موسم «طرد الإخوان».. القاهرة صاحبة الضربة الأولى.. و«القاضية» كانت في تونس
«البداية من مصر، ثم السودان، واليوم تونس ترفع رايات التطهير».. من هنا يمكن المضي قدمًا للحديث عن عمليات «التنظيف السياسي» التى تتعرض لها جماعة الإخوان الإرهابية، فى مختلف العواصم العربية، فـ«القاهرة» التى كانت فى طليعة العواصم التى لفظت الجماعة فى 2013، سرعان ما بدأت تجرِبتها تتكرر فى بقية البلدان العربية، فـ«الخرطوم» هى الأخرى بعد سنوات طويلة من الاستكانة لـ«حكم البشير» وإخوانه ثارت على الجماعة وفسادها، وتونس الخضراء التى سقطت لسنوات فى «فخ النهضة» أدركت أن مستقبلها أصبح مرهونًا بتخلصها من «إخوان الغنوشي»، وهذا ما شهدته –ولا تزال- البلاد هناك، بعدما قرر الرئيس التونسى قيس سعيد، الوقوف فى وجه «مخططات الإخوان»، ليس هذا فحسب، بل وقطع الطريق عليهم ومنعهم من تنفيذ مخطط «التمكين» الذى حاولت الحركة الإخوانية تنفيذه فى غالبية مؤسسات الدولة التونسية.
وفى هذا الإطار هناك مَن يرى أن سقوط جماعة الإخوان الإرهابية تأخر قليلًا، لكنه بات واقعًا فى النهاية لجماعة لا تحكم العقل أو المنطق أو حتى الدين، الذى تتخذه شعارًا لها، بل ارتبط حكمها وتواجدها بالفوضى والاغتيالات وعمليات التعطيل المتعمدة لإفشال أي مخطط حكومى وسقوط الدولة بعد فقد سيطرتهم.
إخوان تونس
ولاقت التطورات الأخيرة فى تونس ردود فعل دولية وعربية، خاصة بعد أن أعادت إلى الأذهان فشل تجرِبة حكم الإخوان فى مصر خلال عهد الرئيس الراحل محمد مرسى، ومحاولة الجماعة الصعود القفز على السلطة فى دول أخرى فى المنطقة مثل سوريا وغيرها، فمع ازدياد معدلات السخط الشعبى من «إخوان تونس» قرر قيس سعيد الرئيس التونسى، توجيه ضربة قاضية مفاجئة لـ«إخوان النهضة»، بما يؤكد أنه من البداية كان واضحًا فى تحذيراته، وأن ما يحدث من «الغنوشي» ورفاقه سيضطره للتدخل لأخذ القرار الصارم الذى لا رجعة فيه.
المثير هنا أن الجماعة –وكعادتها- أصيبت بالغرور، وتجاهلت «النهضة» التونسية «تحذيرات سعيد»، ليس هذا فحسب، لكن أجهزتها الإعلامية الداخلية، وأذرعها الخارجية، وكتائبها الإلكترونية، بدأت تروج لفكرة أن الرئيس لن يستطيع تنفيذ تحذيراته هذه، كما ادعوا أن بإمكانهم السيطرة على مقاليد الحكم وذلك بعد تدمير قياداته، وأنهم لديهم جميع الإجراءات الاحترازية، لكن قرارات الرئيس التونسى كشفت عكس ما حاولت «النهضة» ترويجه، وأزاحت الستار عن «جبل الأكاذيب» الذى كانت تروجه «النهضة» ومن قبلها الإخوان، بأنها الجماعة التى لا تقهر.
البرلمان التونسي
أما بشأن قرار الرئيس قيس سعيد، الخاص بتعطيل اختصاصات البرلمان التونسى، فجاء نظرًا لأن البرلمان بكافة قياداته أصبح عاجزًا عن اتخاذ أي قرار مصيرى، لذا تم تعطيل اختصاصاته، ليس ذلك فحسب بل قرر أيضا تحريك المتابعة القضائية فى قضايا الفساد التى طالب بالتحقيق فيها مرات وتم تجاهل مطالباته السابقة، والتأكيد على عدم صموده عن الفساد المنتشر، متجاهلًا جميع الادعاءات التى تقول إن ذلك ليس من اختصاصات رئيس الجمهورية، مستندَا إلى بعض المواد الدستورية التى تمكنه من ذلك.
ومع تطور الأحداث التى يمكنها إنهاء عصر الإخوان والتى أشعل فتيلها مؤخرًا الرئيس التونسى قيس سعيد، باتت التساؤلات تكثر عن وضع الإخوان فى المنطقة بعد هزيمتهم فى تونس ومصر؟ وما مصير مخططاتهم المستقبلية فى المنطقة؟ وكيف سيتم تعاملهم فى الفترة المقبلة مع خسارتهم الفادحة؟ وهل يسدل التغيير فى تونس الستار على حقبة الإخوان فى العالم العربى؟
وفى إطار الإجابة عن التساؤلات السابقة، قال اللواء رضا يعقوب، الخبير فى مكافحة الإرهاب الدولى: ما يحدث فى تونس اليوم بشأن الإخوان شبيه بدرجة كبيرة إلى ما حدث فى مصر 2013، عندما أطاح الجيش بقيادة وزير الدفاع آنذاك والرئيس الحالى عبد الفتاح السيسى بحكومة الإخوان الإرهابية وسط هتافات لعشرات الآلاف من المصريين فى الشوارع.
مستقبل الجماعة
وتابع: دخول الإخوان فى أي دولة ما هو إلا دمار لتلك الدولة، فهم لا ينظرون إلى الدولة وشعبها بقدر النظر إلى أنفسهم فقط، فهدفهم ليس تأسيس دولة ذات مؤسسات عليا، كما أنهم لا ينظرون إلى العلاقات الخارجية إلا من خلال منظور واحد ألا وهو «الإخوان»، لذلك دائمًا ما يثور وينقلب الشعب عليهم، والحمد لله أن توصلهم للحكم فى عدد من المواقع جاء لكى يوضح للرأى العام من هم الإخوان، والتأكيد على أنهم جماعات لا تبحث إلا عن مصلحتهم الشخصية ونشر أفكارهم الإرهابية وليس بناء دولة كما يدعون.
وأضاف: باب السياسية بالنسبة لجماعات الإخوان أغلق تمامًا، ففى البداية دخلوا الحكم من منظور أنهم جمعية إصلاحية، لكن تبين بعد ذلك أنهم جمعية هدفها الاستيلاء على الحكم فقط، صحيح أنهم نجحوا فى فترة من الفترات فى إقناع بعض الشعوب لتحقيق أهدافهم، لكن حمدًا لله أن تلك الفترة لم تدم طويلًا، خاصة بعدما تبين أنهم ليسوا أصحاب رسالة وليس لديهم أي فكرة لإدارة الدولة كما ادعو، فإدارة الدولة تتم بمؤسسات كالخارجية والداخلية والدفاع والاقتصاد والمالية ومجلس الوزراء وغيرها العديد من المؤسسات، فإخوانيتهم فقط هى الطاغية عليهم، وتلك هى الكارثة التى لا يرغبون فى الخروج منها، لكن الآن أصبح يمكننا القول بأن باب السياسة أغلق تمامًا بالنسبة لهم، فالشعوب أصبحت أكثر وعيا ودراية بكافة الأمور ولن تقبلهم نهائيا مرًة أخرى.
فى السياق ذاته قال الدكتور أحمد الشوربجى، الخبير فى شئون جماعات الإسلام السياسى: من المبكر الحكم على وضع الإخوان فى تونس، لكن يمكن تسليط الضوء على وضع الإخوان فى تونس مقارنة بمصر، فسقوط الإخوان فى القاهرة أحدث شرخًا هائلا فى المشروع الإخوانى المتجسد فى المنطقة، والذى كان يديره قوتين إقليمية تتمثل فى تركيا (العثمانية الجديدة) والدولية والتى على رأسها الأمريكيون الذين زعموا أنه بإمكانهم إدارة المنطقة بالإسلام السياسى أملًا فى إنهاء العنف، وكذلك التفاهم بشكل أوسع مع تلك الجماعات، فضلًا عن التى مع الأنظمة الحالية فى سدة الحكم، وبالتالى إنهاء فكرة الصراع العربى الإسرائيلى، وذلك من خلال فكرة الخداع السياسى.
الدور التركي
وأكمل: الرؤية الإقليمية لتركيا توافقت مع الرؤية العالمية لبعض الإدارات الحاكمة، المتمثلة فى فكرة أن الإسلام السياسى الوكيل الجديد فى المنطقة، والذى يجب أن يحكم المنطقة كاملة ويديرها فى ضربة واحدة لصالح القوى الغربية بحيث يمكنها تحقيق أهدافها داخل المنطقة، وفكرة ضرب المشروع الإخوانى فى مصر أحدثت زلزالًا كبيرًا جدًّا، لذلك كان الضغط على مصر أكبرَ بكثير من التعامل تونس حاليًا، فتونس تتعامل بأريحية شديدة لأن رأس الحربة ومركز الثقل الحقيقى كان المقصود به مصر، لكنه فشل مما جعله أصبح بمنزلة قوة لتونس.
«الشوربجي» شدد على أن «الوضع الحالى فى تونس تأثر كثيرا بمصر، فهناك مشاهد فى تونس تكاد تتطابق مع المشهد المصرى، لكن لا شك أن هناك فوارق من عدة نواحى، فثقل الدولة المصرية يختلف عن تونس من ناحية مقياس الدولة والتاريخ والجغرافيا والشعب، كما أن عوامل القوى السياسية والأمنية والقضائية داخل مصر تختلف عن تونس والجيش التونسى يختلف عن المصري»، مشيرا إلى أن إخوان تونس يسيطرون على سدة الحكم فى وزارة الداخلية منذ 2011 لدرجة أن هناك بعض الملفات داخل أروقة الوزارة فقدت تمامًا، نفس الشيء فى المؤسسة القضائية التى تكاد تشهد شللًا حقيقيًا بينما فى مصر بمجرد أن أقيل الرئيس الراحل محمد مرسى كانت شرارة الثورة انطلقت، وانتهى عصر الإخوان، ولذلك يمكن القول إن الإخوان لم ينتهوا لكن مشروع «الإسلام السياسي» انتهى فى المنطقة.
نقلًا عن العدد الورقي…