أن تترك ما تحب الى ما يحب ربك..
الشيخ متولي الشعراوي يشرح معنى الهجرة النبوية
نستقبل حدثا عظيما من أحداث الإسلام نتدارسه ونلتقط منه العبرة وهي مناسبة تتكرر كل عام، والحدث الجلل هو الهجرة النبوية ، والهجرة فيها معنى الهجر، والهجر دائما يكون من مكروه للنفس الى محبوب على النفس، ولكن أكانت الهجرة كذلك ؟لا ليست هجر لأن فلسفة التسمية اسمها الهجرة لكن فعلها هاجر وليس هجرا.
ورسول الله لم يكره مقامه بمكة فهو الذى قال انها احب البلاد اليه، ولولا ان قومه أخرجوه ما خرج منها أبدا فكلمة هجر لا تنطبق على الرسول هنا، فهو لم يخرج من مكة إلا لأن قومه أرادوا خروجه وابعاده كرها وبذلك كان لأهل مكة عمل مشارك للهجرة.
عذاب المشركين
هاجر النبي وأصحابه هربا من بطش المشركين، وفرارا بدين الله، يقول الحق {تبارك وتعالى في سورة النساء (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ).
هاجر النبي من مكة ولم يهجرها، لأن السبب كان من جهة مشركي قريش وليس قصدا منه أو رغبة، ومن هنا نتعلم درس الهجرة الأكبر بمفارقة ما نحب ونألف لما يحب الله، يقول الحبيب المصطفى " اللهم انك أخرجتنى من أحب البلاد إلي فاسكنى أحب البلاد إليك ".
كانت الهجرة وقد كانت مرحلة مكة بصعابها تمهيدا للمؤمنين على تحمل المشاق ولهذا لم ينصر الله الإسلام في مكة لأنه أراد رجال يختارون الإسلام عوضا عن أهلهم وأولادهم وأموالهم.
ونرى قصص الفداء لأوائل المهاجرين مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وبلال بن رباح وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر ثم عمر بن الخطاب، وغيرهم ممن تركوا تجارتهم وأهلهم وخرجوا منفردين لدين الله.
تحمل المهاجرون أيضا مشقة الغربة، وصعوبات اختلاف المناخ ومرض الحمى الذي ألم ببعضهم، وكان الحبيب يدعو ربه: ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة ) رواه البخاري
تعلمنا الهجرة النبوية كيف كان الرسول يتدبر أمره قبل كل تصرف بمنطق سببية الحدث، فالجزيرة خاضعة لسادات قريش، وهم سادة العرب، وخارج الجزيرة هناك فارس والروم وهم أهل كتاب، وسلطتهم الزمنية ظالمة لا تنفذ تعاليم هذا الكتاب.
ملك الحبشة
هاجر الرسول الى الطائف ليطلب النصير فعز عليه ذلك فقال قولته لربه ( ان لم يكن لك عقاب على فلا أبالى )، ثم قال لأصحابه ان يهاجروا الى الحبشة، وقد اختار الحبشة لانها مهجر أمن فكان يقول (اذهبوا إلى الحبشة فإن هناك ملكا لا يظلم عنده أحد ) وكان يعلم أن قريشا سترسل الرشاوى في طلب المؤمنين الجدد، وبالفعل ذهب وحاول عمرو ابن العاص ليطلب من ملك الحبشة رد المؤمنين فرفض..وقد علم الرسول بذلك لأنه لا ينطق عن الهوى.
خطة خروج النبي
خرج النبي وصحبه أبي بكر سرا الى المدينة بعد ان نام ابن عمه على ابن ابى طالب في فراشه، وجعل النبي عبد الله بن أريقط هاديا لهم في طريقهم إلى المدينة رغم كونه كافر على دين قومه، فقد كانت فراسة النبي كفيلة بمعرفة مدى ميله للخيانة، وقسم النبي المهام ما بين من يمحو آثار أقدامهم ومن يأتيهم بنبأ قريش ومن تجلب لهم الطعام وهكذا كل شيء مدروس.
ثم جرت المعجزة الثانية للهجرة لما حاول المشركون اتباع محمد؛ وقد صعدوا الجبل ومروا بغار ثور، واقتربوا بشدة من النبي، وهنا شاء الله أن ينسج العنكبوت وتبيض الحمامة على باب الغار كي يظن هؤلاء استحالة دخول محمد وصحبه [رواه أحمد]
معجزات الهجرة
ومن بين المعجزات التي شهدتها رحلة الهجرة النبوية، تلك الشاة التي كان ضرعها جافا وهي في بيت السيدة أم معبد التي استقبلت النبي، وقد مسح صلى الله عليه وسلم على ضرعها فدر لبنا وشربوا جميعا.
كما جرت معجزة عجز قوائم فرس سراقة بن مالك عن اللحاق بمحمد وصحبه بعد أن رآهما، وقد أخذا عليه العهد بعدم ذكر شيء لقريش وهو ما كان رغم المكافأة الكبرى بمن يدل على محمد بمائة ناقة.
مشى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمام النبي وخلفه، ليؤمن جانب حبيبه وصاحبه رسول الله، ولما جلسا في الغار قال أبوبكر خوفا على محمد: "لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا"، فيرد الرسول عليه " ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ [رواه البخاري
التآخي بين المهاجرين والأنصار
فرح الأنصار بقدوم رسول الله أيما فرح، ومن العجيب ذلك الإيثار الذي أظهروه فكان الرجل يتقاسم طعامه وماله وبيته بسعادة مع المهاجر من مكة، بل ويعرض عليه تزويجه بإحدى نسائه أحيانا.
وقد آخى رسول الله بحكمة كبيرة بين المهاجرين والأنصار في المدينة فكانوا لبنة الدولة الإسلامية الجديدة.