رئيس التحرير
عصام كامل

يا رايحين القبَّة .. سلامى للأحبَّة


دعوت أمس في صلاتي، وفي نفس هذه المساحة الكتابية أن يخطب الرئيس السابق محمد مرسي في الشعب المصري، ولا يهم مضمون الخطاب بقدر حدوثه بذاته، لأن الرجل يُجيد العمل على ازدياد معارضيه دون أن يدري فور كل خطاب، وها قد لبَّى الله تعالى دعوتي وخطب الرئيس في شعبه وتم المراد، وكأني بالبسطاء يزحفون الآن إلى ميادين المحروسة من كل فج وناحية.


ومسألة الرئيس السابق هي مسئوليتي ورؤيتي الشخصية في رئيس أفقدته أعماله شرعيته، وألبسته جماعته ثوباً فضفاضاً لا يصلح إلا لأكبر منه خبرة، وأقعده الحالمون من الناخبين على مقعد وثير ما كان يحلم به وعشيرته يوماً أو حتى يدور في خلد جماعته أو إمامهم المقتول حسن البنا! ودعك من محاولات ظهوره بمظهر الرئيس وفكرة الشرعية التي تغنى بهما في خطابيه الأخيرين، فالنظام سقط لا محالة، سواء قام الجيش بتصحيح المسار والإدارة المؤقتة للبلاد من عدمه، فما هي إلا مسألة وقت وسوف يتبوأ هذا المرسي قريباً وقيادات جماعته ومن والاهم من المنافقين والأنصار مكاناً قصياً في زنازين لا تختلف كثيراً عن مبارك وأعوانه المُفسدين، لأنهم ليسوا كسابقيهم فقط في إفساد الحياة السياسية المصرية، بل زادوا عليها في إفسادهم حياة المصريين الاجتماعية والدينية وزرعوا بذور الفرقة بين هذا الشعب الطيب المُسالم، إلى أجل يعلم الله مداه!

بدا الارتباك واضحاً على وجه الرجل أثناء الخطاب وفي حركات يديه، وكان القلق بازغاً من عينيه ومخارج حروفه وألفاظه، في أداء تمثيلي رائع يؤهله بعد قضاء مدة سجنه إلى تجربة مختلفة مع بعض شركات الإنتاج السينمائي، وربما يكون وقتها وزير ثقافته علاء عبدالعزيز هو مونتير الفيلم! وكان الرجل مصراً على أنه حامي الشرعية مثلما أصر في خطابه قبل الأخير على أنه الرئيس، في كادر يذكرني بالراحل الرائع أحمد طنطاوي في فيلم شيء من الخوف وهو يقول: "أنا عتريس .. أنا مصيبة".

كان الخطاب موجهاً إلى ثلاث فئات دون غيرها، فهو موجه في الأساس إلى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، استعطافاً لدعمهم واعتماداً على المواقف الأمريكية الأوروبية المسبقة من مؤازرة الشرعيات المنتخبة في دول العالم الثالث ضد الانقلابات العسكرية، فكان الخطاب يوحي بوجود شرعية الشارع مع الرجل وأن الجيش يريد انقلاباً عسكرياً، وهو ما يسعى لتصديره رجال الجماعة منذ أمس الأول في اتصالاتهم الخارجية وعلى حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، بإشارات نحو الشرعية والحصار الاقتصادي وخلافه.

ويدعّم ذلك الفئة الثانية التي توجه إليها بخطابه وهم عشيرته وأنصاره، إذ حوى الخطاب إشارات خفية وكلمات سرية لتحركهم وانتشارهم في شوارع مصر، ليس أبرع في إيصال تلك التعليمات والإشارات من خطاب عام يُذاع على الهواء مباشرة في كل المحطات الفضائية! أما الفئة الثالثة فهي عوام الشعب من البسطاء الذين يميلون بطبيعتهم وبحكم التكوين المصري إلى العاطفة الدينية والطيبة السمحة.

لكن هناك روح جديدة أولدها الظلم والاستعلاء والاستقواء في هذا الشعب، وبدأت الجموع في النزول بكثافة، ولولا ظروفي المَرضيَة وفترات النقاهة الجراحية لكنت معهم الآن، خصوصاً وهم يزحفون إلى مناطق الذكريات العميقة في حدائق القبة وقصرها، فقلبي يتعلق معهم وبهم، ولكنني أختلس المحاولة تلو الأخرى للخروج من أحوالي إلى ميدان التحرير. فيا رايحين القبَّة ... سلامي لقلبي والأحبَّة ...
Poetgomaa@gmail.com
الجريدة الرسمية