رئيس التحرير
عصام كامل

سينما النيل.. «الأرض» أول الرافضين لتقليص المياه.. و«شيء من الخوف» قدمه في أبهى صوره

الأعمال الفنية محاورها معلومة معروفة وترتكز قصتها حول الأبطال أو الأشخاص المؤدين لأدوارهم فى الأعمال الفنية، ولكن العامل المكانى لو أوتى حقه لوجب تصدر اسمه الأفيش الدعائى والبوستر الرسمى فى العمل الفنى، ومن أبرز العوامل المكانية التى كان ظهورها نقلة نوعية ومحورية فى الأحداث وصاحبة الدلالات الجوهرية فى العمل الفنية كان نهر النيل، الذى تسابقت الكاميرات السينمائية والتليفزيونية لالتقاط الكادرات التى تصوره وتقدم الحياة داخله وفى أعماقه وعلى ضفافه بكل تفاصيلها، وكذا الشعراء والملحنين للتغنى به.
فمثلما يعد نهر النيل شريانًا للحياة وهبة مصر على مر السنين كان على الشاشة الفضية والشاشة الصغيرة صاحب حضور طاغ، فخرج كثير من الأعمال السينمائية والتليفزيونية قصصها وأحداثها مستوحاة منه، ومرتبطة به، من الخماسية الخالدة والرئيسية للنيل من «مياه - أرض – فلاح – فيضان – زرع»، حتى القصص الأسطورية القديمة والموروث الثقافى كان متواجدًا بداية من عروس النيل حتى النداهة.

أغاني كوكب الشرق للنيل
لم يكن النيل متواجدًا فى الأعمال الفنية فقط من خلال المشاهد التمثيلية سواء سينمائيًا أو دراميًا، ولكن الصعيد الغنائى نال نصيبه منه، فقد تغنت له كوكب الشرق أم كلثوم، بإحدى روائعها الغنائية التى حملت اسم «النيل»، من شعر أحمد شوقى وقام بتلحينها الموسيقار رياض السنباطى وتقول كلماتها: (من أي عهد فى القرى تتدفق وبأى كف فى المدائن تغدق)، والأغنية من نوعية القصائد الطويلة التى غنتها كوكب الشرق فى احتفالات النيل التى كانت تقام كل عام وخلال القصيدة تحدث أمير الشعراء عن جمال النيل وأهميته للمصريين، وأنه ليس فقط مجرد نهر يشق قلب مصر، بل هو شريان حياة كما غنت كوكب الشرق للنيل فى أكثر من موقف، إذ كانت لها أكثر من أغنية، منها: (سلاما شباب النيل) للشاعر إبراهيم ناجى.
النيل نجاشي
ومن كوكب الشرق لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذى تغنى هو الآخر بالنيل، من خلال أغنيته الشهيرة «النيل نجاشي»، والتى تعد من أجمل ما قدم للنيل، من كلمات أمير الشعراء أحمد شوقى وتقول كلماتها: (النيل نجاشي حليوة أسمر عجب للونه دهب ومرمر.. أرغوله في إيده).
ومن الأغانى والألحان للأعمال السينمائية التى كانت صاحبة النصيب الأكبر والأبرز فى إبراز قيمة النيل من خلال دوره كعامل مكانى سواء من إضفاء شموخه على شخصية البطل أو من خلال دوره كمغير محورى وأساسى للأحداث.
فيلم ابن النيل
فيلم ابن النيل للمخرج يوسف شاهين الذى أنتج عام 1951، من أشهر الأفلام الروائية التى استخدمت اسم (النيل) والفيلم قام ببطولته شكرى سرحان وفاتن حمامة ويحيى شاهين، وتدور قصته حول شاب ريفى متذمر على حياة الريف يترك زوجته وابنه وينتقل إلى القاهرة حيث يقع فريسة لعصابة المخدرات الأمر الذى يؤدى به إلى دخول السجن وبعدما يقضى عقوبته يقرر العودة إلى قريته وعند عودته يشاهد فيضان النيل وهو يكاد يغرق (ابنه) فيقوم بإنقاذه، حيث اعتبر هذا الفيلم من أشهر الأفلام التى صورت الفيضان، وكيف كان يغمر القرى قبل بناء السد العالى.

فيلم بداية ونهاية
وكما كان النيل دائما مستخدم كرمزية الشقاء والخير وتعبيرا عن طبقة الكادحين، إلا أن الأديب الراحل نجيب محفوظ والمخرج صلاح أبو سيف استطاعا تقديم رمزية النيل بصورة واضحة من خلال فيلم بداية ونهاية، ورغم ظهور النيل كضيف شرف فى مشهد انتحار سناء جميل بعد أن جلبت «العار» للأسرة بعلاقتها مع البقال، إلا أن تصوير النيل بالمخلص كانت رسالة واضحة فى الفيلم.

فيلم الأرض
ومن أبرز الأعمال التى كانت وستظل شاهدة على رمزية ورسالة وجود نهر النيل فى الأعمال الفنية كانت رائعة المخرج يوسف شاهين فى فيلم الأرض من خلال استخدامه ثلاثية «الفلاح والمياه والأرض» عام 1970 عن رواية الأديب عبد الرحمن الشرقاوى، وأبدع الفنان الراحل محمود المليجى فى تقديم شخصية محمد أبو سويلم أشهر فلاح عرفته السينما المصرية، المتشبث بالأرض المدافع عن حصته فى المياه التى تروى أرضه وتنبت زرعه، ورغم أن أحداث الفيلم تسبق وقتنا الحالى بأكثر من نصف قرن، فالعامل المشترك بين الفيلم وبين أزمة سد النهضة الإثيوبى كانت الدفاع عن الحصة والحق المائى، فخلال أحداث الفيلم يتزعم أبو سويلم الفلاحين فى ثورتهم على تقليل نوبات الرى من 5 إلى 3 مرات فقط مناصفة مع الإقطاعى محمود بك، ولتصبح كلمات أغنية الفيلم «الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا» هى الفيصل والعامل المشترك بين ما حدث فى السبعينات وبين الوضع الراهن.
فيلم «شيء من الخوف»
وقبل عام واحد من عرض فيلم الأرض، كانت السينمات تتزين بأفيش فيلم شيء من الخوف، والصورة الأبرز له من خلال شخصية فؤادة (التى قامت بدورها شادية)، معتلية الهاويس وتتحدى القوى الظالمة متمثلة فى شخصية عتريس (محمود مرسي)، وتقوم بفتح الهاويس لتنطلق المياه وسط شقوق أرض الدهاشنة العطشانة، وسط تهليل وفرحة الفلاحين بسريان مياه النيل فى أرضهم، فيلم شيء من الخوف، من إنتاج 1969 للمخرج حسين كمال وإنتاج الفنان الراحل صلاح ذو الفقار، وقصة الأديب ثروت أباظة، وبطولة شادية ومحمود مرسى ويحيى شاهين، وفيه يظهر تسلط «عتريس»، من خلال حرمان أهل القرية من المياه، فتفتح لهم «فؤادة» الهويس لتروى ظمأ أراضيهم بعد أن جفت وتشققت من العطش.

فيلم «صراع فى النيل»
ومن محرك لأحدث المسرح الذى تدور عليه القصة كان فيلم «صراع فى النيل» للمخرج عاطف سالم عن قصة على الزرقانى، وإنتاج 1959، من بطولة رشدى أباظة وعمر الشريف وهند رستم، فأكثر من 90% من كشاهد الفيلم صورت وسط النيل على سطح أحد المراكب الشراعية، وخلال الفيلم يظهر تعلق أهل القرية بالكامل لتطوير مراكبهم لتحصيل مصدر رزقهم الذى لا ينضب من خلال الإبحار فى نهر النيل، وعلى سطح المركب وسط النيل تبرز وتتداخل عناصر الصراع البشرى بالإثارة والجريمة والتشويق، تعكس الأحداث التى تنطلق من الأقصر فى جنوب مصر حتى أعالى النيل فى وجه بحرى، متجهين إلى المدينة من أجل بيع المركب الشراعية واسبتدالها بمركب تعمل بالموتور «صندل» جديد للصيد يدر عليهم الرزق الوفير.

فيلم النداهة
ومن النيل باسمه وطبيعته لرمزيته وما يحمله من موروث ثقافى من خلال المخرج حسين كمال الذى استوحى فيلمه «النداهة» 1976 عن قصة يوسف إدريس، والنداهة هى إحدى المصطلحات والموروثات القديمة المرتبطة بالقرى التى يشقها النيل أو إحدى فروعه من ترع وبحيرات، وفى يشبه المدينة بالنداهة فكلاهما تجذب المندوه بعيدًا عن أصله وموطنه، من خلال شخصية حامد (شكرى سرحان)، الذى يهجر القرية مصطحبًا زوجته الريفية البسيطة فتحية (ماجدة)، ويعمل «بوابا» لأحد العقارات بالقاهرة، وتتوالى الأحداث إلى أن يتم اغتصاب زوجته من قبل أحد السكان (إيهاب نافع).
فيلم «عروس النيل»
وأسطورة أخرى للنيل كانت حاضرة من خلال الفيلم الشهير «عروس النيل»، والذي تناول الأسطورة الفرعونية من خلال مشاهد إعداد «هاميس» لإلقائها فى النهر كقربان باعتبارها آخر عروس نيل، وخلال العمل الذى قام ببطولته رشدى أباظة ولبنى عبد العزيز، استطاع المخرج فطين عبد الوهاب والمؤلف فايق إسماعيل، من إبراز الغرض من وجود رسالة أسطورة النيل فى إبراز الحب الفطرى للنهر وما أفرزه من جمال وتاريخ، يدفع عالم الآثار لمحاولة منع مهندس البترول سامى (رشدى أباظة) أو كما يحب أن يناديه «بتاع الجاز» كما لقبته «هاميس» من استمرار أعمال التنقيب فى الأقصر حماية للمناطق الأثرية التى تضم مومياء آخر عروس نيل (لبنى عبد العزيز).
النيل ضيف شرف
ورغم التراجع الفنى الذى يتخذ من النيل ورموزه مجريا للأحدث، إلا من خلال ظهور ضمنى أو كما يقال فنيا ضيف شرف فى العمل من خلال بعض الأعمال مثل، فيلم «ثرثرة فوق النيل» للمخرج حسين كمال، و«العوامة 70» إخراج خيرى بشارة، والفيلمان دارت أحداثهما فى عوامة فى النيل، والتى كانت كاشفة خلال الأحداث عن الفساد فى المجتمع، وكذلك فى عام 1988 من خلال فيلم نهر الخوف، من بطولة محمود عبد العزيز، ودارت معظم أحداثه وسط النيل على سطح أتوبيس نهرى اختطفه اثنان من الشباب لتورطهما عن طريق الخطأ فى جريمة اغتصاب.
مسلسل موسى
وكان آخر الأعمال التى ظهر فيها النيل كضيف شرف ولكن برسائل ورمزية ومدلول فنى، مسلسل موسى، الذى شارك به الفنان محمد رمضان فى ماراثون دراما رمضان الماضى 2021، وخلال إحدى حلقات المسلسل تظهر الأهرامات فى المسلسل بعد نجاة "موسى" ووالدته من فيضان النيل الذى أهلك قرية مصاغة وكان موسى على ظهر مركب برفقة الناجين فى طريقه إلى مصر فيما يعرف وقتها بالتهجير، وظهرت الصورة الأشهر للأهرامات بعد الفيضان، ولم تكن وقتها قد شغلت بالبيوت أو الزراعة.

وفيه تظهر رمزية البداية الجديدة لـ"موسى" وأهالي الصعيد بعد الفيضان ونزوحهم إلى القاهرة والوجه البحرى، واستمرارا لوثيقة الارتباط بالنيل يختار "موسى" ووالدته الاستقرار على ضفاف نهر النيل أمام الأهرامات مباشرة، والرسالة فى ذلك تعبيرًا عن عظمة الأهرامات مقترن ظهورها بالنيل وتاريخها، كذا تلبية لرغبة والدته بعدم الابتعاد أن أجواء بيئتها القديمة القريبة من النيل، ومن السكن للرزق الذى كان النيل مصدره، فتمكن موسى من الحصول على عمل بعدما التقى مجموعة من الفلاحين فى مثل ظروفه ويعمل بأحد منازل الأثرياء الفرنسيين فى زمن الاحتلال الفرنسى لمصر أربعينيات القرن الماضى حيث كانت المناطق المحيطة بنهر النيل يسكنها الأثرياء فقط من المحتلين.

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية