الإفتاء تكشف مدى صحة حديث الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته
ورد سؤال إلى دار الإفتاء بقول فيه صاحبه “ما مدى صحة حديث: «من قال: الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته، والحمد لله الذي ذل كل شيء لعزته، والحمد لله الذي خضع كل شيء لملكه، والحمد لله الذي استسلم كل شيء لقدرته، فقالها يطلب بها ما عند الله؛ كتب الله له بها ألف حسنة، ورفع له بها ألف درجة، ووكل بها سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة»؟ وما حكم العمل به؟”، وجاء رد الدار على هذا الحديث كالتالي:
روى الطبراني في "المعجم الكبير" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ قَالَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لَعَظَمَتِهِ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي ذَلَّ كُلُّ شَيْءٍ لِعِزَّتِهِ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِمُلْكِهِ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي اسْتَسْلَمَ كُلُّ شَيْءٍ لِقُدْرَتِهِ، فَقَالَهَا مَا يَطْلُبُ بِهَا مَا عِنْدَهُ؛ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا أَلْفَ حَسَنَةٍ وَرَفَعَ لَهُ بِهَا أَلْفَ دَرَجَةٍ، وَوَكَّلَ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
حديث الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته
وهذا الحديث سنده ضعيف؛ لأن فيه أيوب بن نهيك، وهو متروك الحديث، وذكره البيهقي بإسناد فيه أيوب بن نهيك أيضًا، مع اقتصار فضله على: «أَرْبَعَة آلَافِ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، ثم قال في "الأسماء والصفات" (1/ 322، ط. مكتبة السوادي): [ورواه أبو بكر بن إسحاق الصبغي عن أبي شعيب؛ فقال في الحديث: «كَتَبَ اللهُ تَعَالَى لَهُ بِهَا أَلْفَ حَسَنَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ بِهَا أَلْفَ دَرَجَةٍ» تفرد به يحيى بن عبد الله، وليس بالقوي، وله شاهدان موقوفان] اهـ.
والشاهد الموقوف عن ابن مسعود رضي الله عنه ذكره البيهقي بإسناد فيه بكر بن خنيس، وهو ضعيف بلفظ: «كَتَبَ اللهُ تَعَالَى لَهُ بِهَا ثَمَانِينَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ بِهَا ثَمَانِينَ أَلْفَ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ بِهَا ثَمَانِينَ أَلْفَ دَرَجَةٍ»، وله شاهد آخر بسند ضعيف رواه الطبراني في "الدعاء" عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ: «مَنْ قَالَهَا كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَإِنْ مَاتَ جُعِلَ رُوحُهُ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خَضِرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ تَشَاءُ»، وسنده ضعيف أيضًا، وفي "المعجم الكبير" بلفظ: «كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ».
وذكر هذا الحديث الهيثمي في "مجمع الزوائد"، وقال: رواه الطبراني، وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي، وهو ضعيف، والمتقي الهندي في "كنز العمال"، وقال: وفيه أيوب بن نهيك منكر الحديث، وذكره الإمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء"، وقال الحافظ العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (ص: 380، ط. ابن حزم): [أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بسند ضعيف.. وكذلك رواه الطبراني في "الدعاء" من حديث أم سلمة رضي الله عنها، وسنده ضعيف أيضًا] اهـ.
وذكره ابن عساكر في "تاريخه" (5/ 202، ط. دار الفكر)، والإمام ابن حجر في "لسان الميزان" (1/ 490، ط. مؤسسة الأعلى، بيروت) عن ابن عساكر وساق إسناده، وفيه أيوب بن نهيك.
أصول الشريعة
والحديث وإن كان ضعيفًا، إلا أنه مندرج تحت أصول الشريعة في مندوبية الذكر بشكل عام؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: 45]، وأحاديث ندب الذكر كثيرة؛ ففي حديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ».
ويروي الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى».
ويروي مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ»، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ».
والحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال كما قرر جماعة كبيرة من أهل العلم ومنهم: الإمام أحمد وعبد الرحمن بن مهدي، وابن الصلاح وابن تيمية والزركشي والنووي والعلائي، وابن دقيق العيد، وتبعهم على ذلك فئات من العلماء كالسيوطي، والهيتمي، وغيرهم كثير.
قال الإمام ابن الصلاح في "مقدمته" (1/ 103، ط. دار الفكر): [يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى، وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما، وذلك كالمواعظ، والقصص، وفضائل الأعمال، وسائر فنون الترغيب والترهيب، وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد، وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك: عبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما] اهـ.
وأصدرت دار الإفتاء فتوى مفردة عن مسألة العمل بالحديث الضعيف في الفضائل، وأخرى عن العمل به في الأحكام.
وبناءً عليه: فإن هذا الحديث الوارد في السؤال وإن كان ضعيف السند إلا أنه يعمل به، فقد قرر جماعة كبيرة من العلماء جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.