حوار مع صديقي المتشائم
سألني صديقي التشائم والمهموم دوماً بقضايا الوطن، عن السر وراء حالة الثقة والتفائل التى تظهر
عليها القيادة السياسية في مصر خلال تعاملها مع قضية سد النهضة، على عكس حالة
القلق والانزعاج التي تنتاب الشعب من التبعات التي قد ينتهي إليها الملف.
فقلت له: لا أعتقد يا صديقي أن هناك صحفيا يمتلك من المعلومات أكثر مما هو معلن، غير أن للسياسة دائما وجهان، إحداهما معلن ويحوى فى الغالب حديثا مغلفا بالدبلوماسية للاستهلاك الإعلامى، والآخر خفى ولا يعلم ما يدور بداخله من أحداث وقرارات سوى الدائرة الضيقة لصناع القرار، ولاسيما إذا ما كان الأمر يتعلق بقضايا تمس الأمن القومى مثل سد النهضة، أي أن القياده السياسية بالتأكيد لديها من المعلومات ما يجعلها تتفائل.
قال: ولكن ما يبدو من تطورات الأحداث حتى أيام قليلة، أن مصر لا تمتلك سوى استجداء العالم للضغط على إثيوبيا لوقف الملء الثاني والعودة لطاولة المفاوضات، في حين تسير إثيوبيا فى طريقها دون أدنى اعتبار لمصر والسودان، وهو ما يزيد من قلق المصريين.
قلت: لا تعتقد يا صديقي أن دولة بحجم مصر من الممكن أن تترك أمرا بمثل هذه الحساسية للصدفة، لان مقتضيات الأمن القومى فى مثل هذه القضايا تحتم وجود سيناريوهات عديدة، يتناسب كل منها وطبيعة وتطورات الأحداث، تحت تصرف صانع القرار، غير أنه من الصعب الكشف عن ذلك لمجرد إرضاء الفتوجية ومروجي الشائعات.
حقيقة الملء الثاني
قال: وما جدوى ذلك وقد أعلنت إثيوبيا رسميا الانتهاء من الملء الثانى؟
قلت: لم يحدث، ولو تدبرت البيان الإثيوبي جيدا لوجدته مليء بالتناقضات ولا يعكس الحقيقة، حيث كان من المفترض أن تحتجز أديس أبابا 13.5 مليار متر مكعب من المياه فى الملء الثانى ورفع اجمالى كمية المياه الموجودة بالسد إلى 18،5 مليار متر مكعب، غير أن ذلك لم يتم، بعد أن فشلت إثيوبيا فى تعلية الممر الأوسط من 30 إلى 8 أمتار فقط، وتوقف ارتفاع الممر عند 574 مترا، بدلا من 595 مترا، وهو ما لم يمكن إثيوبيا من تخزين سوى 3 مليارات متر مكعب فقط، أي أن كمية المياه الموجودة الآن بالسد لا تزيد عن 8 مليار متر مكعب، منها 5 مليارات تم احتجازها بالملء الأول.
قال: يا صديقي الفشل الإثيوبي في التعبئة لم يأتي استجابة للمطالب المصرية، ولكن لغزازة الأمطار وارتفاع منسوب الفيضان، الذي جعلهم يتوقفون جبرا عن أعمال التعليه، كما أن كمية المياه المحتجزة منحت السد حصانة، ومنح إثيوبيا قوة فى كل المفاوضات المستقبلية.
قلت: غير صحيح على الإطلاق، لأن كمية المياه المحتجزة حتى الآن لا تمنح حصانة للسد، ومازالت مصر تمتلك من السيناريوهات ما يمكنها من تحجيم عمله بمجرد تعطيل عمل السد الجانبى، الذى سيحرم إثيوبيا من تخزين أي كميات إضافية من المياه خلال السنوات القادمة، وتقليص مخزون السد عند 14.5 فقط وليس 58 مليار متر مكعب التى تعتزم إثيوبيا تخزينها خلال سنوات الملء.
دعم إثيوبيا
قال: يا صديقي انت تتحدث وكأننا نتحكم في زمام الأمور، وتغفل الموقف المتعنت لإثيوبيا التى عادت وأعلنت منذ أيام انها لن توقع على اتفاق ملزم، تحت دعوى انه لا يوجد فى العالم اتفاقات بمثل هذا الشكل، وفى الوقت الذي اتضح جليا أنها تحظى بدعم خفى من قوى دولية كبرى.
قلت: للأسف ما تتحدث عنه بشأن الموقف الإثيوبي حقيقة، وأعاد المتحدث بإسم الحكومة الإثيوبية التأكيد على ذلك منذ أيام، كما أن إثيوبيا تتمتع بالفعل بمساندة من قوى وكيانات اقتصادية دولية كبرى لم يرد ذكرها فى وسائل الإعلام، وقد ورد ذلك مؤخرا أيضا لسان احد أعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكي.
غير أن الكارثة الأكبر من وجهة نظري، تكمن في ترك مجلس الأمن لإثيوبيا تسير في عملية الملء الثانى والاضرار بدولتي المصب، رغم علم كل الدول دائمة العضوية بأن إثيوبيا لن تستفيد بما تم تخزينه من مياه فى الملء الأول والثانى فى توليد الكهرباء في الوقت الحالي، لانها باختصار لم تتمكن حتى الآن من تركيب التوربينات، ولم تنشىء شبكات للضغط العالي أو لنقل الكهرباء داخل أو خارج إثيوبيا.
قال: وهل يحق لنا التفائل بعد كل ما هذه الحقائق يا صديقي؟
قلت: ولما لا يا صديقي وانت تعلم أن صناع القرار -الذين تبدى عجبا من تفائلهم- يمتلكون من المعلومات ما ليس بأيدينا، مما يمنحهم الحق دون غيرهم في تحديد وقت وطريقة الرد والدفاع عن أمن مصر القومي، ودعنا لا نتعجل وننتظر ما ستسفر عنه الأحداث في الأيام القادمة.. وكفى.
فقلت له: لا أعتقد يا صديقي أن هناك صحفيا يمتلك من المعلومات أكثر مما هو معلن، غير أن للسياسة دائما وجهان، إحداهما معلن ويحوى فى الغالب حديثا مغلفا بالدبلوماسية للاستهلاك الإعلامى، والآخر خفى ولا يعلم ما يدور بداخله من أحداث وقرارات سوى الدائرة الضيقة لصناع القرار، ولاسيما إذا ما كان الأمر يتعلق بقضايا تمس الأمن القومى مثل سد النهضة، أي أن القياده السياسية بالتأكيد لديها من المعلومات ما يجعلها تتفائل.
قال: ولكن ما يبدو من تطورات الأحداث حتى أيام قليلة، أن مصر لا تمتلك سوى استجداء العالم للضغط على إثيوبيا لوقف الملء الثاني والعودة لطاولة المفاوضات، في حين تسير إثيوبيا فى طريقها دون أدنى اعتبار لمصر والسودان، وهو ما يزيد من قلق المصريين.
قلت: لا تعتقد يا صديقي أن دولة بحجم مصر من الممكن أن تترك أمرا بمثل هذه الحساسية للصدفة، لان مقتضيات الأمن القومى فى مثل هذه القضايا تحتم وجود سيناريوهات عديدة، يتناسب كل منها وطبيعة وتطورات الأحداث، تحت تصرف صانع القرار، غير أنه من الصعب الكشف عن ذلك لمجرد إرضاء الفتوجية ومروجي الشائعات.
حقيقة الملء الثاني
قال: وما جدوى ذلك وقد أعلنت إثيوبيا رسميا الانتهاء من الملء الثانى؟
قلت: لم يحدث، ولو تدبرت البيان الإثيوبي جيدا لوجدته مليء بالتناقضات ولا يعكس الحقيقة، حيث كان من المفترض أن تحتجز أديس أبابا 13.5 مليار متر مكعب من المياه فى الملء الثانى ورفع اجمالى كمية المياه الموجودة بالسد إلى 18،5 مليار متر مكعب، غير أن ذلك لم يتم، بعد أن فشلت إثيوبيا فى تعلية الممر الأوسط من 30 إلى 8 أمتار فقط، وتوقف ارتفاع الممر عند 574 مترا، بدلا من 595 مترا، وهو ما لم يمكن إثيوبيا من تخزين سوى 3 مليارات متر مكعب فقط، أي أن كمية المياه الموجودة الآن بالسد لا تزيد عن 8 مليار متر مكعب، منها 5 مليارات تم احتجازها بالملء الأول.
قال: يا صديقي الفشل الإثيوبي في التعبئة لم يأتي استجابة للمطالب المصرية، ولكن لغزازة الأمطار وارتفاع منسوب الفيضان، الذي جعلهم يتوقفون جبرا عن أعمال التعليه، كما أن كمية المياه المحتجزة منحت السد حصانة، ومنح إثيوبيا قوة فى كل المفاوضات المستقبلية.
قلت: غير صحيح على الإطلاق، لأن كمية المياه المحتجزة حتى الآن لا تمنح حصانة للسد، ومازالت مصر تمتلك من السيناريوهات ما يمكنها من تحجيم عمله بمجرد تعطيل عمل السد الجانبى، الذى سيحرم إثيوبيا من تخزين أي كميات إضافية من المياه خلال السنوات القادمة، وتقليص مخزون السد عند 14.5 فقط وليس 58 مليار متر مكعب التى تعتزم إثيوبيا تخزينها خلال سنوات الملء.
دعم إثيوبيا
قال: يا صديقي انت تتحدث وكأننا نتحكم في زمام الأمور، وتغفل الموقف المتعنت لإثيوبيا التى عادت وأعلنت منذ أيام انها لن توقع على اتفاق ملزم، تحت دعوى انه لا يوجد فى العالم اتفاقات بمثل هذا الشكل، وفى الوقت الذي اتضح جليا أنها تحظى بدعم خفى من قوى دولية كبرى.
قلت: للأسف ما تتحدث عنه بشأن الموقف الإثيوبي حقيقة، وأعاد المتحدث بإسم الحكومة الإثيوبية التأكيد على ذلك منذ أيام، كما أن إثيوبيا تتمتع بالفعل بمساندة من قوى وكيانات اقتصادية دولية كبرى لم يرد ذكرها فى وسائل الإعلام، وقد ورد ذلك مؤخرا أيضا لسان احد أعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكي.
غير أن الكارثة الأكبر من وجهة نظري، تكمن في ترك مجلس الأمن لإثيوبيا تسير في عملية الملء الثانى والاضرار بدولتي المصب، رغم علم كل الدول دائمة العضوية بأن إثيوبيا لن تستفيد بما تم تخزينه من مياه فى الملء الأول والثانى فى توليد الكهرباء في الوقت الحالي، لانها باختصار لم تتمكن حتى الآن من تركيب التوربينات، ولم تنشىء شبكات للضغط العالي أو لنقل الكهرباء داخل أو خارج إثيوبيا.
قال: وهل يحق لنا التفائل بعد كل ما هذه الحقائق يا صديقي؟
قلت: ولما لا يا صديقي وانت تعلم أن صناع القرار -الذين تبدى عجبا من تفائلهم- يمتلكون من المعلومات ما ليس بأيدينا، مما يمنحهم الحق دون غيرهم في تحديد وقت وطريقة الرد والدفاع عن أمن مصر القومي، ودعنا لا نتعجل وننتظر ما ستسفر عنه الأحداث في الأيام القادمة.. وكفى.
