سيناريوهات حروب المياه.. دراسات حديثة: صراعات عنيفة على المياه خلال القرن المقبل
يمتد نهر النيل بطول 6600 كيلومتر من منبعه إلى مصباته ليغطى مساحة تبلغ ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، أي 10% من مساحة قارة أفريقيا ويمر فى عشر دول وهم: بوروندى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا وأوغندا ورواندا وجنوب السودان وتنزانيا وإثيوبيا والسودان ومصر، وتشكل مياهه موردا مهما لنحو 500 مليون شخص يعيشون على ضفافه، ولا تعتمد أي دولة على النيل مثلما تعتمد عليه مصر التى يوفر لها النهر حتى الآن 97% من احتياجاتها من المياه.
ونشأ نهر النيل بتكوينه ومساره الحالي قبل نحو 6 ملايين سنة مضت، وصل إليه النيل بعد سلسلة طويلة من التغيرات استغرقت عمر نهر النيل نفسه، وقد حفر النيل مجراه بعد أن جف حوض البحر الأبيض المتوسط، ثم تحول الحوض إلى صحراء منذ 6 ملايين سنة عندما أغلق مضيق جبل طارق، والذى يربط البحر المتوسط بالمحيط الأطلنطى، وتراوح عمق البحر المتوسط الجاف بين ثلاثة وأربعة كيلومترات، مما دفع الأنهار القليلة التى كانت تصب فيه إلى أن تعمق مجراها إلى هذا العمق، ومرت فترة طويلة قبل أن يتصل النهر المصرى بأفريقيا الاستوائية منذ نحو 800 ألف سنة، حيث وصل النهر من أفريقيا والذى يسمى نهر ما قبل النيل والذى كان ينبع من منطقة منابع النيل الحديثة التى تغيرت تضاريسها لتقارب شكلها الحديث.
ومنذ نحو 10 آلاف سنة زادت الأمطار على الهضبة الإثيوبية بل ومنطقة الساحل الأفريقى الشرقى كلها، كما امتدت جبهة المطر شمالًا حتى غطت شمال السودان وجنوب مصر، وظلت تلك المناطق مطيرة لمدة 4500 سنة، وبوصول المياه بغزارة من المرتفعات الإثيوبية وهضبة البحيرات ولد النيل الحديث الذى أصبح مستديمًا بعد أن كان فصليًا.
ومع توالى السنوات أصبحت رغبة إثيوبيا فى السيطرة على مياه النيل المتدفقة لمصر والسودان، عاملا رئيسيا لتأجيج التوتر وإثارة الخلافات، باعتماد سياسة التعنت وفرض الأمر الواقع من خلال عملية الملء الأولى والثانية التى بدأت مؤخرًا دون التوصل لاتفاق ملزم، لتزيد من حالة الاحتقان، فى ظل تنبؤات بنشوب توترات ونزاعات شديدة فى المستقبل على مياه الشرب. وفى دراسة لمركز الأبحاث المشترك التابع لمفوضية الأوروبية، نشرته مجلة « Global Environmental Change» كشف الباحثون المناطق التى من المرجح أن يندلع فيها الصراع العالمى فى المستقبل نتيجة نقص المياه الذى يغذيه التغير المناخى، ويعتقد الباحثون أن المناطق المعرضة للخطر قد تواجه مشكلات مائية - صحية بسبب نقص المياه فى غضون الـ50 إلى 100 عام القادمة، واستخدم فريق من العلماء تقنية جديدة للتعلم الآلي لتحديد الظروف المسبقة والعوامل التى قد تؤدى إلى استنفاد موارد المياه فى مناطق معينة، خاصة تلك التى تحتوى على مصادر مياه مشتركة مع الدول المجاورة.
وأكد الباحثون أن العاملين المسيطرين اللذين يقودان إلى القضايا المائية -السياسية هما تغير المناخ وزيادة الكثافة السكانية، وفى حين أن ندرة المياه ليست الدافع الوحيد للحرب، فهى مساهم رئيس فى ذلك، وأوضح الباحثون أن التنافس على الموارد المائية المحدودة هو أحد الشواغل الرئيسية فى العقود القادمة.
وذكر الباحثون المشاركون فى الدراسة أنه على الرغم من أن قضايا المياه وحدها لم تكن السبب الوحيد للحرب فى الماضى، إلا أن التوترات بشأن إدارة المياه العذبة واستخدامها، تمثل إحدى القضايا الرئيسية فى العلاقات السياسية بين الدول المطلة على الأنهار، وقد تؤدى إلى تفاقم التوترات القائمة، وتزيد من عدم الاستقرار الإقليمى والاضطرابات الاجتماعى، فيما تركز نطاق الدراسة على شقين، الأول: تسليط الضوء على العوامل التى تؤدى إما إلى التعاون السياسى أو التوترات فى أحواض الأنهار العابرة للحدود، وكذلك رسم ومراقبة احتمالية حدوث هذه الأنواع من التفاعلات فى المكان والزمان وتحت الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة، واستخدم الباحثون خوارزمية للنظر فى الحلقات السابقة من الصراع والتعاون المرتبط بالموارد المائية العابرة للحدود، ثم درسوا الروابط بين المياه العذبة والضغط على المناخ، والضغط البشرى على الموارد المائية والظروف الاجتماعية والاقتصادية، ثم استخدمت هذه البيانات للتنبؤ بالمكان الذى ستحدث فيه التفاعلات المتعلقة بالمياه، سواء كانت جيدة أو سيئة.
وحدد الباحثون 5 نقاط بؤر أساسية، بما فيها نهر النيل ونهر الغانج- براهمابوترا، ونهر السند، ودجلة والفرات، وكولورادو، وكلها مناطق بها أحواض مملوءة بالفعل بالمياه، ومن المرجح أن تؤدى الظروف الديمغرافية والمناخية المستقبلية إلى مزيد من الضغط على الموارد المائية الشحيحة، وأوضح الباحثون أنه فى الوقت الذى يصعب فيه الوصول إلى المياه، من المتوقع أن يزيد التنافس بين البلدان على المياه، ويعتقد العلماء أن آثار تغير المناخ والنمو السكانى يمكن أن تزيد من احتمال حدوث نزاعات مرتبطة بالمياه بنسب تتراوح بين 75% و95% خلال الـ 50 إلى 100 عام المقبلة، ومع ذلك، لن تكون كل نقطة ساخنة لنقص المياه مليئة بالصراعات، ولكن الدراسة أشارت إلى أن هذا لا يعنى أن كل حالة ستؤدى إلى صراع، فالأمر يعتمد على مدى استعداد البلدان وجاهزيتها للتعاون، واختتم الباحثون أنهم يأملون فى أن تزيد نتائج دراستهم من الوعى بالمخاطر حتى يمكن البحث عن الحلول فى وقت مبكر.