جودة عبد الخالق: تجميد سعر الرغيف 30 سنة خطأ.. وما ستوفره الزيادة "نقطة ببحر"|حوار
علاج عجز الموازنة لا يكون عن طريق رفع سعر الخبز المدعم
الحكومة ورثت مشكلة تجميد سعر الرغيف طوال ٣٠ عاما حدثت بها تطورات اقتصادية عديدة
تجميد سعر رغيف الخبز تسبب فى ترحيل المشكلة للحكومات القادمة
إذا كانت تكلفة الرغيف ٦٠ قرشا ويباع بـ٥ قروش فمهما كانت الزيادة لن تصل إلى حد التكلفة
مصر لا يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح لهذه الأسباب
هناك بدائل لتحريك سعر الرغيف ومنها زيادة الضرائب على مصنعى السيارات الذين يحصلون على مميزات طائلة
يجب تحصيل ضرائب على التعامل فى البورصة والشركات العقارية التى لا تتعامل فى النشاط
٦٥ قرشا كتكلفة للرغيف أمر مبالغ فيه لأنها تتضمن إهدار قمح فى مراحل التخزين والطحن والإنتاج
الأمر يحتاج إلى نوع من التقدير السياسى.. واختزال المشكلة فى سعر رغيف الخبز خطأ كبير
رؤساء مصر السابقون كانوا يحملون الأعباء دون تعامل مع المشكلة والتعامل الحالى يحل المشكلة على حساب الغلابة
إنشاء المخابز فى القرى جعل الفلاحين يعتمدون على الخبز المدعم
وجود مخابز صغيرة يزيد تكلفة الطاقة ويجب دمج المخابز الصغيرة وتطبيق نظام المخابز العملاقة
منذ بدء التعامل مع صندوق النقد الدولي وهو لا يحقق مصلحة مصر
الادعاء أن المشكلة فى تكلفة رغيف الخبز "خاطئ" لأن الفاقد يعود لفئات أكثر ثراء
لا بد من سد الثغرات التى يتسرب منها دعم الخبز والفقد فى مراحل التخزين والنقل والشحن
يجب ضبط سلسلة عرض الخبز فى حلقاتها المختلفة.. ومنها تخزين القمح بالصوامع والشون
رفع سعر رغيف الخبز لن يحل المشكلة ويجب العودة لخلط الذرة بالقمح
هذا الإجراء سوف يزلزل ميزانية الأسرة المصرية
حلقة المطاحن إحدى نقاط تسريب وإخراج القمح من مجال الدعم رغم إثبات ذلك على الورق
أثار قرار تحريك أسعار رغيف الخبز المدعوم الذى يباع بسعرخمسة قروش، حالة من التساؤلات حول مبررات هذا القرار، خاصة أن الأرقام تكشف أنه يتم إنتاج ٢٧٠ مليون رغيف يوميا بسعر ٥ قروش للرغيف الذى يتكلف ٦٠ قرشا تتحمل الدولة منها ٥٥ قرشا فضلا عن أن مصر بها ٢٣ مليون و١٧٩ ألفا و١٥٨ بطاقة خبز يستفيد منها ٧١ مليون و٤٧٩ ألفا و٨٥٩ مواطنا، وأن دعم الخبز يتكلف 50،5 مليار جنيه سنويا فى موازنة العام المالى الحالى ووزن الرغيف ٩٠ جراما بعد أن كان ١٢٠ جراما حتى نوفمبر ٢٠٢٠.
أضف إلى ذلك أن لدينا نحو ٢٨ ألف مخبز على مستوى الجمهورية، وتنتج الشيكارة ٥٠ كيلو ٧٢٥ رغيفا وزن ٩٠ جراما، وفقا لوزير التموين الأسبق الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، الذي يتحدث في هذا الحوار لـ "فيتو" بأفق واسع عن تحريك سعر رغيف الخبر ومشاكل منظومة الخبز والحلول الممكنة للتعامل معها، حيث أكد أن هناك بدائل عديدة لخفض العجز بعيدا عن غذاء البسطاء والفقراء الذين يتضاعف عددهم وفقا للأرقام الرسمية.. وإلى نص الحوار:
- كيف تنظر إلى توجه الدولة نحو تحريك سعر رغيف الخبز المدعم؟
** يجب أن نتحدث فى البداية عن تحريك أسعار الخبز المدعم من عدة وجوه، الأول: يأتى فى إطار عجز الموازنة العامة ورغبة الحكومة فى تخفيض هذا العجز، والدليل على ذلك هو البيان المالى ٢٠٢١/ 2022 الذى بدأ تنفيذه فى يوليو الماضى، والثاني: استهداف الحكومة إصلاح منظومة الدعم وترشيد الاستهلاك، وفى هذا السياق يتم تحديث بيانات مستحقى الدعم من عينى إلى نقدى وتنمية بطاقات التموين، والسبب الثالث أن الحكومة عقدت اتفاق مساندة مع صندوق النقد فى أغسطس٢٠٢٠ وافق عليه صندوق النقد.
وبمقتضاه تحصل مصر على تمويل لمواجهة المشكلات الاقتصادية الناتجة عن أزمة كورونا، وتبلغ هذه الأموال 2.5 مليار دولار على ١٢ شهرًا، وكما هو معروف هذه الاتفاقيات يقابلها التزامات من الحكومة أهمها: اتخاذ إجراءات لتخفيض العجز فى الموازنة؛ مما يخفف من الدين العام واحتواء أزمة معدلات التضخم والالتزام الأول يوضح خلفية إثارة موضوع الخبز، باختصار المشكلة فى رغيف الخبز، وبرغم وجود سعر ثابت لرغيف الخبز المدعم طوال ٣٠ عاما لكن علاج عجز الموازنة لا يكون عن طريق رفع سعر الخبز المدعم.
- هل هذا هو التوقيت المناسب سياسيا للإعلان عن هذا التوجه؟
** ليس لدى معلومات محددة لدىَّ عن خلفية إثارة هذا الأمر الآن، لكن بالتأكيد هناك مسببات، وربما يكون الالتزام أمام صندوق النقد الدولى على رأسها، لكن فى جميع الأحوال التعامل مع الأمر بشكل مختلف وليس بتصريح الرئيس، فإذا كان الهدف خفض العجز المالى فإن ما سيوفره زيادة سعر رغيف الخبز نقطة فى بحر لأن كل ما سيوفره لن يزيد على 50 مليار جنيه سنويًّا، إلا إذا كان الهدف التوفير من المصروفات التى تتجاوز ٢ تريليون جنيه.
ضف إلى ذلك أن تحريك سعر رغيف الخبز المدعم بدعوى أن تكلفته تصل إلى ٦٠ قرشًا أقول باعتباري وزير تموين سابقًا: إذا كانت التكلفة ٦٠ قرشا ويباع الرغيف بـ٥ قروش، إذن نحن نتكلم فى نسبة ١: ١٢، ومهما كانت الزيادة فلن تصل إلى حد التكلفة، وهنا يجب أن نكون منصفين فى أن الحكومة ورثت مشكلة تجميد سعر الرغيف طوال ٣٠ عاما حدثت بها تطورات اقتصادية عديدة.
- ماهى تقديراتك لنسبة الزيادة المتوقعة فى سعر الخبز المدعم من وجهة نظرك؟
** هذا الأمر فى يد الحكومة وفقا لتقديراتها السياسية؛ لأن كل مستوى للسعر له إثاره على المواطن خاصة محدودى الدخل والوضع الاقتصادى للدولة الاستقرار الاجتماعى أيضًا، ونحن لدينا تجارب سابقة لا بد من الوقوف عندها مثل أحداث ١٨ و١٩ يناير انتفاضة الخبز، والإجابة أيضا تتوقف على مدى طاقة تحمل الجماهير التى تحتاج إلى الخبز بـ٥ قروش، فطبقا لكلام الحكومة ٧٠ مليون مواطن، وبالتالى هذا الإجراء سوف يؤثر على ميزانية الأسرة المصرية، وبالتالى الأمر يحتاج إلى نوع من التقدير السياسى واختزال المشكلة فى سعر رغيف الخبز خطأ كبير؛ لأن الأمن الغذائى للمواطن يتمثل فى حصوله على غذائه الأساسي، وفى الصدارة رغيف الخبز بصورة منتظمة وبنفس السعر حتى لا يشكل الأمر خطورة على صحته.
- هل يعتبر هذا القرار خروجا على شعار «عيش حرية عدالة اجتماعية»؟
** الكهرباء والمياه شهدت نفس الأمر، وبالتالى منذ بدء التعامل مع صندوق النقد الدولى وهو لا يحقق مصلحة مصر؛ لأن الإعلام يصور الصندوق على أنه الجهة التى تمتلك الحكمة والخبرة، وهذا أمر يحتاج إلى مراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي فى ٢٠١٦ الذى طلب تعويم الجنيه المصرى وتحرير سعر الصرف، وبالتالى تحريك سعر الخبز ليس الأول فسبق تخفيض وزن الرغيف بمقدار 25%.
* هل هذا يعنى أن تجميد سعر رغيف الخبز هو الأساس فى هذه الأزمة؟
** بالتأكيد تجميد سعر رغيف الخبز المدعم كان خطأ فادحا لأنه يرحل المشكلة للحكومات القادمة، ونحن فى حزب التجمع قدمنا تقريرا مفصلا بالأرقام للمؤتمر الاقتصادى الذى دعا إليه مبارك فى ١٩٨١، وكان عن الدعم وصدر كتاب باسم "دعم الأغنياء ودعم الفقراء"، والنقطة الثانية فى أوائل الثمانينات كان هناك لصوص ونصابون فى طوابير الخبز، وكانت النتيجة فصل الإنتاج عن التوزيع، وهنا ستعرف إذا كان المخبز ينتج حصته أم لا وأخذ به.
أما النقطة الثالثة فلا بد من التوقف عن إنشاء المخابز فى القرى لأن هذا جعلهم يعتمدون على الخبز المدعم، وأخيرا إعادة تطبيق خلط القمح بالذرة فى إنتاج الخبز المدعم، وهذا له مردود اقتصادي فى خفض التكاليف، وهذه رؤية سرت عليها وقت أن كنتُ وزيرا للتموين فى ٢٠١١، حيث عملتُ على إصلاح منظومة الخبز من خلال قيام هيئة السلع التموينية بتأمين القمح من الداخل عن طريق الفلاحين، ومن الخارج بالاستيراد وتوفير الدقيق لأن القمح كان يسلم للمطاحن مع وعد بإنتاج كمية من الدقيق الردة، ويحصل المطحن على ٤٠٠ جنيه لطحن الطن، وفى حالة عدم إرسال الفلوس يتم التصرف فى الدقيق، ويتم تستيف الورق فى نفس الوقت المخابز تتسلم طن الدقيق بـ١٦٠ جنيها فى حين أن ثمنه ٢٠٠٠ جنيه، وطالبنا الحكومة ببيع القمح للمطاحن على أن تسدد الحكومة فارق السعر الاجتماعى.
* وهل ترى وجود بدائل لتحريك سعر رغيف الخبز المدعم لخفض عجز الموازنة؟
**هناك العديد من البدائل كما سبق أن ذكرت عن طريق زيادة الضرائب على مصنع السيارات الذين يحصلون على مميزات طائلة بالإضافة إلى تحصيل ضرائب على التعامل فى البورصة، فضلا عن الشركات العقارية التى لا تتعامل فى النشاط، ولا تسدد ضرائب والحكومة فى نفس الوقت توفر لها الحماية من أي انهيار من خلال مبادرة البنك المركزى للتمويل العقاري، وهذه كلها بدائل بعيدًا عن التحيز الاجتماعي للأغنياء ضد الفقراء.
- كيف تعامل الرؤساء السابقون مع رغيف الخبز؟
** الرؤساء السابقون كانوا يحملون الأعباء دون تعامل مع المشكلة، ومن هنا التعامل الحالى يحل المشكلة على حساب الغلابة، ويختزل الأمر فى موضوع الخبز الذى كان من الممنوع المساس به فى عقود سابقة رغم وجود إهدار له باستخدامها من جانب البعض كعلف للماشية والطيور.
- وما هى تداعيات هذا القرار من وجهة نظرك؟
** بالتأكيد الأمر له تداعيات سلبية على البسطاء فى حالة تحريك سعر الخبز الذى يعد أحد مكونات غذاء السواد الأعظم من الشعب المصرى لأن هذا سيترتب عليه رفع أسعار السلع البديلة والمكملة ومنها المكرونة والأرز؛ لأن الناس ستتحول للبدائل، والتأثير الآخر تحديد نسبة الزيادة ستحدد نسبة الأعباء الجديدة على الأسرة المصرية، وهناك بعض الأسر لن تستطيع مواجهة الزيادة، وبالتالى سيؤثر عليهم صحيا وعقليا، بالإضافة إلى أن التأثير قد يؤدى إلى التململ الاجتماعى، ومن الممكن أن يقبل الناس الزيادة فى حالة تحمل الأغنياء زيادة نسبة الضرائب على أرباحهم فضلا عن عودة إنتاج الخبز فى البيوت، وهذا سيترتب عليه زيادة نسبة الاستيراد من القمح لأن المزارعين لن يقبلوا على بيع إنتاجهم كاملا.
* هل المزارعون سوف يستفيدون من قرار زيادة سعر الرغيف المدعم، وهل سيرتفع بالتبعية سعر أردب القمح؟
** هذا الأمر يتوقف على الإجراء الذى ستنفذه الحكومة، لو قالت إنها ستزيد سعر أردب القمح قطعا سيستفيد الفلاح، لكن هذا سيزيد العجز فى الموازنة العامة للدولة ويرتفع سعر الخبز المدعم، وهذا سيجعل الطلب على القمح يتزايد، ويستفيد منتجو القمح لأنهم من أفقر الناس فى المجتمع، وهنا يجب أن نعرف أن هناك استفادة أخرى، وهى معرفة أن الخبز منتج ثقافي قبل أن يكون سلعة، وبالتالى رب ضارة نافعة، وهو تراجع الناس عن الخبز المدعم.
* تحريك أسعار الخبز هو القرار الوحيد لإصلاح منظومة الخبز أم يمكن اللجوء لمنظومة أخرى؟
** يجب أن ندرك أولا أن منظومة الخبز معطوبة، والادعاء أن المشكلة فى تكلفة رغيف الخبز هو ادعاء خاطئ لأن الفاقد الذى يعود لفئات أكثر ثراء هو فساد أكبر من الفارق بين سعر التكلفة والبيع لرغيف العيش، وبالتالى لا بد من ضبط سلسلة عرض الخبز فى حلقاتها المختلفة منها تخزين القمح بالصوامع والشون، وهناك نسبة لا يستهان بها من الإنتاج تضيع لسوء التخزين. والنقطة الثانية حلقة المطاحن فهى إحدى نقاط تسريب وإخراج القمح من مجال الدعم رغم إثبات ذلك على الورق، وهناك أيضا المخابز لا بد أن تدفع ثمن الدقيق مع ضرورة عودة خلط الذرة بالقمح، والتاريخ يذكر أن الفضل يعود فى ذلك للدكتور أحمد جويلي، وزير التموين الأسبق.
- لو كنت وزيرا فى الحكومة الحالية، هل كنت ستعترض على القرار أم تدعمه؟
** كنت سأعرب عن تحفظى على القرار لصعوبة تعليق الأمر على الغلابة والبسطاء ولا بد من سد الثغرات التى يتسرب منها دعم الخبز والفقد فى مراحل التخزين والنقل والشحن لأن رفع سعر رغيف الخبز لن يحل المشكلة والعودة لخلط الذرة بالقمح ضرورى.
* هل تحريك سعر الخبز المدعم يعنى اتجاه الدولة لرفع الدعم تماما؟
** الوارد فى البيان المالى أن هناك نية للتحول من الدعم العينى للنقدى وترشيد الدعم والتدقيق فى الكميات المستخدمة فى إنتاج الرغيف لعلاج العجز فى الموازنة العامة للدولة والحكومة تحمل الأمر على الدعم رغم أنه ليس المسئول وحدة عن عجز الموازنة، وتضرر المواطن يتوقف على نسبة الرفع من خمسة قروش إلى ٦٥ قرشا، وكلما زاد الرفع كلما شكل هذا ضغطا على ميزانية الأسر واتساع مساحة الفقر، وهذا له مردود إيجابى فى عودة الفلاح لإنتاج الخبز بمنزله مثلما كان يحدث سابقا.
* فى رأيك ما هو السعر العادل والمناسب المتوقع لرغيف الخبر؟
** من الصعب تحديد سعر مناسب لرغيف الخبز، لكن ٦٥ قرشا كتكلفة أمر مبالغ فيه لأنها تتضمن إهدار قمح فى مراحل التخزين والطحن والإنتاج وهذا كلة يمكن توفيره من خلال عدم تحميل الرسوم والضرائب على التكلفة، وهذا ليس الإجراء الوحيد ولا بد من إجراءات أخرى بتحميل فئات أخرى من المجتمع بعض الأعباء المالية والاجتماعية للدولة، وهناك جزء منسى عن تخفيض التكلفة من خلال المخابز أكثر من نصفها ووجود مخابز صغيرة يزيد التكلفة من ناحية الطاقة، وهذا يتطلب دمج المخابز الصغيرة وتطبيق نظام المخابز العملاقة وهذا سبب الصراع بين غرفة المخابز ووزارة التموين، وهذا سيخفض التكاليف.
- أخيرا.. سؤال الأمس واليوم والغد.. متى وكيف تحقق مصر الاكتفاء الذاتى من القمح؟
** مصر لا يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح لأننا نحتاج لـ١٢ مليون طن قمح سنويا فى وقت موارد مصر من المياه لا تمكنها من ذلك إلا بتخفيض شيء على حساب شيء آخر، أي بزيادة مساحة القمح على حساب زراعة أخرى شتوية أخرى مثل البرسيم الذى يعد سعره حرًّا، وبالتالى الأمر يحتاج إلى حسابات معقدة، لكن تحقيق الأمن الغذائى ممكن من خلال تنوع مصادر الاستيراد وتخزين القمح بشكل صحيح.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"