كيفية الاستغفار للوالدين بعد الموت
إنّ فضل الوالدَين وعطاءهما عظيمٌ لا شكّ فيه، لِذا كان ذلك مَدعاةً لِبرّهما، والإحسان إليهما، وقضاء حقوقهما التي من أعظمها الاستغفار لهما،[١] وهو ما يكون بقول: اللّهم اغفر لأبي وأمي، وبقول: ربّ اغفر لي ولِوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
وهو دعاء نبي الله إبراهيم -عليه السلام- في قوله -تعالى-: (رَبِّ اجعَلني مُقيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتي رَبَّنا وَتَقَبَّل دُعاءِ* رَبَّنَا اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنينَ يَومَ يَقومُ الحِسابُ).
فرغم معرفته بعدم إيمان أبيه؛ إلّا أنّه كان يدعو له بالمغفرة وإن كانت حكمة الله -تعالى- تقتضي عدم الإجابة، ويكون الاستغفار لهما أيضاً بقول دعاء نبي الله نوح -عليه السلام- الذي أشار إليه القرآن الكريم بقوله -تعالى-: (رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا).
وقد أشار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الفضل العظيم الذي يناله الوالدان باستغفار ولدهما لهما وذلك بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إن اللهَ عز وجل لَيَرْفَعُ الدرجةَ للعبدِ الصالحِ في الجنةِ، فيقولُ: يا رَبِّ، أَنَّى لي هذه؟! فيقولُ: باستغفارِ وَلَدِكَ لك).
فضل برّ الوالدين
أوْلى الإسلام الوالدَيْن اهتماماً عظيماً، فقد جعل برّهما والإحسان إليهما أحد الأمور العظيمة التي حرص على الدعوة إليها والحثّ عليها في العديد من النصوص الشرعية، كقوله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
ويظهر من ذلك المكانة العظيمة التي منحها الإسلام لهما، فقد جاء أمر الله -تعالى- ببرّهما والإحسان إليهما والسعي لِنيل رضاهما بعد أمره -سبحانه- بالإيمان به وإفراده بالعبادة وطلب مرضاته، فكان ذلك مَدعاة للمسلم بأن يحرص على برّه لِوالدَيه والإحسان إليهما حتى يكون ذلك من أبرز صفاته وأخلاقه.
ولا بدّ من الإشارة إلى الفضائل التي ينالها المسلم ببرّه لِوالديه والإحسان إليهما، ومنها ما يأتي:
برّ الوالدَين والإحسان إليهما سببٌ في دخول الجنّة، وذلك لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ).
برّ الوالدَين والإحسان إليهما أحد أبواب الجنّة، وذلك لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنَّ شئتَ فأضِع ذلك البابَ أو احفَظْه).
برّ الوالدَين والإحسان إليهما سببٌ في العمر الطويل والبركة فيه، والرزق الواسع، وذلك لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:(مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)، ولا شكّ بأنّ أفضل صلة الرحم برّ الوالدَين والإحسان إليهما.
صور برّ الوالدين بعد وفاتهما
عظّم الله -تعالى- حقّ الوالدَين ببرّهما والإحسان إليهما، وممّا يُظهر ذلك أنّه جعل برّهما مستمراً بعد وفاتهما، لِذا فمَن أضاع فضل البرّ بوالديه حال حياتهما؛ فقد منحه الله -تعالى- فرصةً لتعويض ذلك بعد وفاتهما، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ أَبَرَّ البِرِّ صِلَةُ الوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ) وهناك العديد من صور برّ الوالدَين والإحسان إليهما بعد وفاتهما منها ما يأتي:
الدعاء لِلوالدَين، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ) إلى أن قال: (أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)
إنفاذ وصيّة الوالدَين حال وجودها في الثّلث منها أو أقل، وذلك واجب، على أن يتمّ ذلك قبل الدفن، وأمّا الاستعجال في تنفيذها فله حكمان: أوّلهما الوجوب؛ وذلك في حال كون الوصيّة في أمرٍ واجب، عندها يجب الاستعجال لِإبراء ذمّة الوالدين، وثانيهما الاستحباب؛ وذلك في حال كون الوصية في أمرٍ تطوعيّ، ويُستحب الاستعجال في تنفيذ ما يعود عليهما بالأجر والثواب.
صيام الفرض من شهر رمضان الذي لم يتمكّن الوالدان من أدائه قضاءً عنهما، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن مَاتَ وعليه صِيَامٌ صَامَ عنْه ولِيُّهُ).
صلة أقارب وأصحاب الوالدَين، وقد دلّ على صلة أقاربهما قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن أحَبَّ أنْ يصِلَ أباه في قبرِه فلْيصِلْ إخوانَ أبيه بعدَه)،[٢٠] ودلّ على صلة أصحابهما قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ أَبَرَّ البِرِّ صِلَةُ الوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ).
التّصدّق عن الوالدَين، وذلك لِما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (أنَّ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهو غَائِبٌ عَنْهَا، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شيءٌ إنْ تَصَدَّقْتُ به عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فإنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا).
الوفاء بديون الوالدَين وقضاؤها عنهما، وذلك لِأنّ الدَّيْن يبقى مُعلّقاً بالنفس حتى يُؤدّى عنها، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (نفس المؤمن مُعَلّقة بدَيْنِه حتى يُقْضى عنه).
الوفاء بنذور وكفّارات الوالدَين وقضاؤها عنهما، ككفارة القتل، وكفارة اليمين، أمّا الوفاء بنذرهما فيكون في كل ما يمكن فعله نيابةً عنهما؛ كنذر الصيام، أو الحجّ، أو العمرة، وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (أنَّ امرأةً رَكِبتِ البَحرَ فنذرَت، إنِ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى أنجاها أن تَصومَ شَهْرًا، فأنجاها اللَّهُ عزَّ وجلَّ، فلَم تَصُمْ حتَّى ماتَت، فجاءَتْ قَرابةٌ لَها إمَّا أُختَها أو ابنتَها إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فذَكَرَت ذلِكَ لهُ، فقالَ: أرأيتَكِ لَو كانَ علَيها دَينٌ كُنتِ تَقضينَهُ؟ قالَت: نعَم. قال: فدَينُ اللَّهِ أحقُّ أن يُقضَى)، ولا شكّ بأنّ قضاء الكفارات عن الوالدّين من قضاء دَين الله عنهما.