمالات تأخذ في الاعتبار خطوط الفقر المختلفة التي حددها البنك الدولي، من الفقر المدقع بالعيش على 1.9 دولار أو أقل في اليوم، إلى أعلى خطوط الفقر بالعيش على أقل من 5.5 دولار في اليوم، وفي ظل أسوأ احتمال وهو حدوث انخفاض نسبته 20 % بدخل الفرد أو استهلاكه، يمكن أن يرتفع عدد الذين يعيشون في فقر مدقع إلى 1.12 مليار شخص. وإذا جرى تطبيق مثل هذا الانخفاض على حد 5.5 دولار بين الشريحة العليا من البلدان المتوسطة الدخل فقد يدفع ذلك أكثر من 3.7 مليار شخص، أو ما يزيد قليلًا على نصف سكان العالم، للعيش تحت خط الفقر. 

 

الدعم النقدي
 

من جانبه قال الخبير الاقتصادي، العربي أبوطالب، رئيس الاتحاد العام للتموين والتجارة الداخلية بمصر، إن رغيف الخبز سلعة أساسية، مثلها مثل الماء والهواء للمواطن المصري، فهو من ضمن السلع الأساسية الإستراتيجية التي ستؤثر حتما على كافة نواحي الأسواق الخاصة والعامة والخدمة والعينية، وتحريك سعر رغيف الخبز سيؤدي إلى ارتفاع جميع أسعار الخدمات والسلع على المستوى العام للأسواق. 


وأضاف: جميع المواطنين بمصر ممن هم أصحاب الأعمال والمهن سيؤثر رفع سعر رغيف الخبز على متطلبات الموازنة المنزلية لهم والمصروفات الخاصة بهم وبأبنائهم، ما يعني أن الجميع سيرفع سعر الأجرة أو الأتعاب أو الكشف للعيادات والمراكز والمهن وكذا أصحاب الأعمال والعاملين بالشركات سيطالبون بزيادة لمواجهة الزيادات المتوقعة من ارتفاع سعر رغيف الخبز، وما سيترتب من ارتفاعات تتابعية أو متتابعة في أسعار السلع والخدمات المادية والخدمية، ويمكن توفير أموال تقدر بالملايين من خلال ترشيد الاستهلاك في بعض قطاعات وزارة التموين، دون المساس بسعر رغيف الخبز.


«أبو طالب» كشف أنه أعد مجموعة من الدراسات حول أنابيب البوتاجاز، وشكائر الدقيق، وتبين إمكانية توفير 11 مليار جنيه من المهدر من أنابيب البوتاجاز، وكذلك توفير 600 مليون جنيه مهدرين بشكائر الدقيق الفارغة، وتوفير ما يزيد على 10 مليارات جنيه من إعلانات على الجانب الفارغ للسلع التموينية المدعمة، مشددًا في الوقت ذاته على أن التحرير الكامل للمنظومة التموينية، بالتحول من الدعم المشروط إلى الدعم النقدي غير مشروط للمواطن، أفضل الحلول لإصلاح منظومة الخبز المدعم دون المساس بسعره. 


بدوره.. قال المهندس فصيح البحيري،عضو مجلس إدارة شركة مطاحن ومخابز شمال القاهرة، رئيس قطاع شبرا: الحل الأمثل لإصلاح منظومة الخبز التحول إلى الدعم النقدي المشروط، ويقصد بالدعم النقدى المشروط في دعم رغيف الخبزهو التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي المشروط، وهو ما يعني وضع مبلغ مالي للمواطن في محفظة تموينية يستطيع من خلاله الحصول على حصته من الخبز المخصصة له يوميا والمقدرة بـ5 أرغفة، ويذهب به المواطن للمخبز للحصول على ما يريد من الخبز، وفى هذه الحالة يكون الدعم على بطاقة المواطن وليس على الدقيق الذي يصل للمخبز. 


وتابع: بعد تحرير منظومة الخبز، يصبح سعر رغيف الخبز الحر 60 قرشا، أي نصيب الفرد شهريا من الخبز بقيمة مالية 90 جنيها، وتجبر هذه المنظومة الجديدة حصول المواطن على احتياجاته فقط من الخبز، وتوفير باقي المبلغ النقدي في محفظته التمويلية لشراء سلع تموينية بها، مع الأخذ في الاعتبار أن كثير من المواطنين خاصة في الأرياف، يحصلون على أكثر من احتياجاتهم من الخبز لاستخدامه كعلف. 


من ناحية أخرى، كشفت الشعبة العامة للمخابز عن أسباب رفع سعر تكلفة تصنيع رغيف الخبز والتي تصل إلى 64.6 قرش للرغيف، وبحسب محمد عبد الجواد السكرتير العام لشعبة المخابز، فإن سعر تكلفة الرغيف تصل إلى 64.6 قرش للمخابز التي تعمل بالسولار، أما المخابز التي تعمل بالغاز الطبيعي يصل سعر تكلفة الرغيف 55.8 قرش. 

 

الغاز الطبيعي
 

وأضاف «عبد الجواد»: سعر جوال الدقيق زنة 100 كيلو جرام تصل إلى 620 جنيها، ويتم تصنيع منه 1450 رغيفا، وتصل تكلفة تصنيع الخبز من جوال الدقيق زنة 100 كيلو جرام إلى 265 جنيه، وهي تكلفة الإنتاج من سولار، وأجرة عمال، وغيرها من مستلزمات إنتاج، كما أن تحويل المخابز للعمل بالغاز الطبيعي بدلا من السولار سيساهم في انخفاض تكلفة تصنيع رغيف الخبز بما يعادل 10 قروش على الأقل، وهو المشروع التي تعكف وزارة التموين على الانتهاء منه، حيث تم الانتهاء فعليا من 5625 مخبز للعمل بالغاز الطبيعي بدلًا من من أصل 30 ألف مخبز على مستوى الجمهورية، وهذا المشروع يوفر نحو ألف جنيه على الأقل في إنتاج كل مخبز يوميًا، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر تنتج ما بين 250 و270 مليون رغيف يوميًا، ووفق كل ما سبق يمكن القول أن تحرير منظومة الخبز وبيعه بالسعر الحر هو الأفضل للمواطن.


«عبد الجواد» كشف أنه سبق وأن قدمت الشعبة العامة للمخابز مقترحًا إلى الدكتور على المصيلحى، وزير التموين والتجارة الداخلية، يتيح للمخابز البلدية إنتاج وبيع خبز بسعر حر بـ٦٠ قرشا للمواطنين غير الحاملين لبطاقات التموين، أو الحاملين لها ويريدون شراء خبز إضافي عن حصتهم اليومية، مع استمرار بيع رغيف الخبز المدعم.

 

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية