من تبادل المرضى إلى فيديوهات يوتيوب.. حكايات سماسرة الطب في البرامج ومواقع سوشيال ميديا
«سمسرة الطب».. مصطلح قد يظنه البعض جديدًا بعض الشيء، غير إن المهتمين بالشأن الطبي في مصر، يدركون جيدًا أنها ظاهرة تعود لحظة ميلادها إلى سنوات عدة مضت، لكن الفترة الأخيرة شهدت ظهورها بشكل واضح، بعدما تحول الأمر من مجرد «توصية» إلى «عمولة» يحصل عليها بعض الأطباء من مراكز الأشعة والتحاليل، نظير إحالة مريض إلى مركز بعينه، والأمر ذاته ينطبق على المستشفيات الخاصة، والتحويلات المتعلقة بأسرة الرعاية المركزة في الأماكن الخاصة.
ومؤخرًا.. شهدت ظاهرة «سمسرة الطب» نوعًا جديدًا، والمتمثل في الترويج والتسويق للأطباء على صفحات مواقع «سوشيال ميديا»، مثل «فيس بوك، تويتر، وإنستجرام»، هذا إلى جانب المشاركة في البرامج الطبية على القنوات الفضائية وتوجيه المرضى إليهم وهو أمر تُجرمه لائحة آداب مهنة الطب بحسب نقابة الأطباء التي وضعت بنودًا وضوابطَ مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لظهور أي طبيب في وسائل الإعلام، إلا أنه غير مفعل حسبما أكد أعضاء مجلس نقابة الأطباء.
السوشيال ميديا
وفي هذا السياق قال الدكتور رشوان شعبان، عضو مجلس نقابة الأطباء: لائحة آداب مهنة الطب تجرم السمسرة الطبية خاصة بين طبيب وطبيب آخر، في حين أنها لم تتطرق إلى حالات السمسرة من جانب غير الأطباء، مثال بأن طبيبا يحول حالة لطبيب آخر أو يحجز لحالة في مستشفى خاص، ويحصل على مقابل مادي أمر مخالف للائحة آداب المهنة، وإذا أثبتت الواقعة يحال الطبيب إلى تأديب مهني بعد التحقيق معه في لجنة آداب المهنة بالنقابة.
وأضاف: أي طبيب يقبل إحالة حالات مرضية له بمقابل مادي مجرم، مع الأخذ في الاعتبار أنه منذ ٨ سنوات في العمل النقابي ولم يتقدم أحد بشكوى تخص السمسرة الطبية، وأي شخص يرغب في تقديم شكوى تتعلق بالسمسرة الطبية عليه أن يقدم شكوى في أمانة النقابة ويتم التحقيق فيها بلجنة آداب المهنة، وإذا ثبتت إدانة الطبيب يحال إلى الهيئة التأديبية، وهي تعد محكمة أول درجة للنقابة، والتي تتكون من قاضٍ من مجلس الدولة يعين سنويا بها و٢ من أعضاء المجلس للنقابة.
المخالفة القانونية
عضو مجلس نقابة الأطباء، شدد على أن الترويج والتسويق للأطباء أمر مخالف وغير مباح، ويجب ألا يخرج الطبيب للإعلام دون الحصول على موافقة مبدئية من النقابة ويتحدث فى موضوع علمى، ولا يجب أن يذكر مكان عمله غير الحكومى أو عنوان عيادته وتليفونه، وما يحدث من ظهور واسع للأطباء فى وسائل الإعلام المختلفة، مخالف وتم تقديم شكاوى إلى المجلس الأعلى للإعلام والاتفاق على بنود واضحة بضرورة أخذ موافقة صريحة من مجلس النقابة بصيغة معينة ومضمون حديثه ولا يتحدث إلا بمعلومات علمية معترف بها ووضع ضوابط لخروج الطبيب للإعلام سواء فى القنوات العامة أو الخاصة أو وسائل التواصل الاجتماعى إلا أن تلك الضوابط غير مفعلة، فضلًا عن أن العقوبات التى توقع على القناة والوسيلة الإعلامية مبالغ ضئيلة.
«شعبان» كشف أن النقابة وقعت عقوبة على طبيب عيون بالوقف لمدة عام بسبب الحديث والترويج عن طرق علاجية غير مصرح بها علميا، مشددًا على ضرورة وجود تشريع لتغليظ العقوبات، خاصة أنه لا يوجد عقوبة واضحة لتلك المخالفات سوى غرامة مالية ضعيفة قائلًا: «هؤلاء مَن يظهرون على القنوات المجهولة يتحدثون عن الطب ويتسببون فى أذى المرضى أسوأ من فيديوهات تيك توك».
كما أشار إلى أن الإعلان للطبيب وفقًا للائحة آداب المهنة يكون حين افتتاح العيادة مرة واحدة ولو أغلقها لعذر يعلن عن ذلك مرة فى صفحة الاجتماعيات بمساحة معينة فى الصحف، بينما ما يحدث من ترويج وتسويق للأطباء على صفحات «فيس بوك» مخالف لآداب المهنة كذلك غالبية لافتات العيادات والمستشفيات الموجودة حاليًا مخالفة حيث نصت لائحة آداب المهنة على عدم «البهرجة» مثلما يحدث إعلانات على الطرق وفى أماكن مختلفة، والوسيلة المباحة والقديمة منذ سنوات قبل ظهور السوشيال ميديا وكم القنوات لمعرفة الطبيب هى مرضاه وشهاداته ومكان عمله الحكومى وليس كما يوجد حاليًا.
عضو «الأطباء» كشف أن هناك أطباء فى تخصصات الجلدية والتجميل يخلطون بين التخصصات، فمثلًا يدعى طبيب أنه أخصائى جلدية وتجميل وليزر، وهو بعيد عن العمل بالليزر أو جراحات التجميل التى تعتبر تخصصا منفردا، مشيرًا إلى أن بعض المرضى للأسف يفضلون الطبيب الذى يظهر فى الفضائيات على الرغم من أن من يظهر فى القنوات يمكن أن يدعى تخصصًا ليس تخصصه أو يدعى درجة علمية أعلى من درجته.
«شعبان» طالب بضرورة تقنين كل ذلك ومساعدة الجهات الرقابية والتشريعية لنقابة الأطباء لتقنين ظهور الأطباء فى الإعلام، لافتًا النظر إلى أن أكثر التخصصات التى تحدث بها تلك المخالفات هى الجلدية والتجميل والعيون والتخسيس وعمليات السمنة، ومؤكدًا أن عقوبة النقابة بالوقف تكون وقفًا مؤقتًا لمدة ٦ شهور أو سنة بينما توجد عقوبة شطب من سجلات النقابة.
وفيما يتعلق بـ«فيديوهات يوتيوب» التى يقدمها بعض الأطباء، فأوضح أن «تسجيل الأطباء لفيديوهات على قنوات (يوتيوب) لشرح مادة علمية تحت إشراف نقابة الأطباء أو وزارة الصحة أو مراكز البحث العلمى ليس به مشكلة بينما ترويج لطبيب وإحضار مريض أصلع وتم زراعة شعر له والتسويق للطبيب أمور غير صحيحة.
من جانبه كشف مصدر مسئول بنقابة الأطباء أن «السمسرة الطبية أمر غير أخلاقى وتجرمه لائحة آداب المهنة التى تؤكد على احترام المريض وتقديم خدمة متميزة له»، مشيرًا إلى «وجود اتفاقية بين مجلس نقابة الأطباء والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لوضع معايير ظهور الأطباء فى الإعلام، إلا أنها غير مفعلة، حيث يجب حصول الوسيلة الإعلامية والطبيب على إذن لظهوره من النقابة ويكون مضمون الحديث علميا وليس بغرض دعائى، فى حين أن غالبية البرامج لا تحصل على إذن النقابة».
بدوره.. قال الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة: السمسرة الطبية لا تقتصر على تخصص معين، فمثلا هناك معامل ومراكز أشعة تعطى عمولة للطبيب الذى يحول إليها نسبة مئوية من ثمن التكلفة تصل إلى ٢٥%، وأي إجراء طبى تكون تكلفته مرتفعةن جراحة قلب أو غيره، لكى يحول للطبيب حالات يمكن أن يعطى عمولة عليها سواء أطباء أو مستشفيات، وفى ذلك مخالفة لآداب المهنة.
منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، أوضح أنه من ضمن أشكال السمسرة تحويل حالات المستشفيات الحكومية إلى أماكن خاصة فى الجراحات التى يكون لها قوائم انتظار، مؤكدًا أنه ليس صعبًا إثبات حالات السمسرة، وتحتاج إلى تتبع وتقديم شكوى إلى نقابة الأطباء، كما أن استخدام المرضى فى الإعلانات عن أي إجراء طبى قبل الإجراء الطبى وبعده يعتبر انتهاكًا صريحًا لحقوق المرضى.
بدوره قال الخبير القانونى، هانى سامح: من أنواع السمسرة الطبية المشاركة فى الإعلانات الطبية وخلق أسماء طبية لا تملك القيمة العلمية والمهنية، ورغم القوانين التى تنظم الإعلانات فى المجال الصحى، إلا أن غالبية البرامج الطبية تعتمد على منطق البيع والشراء وليس الكفاءة.
«هاني» أشار إلى وجود نوع آخر من السمسرة الطبية وهو خاصية «الإستوري» فى وسائل التواصل الاجتماعى على صفحات المشاهير لصالح عيادات وأطباء تبلغ تكلفة اليوم الواحد ٤٠ ألف جنيه، مضيفًا أن «القانون ٢٠٦ لسنة ٢٠١٧ صدر بعقوبات مشددة لمواجهة انفلات البرامج الدعائية للأطباء، وتصل إلى السجن المشدد حال الدعاية عن خدمة طبية بلا ترخيص حال تسببها فى الوفاة أو عاهة مستديمة، وفى حالة التطبيق للقانون سوف يتصدى لظاهرة السمسرة الطبية والمتاجرة بآمال الناس فى الشفاء».
نقلًا عن العدد الورقي…