كيف أثار يوسف إدريس غضب محمد نجيب بسبب السودانيين.. ولماذا لجأ إلى عبد الناصر لإنقاذه؟
فى جريدة المصرى عام 1953 نشر الأديب يوسف إدريس قصته "الهجانة"، وأعاد نشرها ضمن مجموعته القصصية "أرخص ليالى" فى وقت كان فيه اللواء محمد نجيب هو رئيس الدولة الرسمى الذى اشتد غضبا عندما قرأ الهجانة حيث رأى فيها تهكما وتنديدا غير مبرر وإساءة لا تغتفر لأبناء جنوب الوادى من السودانيين الذين كانت تتكون منهم عساكر الهجانة حيث قدمتهم القصة قصاة القلوب.
ولم يغضب اللواء نجيب وحده بل غضب أيضا مواطنون سودانيون رأوا فى الرواية تجريحا لهم، تصور القصة كتيبة من جنود الهجانة تسطو على قرية وتعيث فيها الفساد، وبسبب هذه القصة أصبح مؤلفها مهددا بالاعتقال.
عبد الناصر يقبل الدفاع
نصح الصحفى مرسى الشافعى رئيس تحرير "المصرى" يوسف إدريس بأن يقابل عبد الناصر شخصيا لكى يدافع عن نفسه، وبالفعل استمع عبد الناصر إلى تبرير يوسف إدريس للهجانة فى روايته.
يقول يوسف إدريس عن هذا اللقاء: اكتشفت أن عبد الناصر وهو ثاقب النظرات هو الرجل القوى فى السلطة ومن هنا اقتنع بدفاعه وترك نجيب بعدها السلطة وانتهى الأمر.
رحلة إلى السودان
وفى أواخر السبعينيات ورغم مرور أكثر من عشرين سنة إلا أن العداء لإدريس ما زال قائما من السودانيين، وحدث أن سافر إدريس لأول مرة ضمن وفد أدبى إلى السودان بصحبة عبد الرحمن الأبنودى، وكان الصحفى هبة عنايت مقيما فى السودان ويرأس تحرير جريدة الوادى هناك وكان مرافقا للوفد المصرى فى كل تحركاته.
ولما كان الرئيس السودانى جعفر النميرى خارج البلاد فى ذلك الوقت فلم يحتف بيوسف كما يجب، وهناك ادعى يوسف أن أصله سودانى وأن جده اسمه إدريس حتى يكسب ودهم بالرغم من وجهه الأبيض وعينيه الزرقاوين.
ذكريات الأبنودي
وكما حكى الشاعر عبد الرحمن الأبنودى ذكرياته عن تلك الرحلة فيقول: أنا كنت معروفا فى السودان فى ذلك الوقت وكانوا يقدموننى فى الاحتفالات بقولهم "الشاعر الذى ضل طريقه إلى القاهرة"، ودعانى مركز الفنون الشعبية السودانى لإلقاء محاضرة عن سيرة بنى هلال وعرض عنايت على إدريس أن يحضر معنا وبالفعل ذهبنا إلى المحاضرة.
وبينما كنت أتحدث فى أمور السيرة إلى أن جاء الجزء الخاص بمسرح الشخص الواحد فعلق يوسف قائلا: إننى مذهول بأن أجد صديقى الأبنودى الذى أعرفه جيدا مجهولا بالنسبة لى إذ لم أكن أعرف أنه يملك كل هذا الوعى بأهالينا السودانيين وطرق تفكيرهم وصفق الجميع.
كرسى فى الكلوب
وأضاف الأبنودى: دعانا مدير مكتب النميرى "محجوب" على الغداء على أكلة تسمى شطة وهى عبارة عن قرون شطة صغيرة مطهية داخل قرون شطة كبيرة وخرجنا لا نرى الطريق من النار الخارجة من عيوننا ومن فروة رأسنا وذهبنا إلى أمسية بالجمعية الجغرافية وكان يوافق يوم المرأة العالمى، وبدأت ألقى قصائد لمهاجمة كامب ديفيد فطلب يوسف الكلمة حتى يكسب الشو وليته لم يتكلم.
قال: إنكم شعب شطة، رجالكم شطة ونساءكم شطة وهات يا نقد فى كامب ديفيد وفى القيادة المصرية فحضر رجال السفارة المصرية وتم القبض على يوسف وهو موجها كلامه لى "عملتها يا فالح" وأصر بعدها على ترك السودان.