«الترام العفريت» يغير شكل الحياة في مصر المحروسة
كان يوم الثانى عشر من أغسطس يوما فارقا في تاريخ المصريين، ففي هذا اليوم عام 1896 اقيم حفل كبير بميدان العتبة حضره رجال الدولة والأمراء والأعيان والتجار لمشاهدة تسيير عربات الترام لأول مرة في شوارع القاهرة.
وكانت وسيلة الانتقال قبل هذا اليوم قد اقتصرت على الدواب للعامة من الشعب وكان هناك موقف للحمير بميدان عبده باشا واقتصر الحنطور على الأعيان حتى قررت الحكومة في اغسطس1893 مد خطوط الترام في العاصمة وأسندت مهمة إنشائه إلى شركة بلجيكية.
وتقرر أن يكون الامتياز بثمانية خطوط تبدأ كلها من العتبة الخضراء ويتجه أحدها إلى القلعة، والثاني إلى باب اللوق فالناصرية، والرابع إلى العباسية عن طريق الفجالة والخامس إلى مصر القديمة، والسادس من فم الخليج إلى الروضة ثم ينتقل الركاب بزورق بخاري إلى الشاطئ الآخر ليستقلوا قطارا إلى الجيزة وهذا هو الخط السابع، والثامن يبدأ من قصر المنيل ويسير موازيا لترعة الإسماعيلية إلى كوبري الليمون بميدان رمسيس.
تسيير تجريبى
وفى أول أغسطس 1896 أجرت الشركة احتفالا بتسيير أول ترام على سبيل التجريب وكان في العاشرة صباحا، وقد ركب عربة الترام حسين فخرى باشا وزير الأشغال مع كبار رجال الوزارة من بولاق وصولا إلى القلعة.
خمسة مليمات فقط
بدأت تعريفة الركوب مع أول ترام خمسة مليمات للدرجة الأولى وثلاثة مليمات للدرجة الثانية، فاختلف وجه الحياة وأصبح الساكن في العباسية يستطيع العمل في السيدة زينب، وسهل على الأسر الخروج إلى الحدائق وكذلك المسارح بميدان العتبة.
وتذكر جريدة "المقطم" في تغطيتها للحدث: «شهد أهل العاصمة مشهدا قلما شهد مثله أهالي المنطقة العربية، ولم يخطر على قلب بشر منذ مائة عام وهو أن تجري مركبات كثيرة تقل الناس لابقوة الخيل في العربات التي تجرها الخيول او العربات الكارو التي تجرها الحمير..
ارتفاع اسعار الاراضى
يسير الترام الجديد لابقوة الكهرباء ولا البخار، بل بالقوة الطبيعية الناتجة عن احتراق الفحم وإدارة الحديد بالمغناطيس ثم تجرى على أسلاك منصوبة في الهواء والقضبان ممدودة على الأرض وهذا هو التروماي الكهربائي الذي أسماه البسطاء والأطفال والفلاحين "العفريت ".
اختلف وجه الحياة تماما بعد تسيير الترام حيث ارتفعت أسعار الاراضى التي يمر بها الترام فما يفتتح فرع من فروع الترام حتى تبدأ الصحف نشر إعلانات عن قطع اراضى للبناء وكان الإعلان يوضح لمزيد من الدعاية ان قطعة الأرض على بعد كذا من التراماى فزادت أسعار اراضى حى الازبكية ونشأت فيها المحلات التجارية وأصبحت قلب العاصمة فأقام فيها أيضا الأجانب المباني الضخمة، حتى وصفها الكتاب في صحفهم ومجلاتهم انها اخت باريس أو بنتها.
ياحلاوة ياولاد
كتب الاديب يحيى حقى معلقا على هذا الحدث ( سمعت من أمى أن أهل قريتها ضربوا كفا بكف من شدة العجب حين علموا ان بالعاصمة عربة مسحورة تجرى بلا خيول اسمها الترامواى..ياحلاوة ياولاد ).
كما كثرت النكات والقفشات حول الترام وتهرب الركاب من دفع ثمن التذكرة حتى قيل ان واحدا قال لصاحبه كيف يسير الترامواى على القضبان فرد عليه علشان معلقين فيه حمير من تحت.