تورط الكبار في "بيروتشيما" يهيئ للفوضى
تفضي كل الطرق إلى تورط سياسيين كبار في انفجار مرفأ بيروت "بيروتشيما"، وما تبعه من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية تهيئ البلد إلى فوضى وانهيار شامل.. عشية الذكرى الأولى لانفجار المرفأ، الذي يذكر بقصف هيروشيما بالقنبلة الذرية، رأى "لقاء سيدة الجبل"، وهي جمعية ثقافية مسيحية تعمل لتعزيز العيش المسيحي الإسلامي المشترك، في بيان "أن حزب الله هو المسؤول مباشرة عن جريمة تفجير مرفأ بيروت، لأنه أقحم لبنان والمرفأ والنترات في صلب صراع المنطقة، خصوصًا بعد انخراطه في حرب سورية منذ العام 2012، فكان ما كان في 4 أغسطس 2020".
ودعا البيان إلى "رفع الاحتلال الإيراني عن لبنان، وتدويل الأزمة اللبنانية لأن القضاء اللبناني غير قادر على مواجهة إرهاب الميليشيات الحامية للمنظومة السياسية، لذا يجب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية".
وأبدى فريق آخر تشاؤمه من إمكانية نهوض بيروت من كبوتها كطائر الفينيق، لأن "توقيت الانفجار كان مخططًا ومدروسًا لإلغاء مرفأ العاصمة كي يحل مكانه مرفأ آخر، وربما كان هناك إهمالا متعمدا في المرفأ استغله من دبروا الانفجار لإحداث تغيير جذري وتدمير بيروت، لكن هول الانفجار وحجمه ونتائجه الكارثية جعلت منفذيه يحجمون عن الاعتراف بتنفيذه".
اختفاء نترات الأمونيوم
وفي صدمة موازية، خلُص تقرير مكتب تحقيقات الولايات المتحدة "إف.بي.آي"، إلى أن كمية نترات الأمونيوم التي انفجرت في المرفأ لم تكن أكثر 20 بالمئة فقط من حجم الشحنة الأصلية التي تم تفريغها وتخزينها هناك في 2013، فيما يذكي الشكوك ويزيد الشبهات حول فقد ونقل كمية كبيرة من النترات قبل وقوع انفجار بيروت، وقدر التقرير أن نحو 552 طنا فقط من نترات الأمونيوم هي التي انفجرت في المرفأ، بينما تزن الشحنة الأصلية التي وصلت على متن سفينة مستأجرة من روسيا قبل 7 سنوات 2754 طنا، وان وجود الشحنة بكاملها وقت الانفجار غير منطقي، ما يرجح فرضية نقل غالبيتها إلى مكان آخر أو سرقتها قبل التفجير بفترة.
كانت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، أكثر تحديدا في تقريرها عشية ذكرى الانفجار، واتهمت مسؤولين لبنانيين كبار بالتورط في الانفجار المدمر، مشيرة إلى وجود دلائل تؤكد ذلك.
وقالت لما فقيه، مديرة قسم الأزمات والنزاعات في المنظمة: "تُظهر الأدلة أن انفجار مرفأ بيروت نتج عن أفعال كبار المسؤولين اللبنانيين وتقصيرهم، إذ لم يبلّغوا بدقة عن المخاطر التي تشكلها نترات الأمونيوم، وخزّنوا المواد المتفجرة عن سابق علم في ظروف غير آمنة، وتقاعسوا عن حماية الناس، والأغرب من ذلك إن المشاكل البنيوية في النظامي القانوني والسياسي في لبنان تسمح للمسؤولين بالإفلات من المساءلة والعقاب، خصوصا أنه لم يتهم أي منهم حتى الآن على خلفية الكارثة".
فساد وسوء إدارة
وعرض تقرير المنظمة الحقوقية في 127 صفحة أدلة على سلوك حكومي رسمي يعكس الفساد وسوء الإدارة منذ زمن طويل في المرفأ، وكيف سمح بتخزين آلاف أطنان نترات الأمونيوم عشوائيا بطريقة غير آمنة لسبع سنوات تقريبا.
واعتمدت "رايتس ووتش" على مراسلات رسمية، بعضها لم ينشر من قبل، إضافة إلى مقابلات مع مسؤولين حكوميين وأمنيين وقضائيين، لتوضيح كيف وصلت المواد الخطرة وخُزّنت في المرفأ، حيث أقرّ كل من وزير الداخلية آنذاك والمدير العام لـ"الأمن العام اللبناني" بمعرفتهما بشأن نترات الأمونيوم، لكنهما قالا إنهما لم يتخذا إجراءات بعد علمهما، لأن ذلك لم يكن من ضمن صلاحياتهما. كما أظهرت الوثائق الرسمية أن بعض المسؤولين الحكوميين توقعوا وقبلوا ضمنيا مخاطر الوفاة التي يشكلها وجود نترات الأمونيوم في المرفأ، لأنهم كانوا على علم بتخزين النترات إلى جانب مواد أخرى قابلة للاشتعال أو الانفجار لسبع سنوات تقريبا في مستودعات غير مؤمّنة وسيئة التهوية وسط منطقة تجارية وسكنية مكتظة، مما يخالف الإرشادات الدولية للتخزين.
تخشى السلطات اللبنانية اليوم، تصعيد هدد به أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، خلال إحياء الذكرى الأولى وسط تكثيف الدعوات لرفع الحصانة عن جميع المسؤولين، ليتمكن القاضي طارق البيطار، الذي يتولى التحقيق في القضية من الوصول إلى الحقيقة، وطلب رفع الحصانة عن نواب في البرلمان ووزراء لاستجوابهم، ولم يجاب طلبه إلى الآن، لذا اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية بأنها تعرقل "بوقاحة" مسار التحقيق في انفجار المرفأ وتمنع الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة للضحايا.
واعتبرت منظمة العفو، أن "السلطات اللبنانية أمضت سنة كاملة تعرقل بوقاحة بحث الضحايا عن الحقيقة والعدالة في أعقاب الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت، وأن الجهود التي بذلتها السلطات بلا كلل ولا ملل طوال العام لحماية المسؤولين من الخضوع للتحقيق عرقلت على نحو متكرر سير التحقيق".
وقد أمهل أهالي شهداء 4 أغسطس الحكومة والبرلمان ساعات معدودة لرفع الحصانة عن النواب والوزراء المطلوبين للتحقيق في انفجار المرفأ، وإلا سيكونوا أمام تحركات شعبية لن يتمكنوا من إيقافها.
إنزلاق إلى الهاوية
وإلى جانب حرائق الغابات، عززت الانتكاسة الأمنية التي شهدتها منطقة خلدة بين مناصري "حزب الله" والعشائر العربية، وأسفرت عن قتلى وجرحى، مخاوف فوضى أمنية شاملة تستكمل سلسلة الأزمات اللبنانية المهيأة للاشتعال في ظل احتقان سياسي حال دون تشكيل حكومة بعد عام كامل من استقالة حكومة حسان دياب، واعتذار سعد الحريري بعد 6 أشهر من التكليف لرفضه إملاءات الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، كما بدأت تلوح في الأفق المشكلة نفسها مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، ما ينذر بتأخر تأليف الحكومة لبقاء "عقد" التشكيل والمحاصصة الطائفية على حالها، فضلا عن صعوبات اقتصادية ومعيشية وانقطاع للكهرباء والدواء والمحروقات وارتفاع جنوني للاسعار وانهيار العملة أمام الدولار.
وسط دوامة أزمات لبنان، جاء في تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في جنيف، بعنوان "لبنان.. الانزلاق إلى الهاوية"، أن "الأزمات المتفاقمة في لبنان وعجز الحكومة عن التعامل معها أوصل الأوضاع إلى مستوى غير مسبوق من التدهور بمعدلات فقر تجاوزت 55 في المئة، فيما بات أكثر من نصف العمال عاطلين عن العمل، ما يترتب عليه تبعات خطيرة لتأمين عيش وسلامة ملايين السكان".