أنقذ «رقاب الثوار» من «مقصلة الملك».. أحمد أبو الفتح «صديق الثائر جمال.. عدو الرئيس عبد الناصر»
مفارقة غريبة حكمت العلاقة بين الرئيس
جمال عبد الناصر، والصحفي الراحل أحمد أبو الفتح، مقارفة عنوانها «الصداقة الكاملة
والعداوة المكتملة»، فـ«أبو الفتح»، الذي كان يتولى رئاسة صحيفة «المصري» في
الأسابيع الأخيرة التي سبقت ثورة 23 يوليو 1952، عرف من مصادره فى قصر عابدين، أن
الملك فاروق وصلته قائمة بأسماء حركة الضباط الأحرار التى اشتهرت فى الجيش من خلال
المنشورات التى تطبعها وتهاجم فيها فاروق، وتصفه بـ«رأس الفساد فى مصر».
ومن ضمن المعلومات التي عرفها «أبوالفتح» أن الملك فاروق أعطى أوامره بالقبض على كل الأسماء الموجودة فى القائمة، وكانت بالفعل- كما تبين فيما بعد- أسماء كل قيادات تنظيم الضباط، بمن فيهم عبدالناصر وعبدالحكيم وغيرهما، ولأنه كان على دراية بوجود مجموعة من الضباط ساخطين على «فاروق وحكمه»، سارع بإبلاغ زوج شقيقته الضابط ثروت عكاشة بالمعلومات التي وصلت إليه، ليسارع «عكاشة» بإبلاغ جمال عبد الناصر بما وصل إلى «أبو الفتح»، ليقرر «ناصر» تعديل موعد «ساعة الصفر» الذي كان مقررًا في 5 أغسطس 1952، ليصبح مساء 22 يوليو 1952.
وفي هذا السياق يروي الكاتب الصحفي الراحل، محمد حسنين هيكل، في كتابه «لمصر لا لعبد الناصر»، قصة «ناصر» و«أبو الفتح» من زاوية ثانية، زاوية وصفها «هيكل» بـ «المذابح» والتي كانت من ضمنها «الصحافة»، قائلا: «كان الأستاذ أحمد أبو الفتح من الأصوات المسموعة لدى مجلس الثورة في الفترة الأولى، فقد كان دوره – وسط مجموعة الشباب التقدمي الجديد الذي ظهر في حزب الوفد من التيار الرئيسي فيه – دورًا ظاهرًا ومن هنا كان طبيعيًا أن يكون الأستاذ أحمد أبو الفتح حلقة الاتصال بين النظام الثوري الجديد وبين حزب الوفد الذي كان حزب الأغلبية حتى ذلك الوقت».
ويضيف «هيكل» مفندًا الأسباب التي أدت إلى الخلاف بين «ناصر» و«أبو الفتح»، قائلا: «مع بداية سنة 1953 كانت الخلافات قد بدأت تدب في العلاقات ما بين جمال عبد الناصر والأستاذ أحمد أبو الفتح، وكانت لهذه الخلافات ثلاثة أسباب، أولها سبب سياسي، ذلك أن معني الديمقراطية لم يكن واحدا بالنسبة للاثنين، كان جمال عبد الناصر يرى أن أي تعبير سياسي هو انعكاس لحقائق اجتماعية واقتصادية، وإذا كان مطلوبا إقامة ديمقراطية سياسية سليمة في مصر تعبر عن الأغلبية وسلطتها، فإن ذلك لا يتأتي إلا إذا كانت الحقائق الاجتماعية والاقتصادية في الوطن تعطي لهذه الأغلبية وزنها وثقلها، وكان جمال عبد الناصر يرى أن إجراء أي انتخابات قبل إجراء تغييرات اجتماعية اقتصادية تعطي الأغلبية وزنها وثقلها الاجتماعي والاقتصادي لن يكون من شأنه إلا أن يعيد إلى السلطة نفس العناصر القديمة التي كانت تمثل الطبقة المتميزة في مصر، والتي تسيطر على الحقائق الاجتماعية الاقتصادية فيها، وهذا يصبح بمثابة العودة إلى ديكتاتورية الأقلية الطبقية تحت اسم الديمقراطية، وكان رأي الأستاذ أحمد أبو الفتح يختلف عن ذلك، فقد كان يرى أن حل مشكلة الديمقراطية هو إجراء الانتخابات فورًا».
ويذهب «هيكل» بعد ذلك إلى سبب الخلاف الثاني، ليوضح أنه «سبب نفسي»، أرجعه «هيكل» إلى أن الأستاذ أحمد أبو الفتح، بالغ – بحسن نية- لدى أصدقائه القدامي في أهميته بالنسبة لأصدقائه الجدد، وبالتالي فقد كان حزبه – بحسب هيكل- وكانت جماعته وكانت أسرته تنتظر منه أن يحقق لهم جميعا أشياء عجز عن تحقيقها، وبإحساسه بالحرج فقد تحول خلاف الرأي إلى عناد ثم أعداء.
وفي تحليله لسبب الخلافات الثالث، قال «هيكل»: ثالث الأسباب سبب يعود إلى أن الأستاذ أحمد أبو الفتح كان يشعر بوفاء شديد لأخيه الأستاذ محمود أبو الفتح، ويعتبره – وهذا صحيح- ولي نعمته، وهذا تعبيره بالحرف لي وقتها، ولكن الأستاذ محمود أبو الفتح كان قد ترك الصحافة وجريدة المصري لأحمد أبو الفتح وتفرغ تمامًا لدور رجل الأعمال، وأحس أحمد أبو الفتح أن اخاه لا يأخذ ما يعتبره هو حقًا له، وأن فرصا كثيرة ضاعت أو ضُيعت عليه لأسباب لا يعرفها، ولعل أكثر يوم شعرت فيه بأبعاد أزمة أحمد أبو الفتح هو يوم أتيح لي أن ألتقى فيه الأستاذ محمود أبو الفتح في بيروت في شهر يناير سنة 1954، كنت عائدًا إلى دمشق عن طريق بيروت, وفي فندن «سان جورج» التقيت محمود أبو الفتح، ووقفنا في ردهة الفندق نتبادل أحاديث مجاملات، ثم سألته عن أحمد، وكان قد غادر القاهرة إلى جنيف، وقال لي محمود: إنه يريد أن يجلس لحديث طويل معي عن العلاقات بين جمال عبدالناصر وأحمد أبو الفتح, وجلسنا نحن الاثنان تلك الليلة في ركن من صالون «السان جورج» نتحدث حتى الساعة الرابعة صباحًا.
ويضيف «هيكل»: بعد أيام من عودتي إلى القاهرة كان محمود أبو الفتح قد اتصل بالدكتور السيد أبو النجا المدير العام لجريدة «المصري» وقتها وطلب منه أن يتصل بي لكي نرتب ما اتفقنا عليه في بيروت، وكنا قد اتفقنا على ترتيب مقابلة بين جمال عبدالناصر وأحمد أبو الفتح، والتقيت مع السيد أبو النجا، وكان يريد أن يستوثق من نقطة معينة هي أن أضمن عودة أحمد أبو الفتح إلى جنيف مهما كانت نتائج مقابلته مع جمال عبدالناصر، وتعهدت للسيد أبو النجا أن أكون في استقباله وأن أكون في وداعه، وجاء أحمد أبو الفتح وذهبنا معا إلى بيت جمال عبدالناصر وجلسنا ثلاثتنا لحديث طال أربع ساعات، وفي الواقع كان الحديث بين الاثنين، وكنت أتابع ما يدور بينهما صامتا، أتدخل أحيانا عندما تظهر عقدة في حباله، لكن الخلاف كان واضحا بين الاثنين في الآراء والمواقف، وارتفعت درجة حرارة الحديث مرتين، مرة عندما أثار جمال عبدالناصر مسألة الاتصالات التي يقوم بها أحمد أبو الفتح في أوروبا وفي العالم العربي، خصوصا مع نوري السعيد رئيس وزراء العراق وقتها والمروج لفكرة حلف بغداد، وكان رد أحمد أبو الفتح أن علاقات أخيه بنوري السعيد هي علاقات رجل أعمال يورد مهمات لمشروعات تنفذ في العراق إلى جانب اهتمامه بتوريد السلاح كوكيل لبعض شركاته، وكان رأي جمال عبد الناصر - بناء على معلومات لديه- أن العلاقات والاتصالات فيها عنصر سياسي.
ويكمل «هيكل»: ثم ارتفعت درجة حرارة الحديث مرة أخرى عندما تساءل أحمد أبو الفتح: لماذا تضار مصالح أخي محمود في مصر ولا يحصل على حقه؟.. وسأله جمال عبدالناصر: وهل حدث ذلك؟.. ورد أحمد أبو الفتح: نعم إن أخي تقدم لمشروع أتوبيسات النقل في القاهرة ولكن عبداللطيف أبو رجيلة أخذ المشروع ولم يأخذه محمود أبو الفتح، ثم أن محمود أبو الفتح تقدم وكيلا عن شركة سلاح يعرض بندقية من عيار 86 وهذه هي البندقية التي أقرت لحلف الأطلسي ومعنى ذلك أنها ممتازة، ولكن اللجنة العسكرية التي تشرف على مشتريات السلاح رفضتها، وبدت الدهشة على وجه جمال عبدالناصر وسأل: وهل تتصور أن لي علاقة بذلك، إنني لا أتدخل في مثل هذه الشئون, هذه مسائل تقررها الوزارات المسئولة، وبدأ الضيق على ملامح جمال عبدالناصر وشاع الأسف في نبرة صوته وهو يقول بالحرف: (جرى إيه يا أحمد.. أتوبيسات إيه بنادق إيه؟.. وكان واضحا أمامي أن الحديث سار إلى طريق مسدود، وذهبت أودع أحمد أبو الفتح طبقا لما تعهدت به وأقلعت الطائرة التي استقلها إلى جنيف.
ومن ضمن المعلومات التي عرفها «أبوالفتح» أن الملك فاروق أعطى أوامره بالقبض على كل الأسماء الموجودة فى القائمة، وكانت بالفعل- كما تبين فيما بعد- أسماء كل قيادات تنظيم الضباط، بمن فيهم عبدالناصر وعبدالحكيم وغيرهما، ولأنه كان على دراية بوجود مجموعة من الضباط ساخطين على «فاروق وحكمه»، سارع بإبلاغ زوج شقيقته الضابط ثروت عكاشة بالمعلومات التي وصلت إليه، ليسارع «عكاشة» بإبلاغ جمال عبد الناصر بما وصل إلى «أبو الفتح»، ليقرر «ناصر» تعديل موعد «ساعة الصفر» الذي كان مقررًا في 5 أغسطس 1952، ليصبح مساء 22 يوليو 1952.
وفي هذا السياق يروي الكاتب الصحفي الراحل، محمد حسنين هيكل، في كتابه «لمصر لا لعبد الناصر»، قصة «ناصر» و«أبو الفتح» من زاوية ثانية، زاوية وصفها «هيكل» بـ «المذابح» والتي كانت من ضمنها «الصحافة»، قائلا: «كان الأستاذ أحمد أبو الفتح من الأصوات المسموعة لدى مجلس الثورة في الفترة الأولى، فقد كان دوره – وسط مجموعة الشباب التقدمي الجديد الذي ظهر في حزب الوفد من التيار الرئيسي فيه – دورًا ظاهرًا ومن هنا كان طبيعيًا أن يكون الأستاذ أحمد أبو الفتح حلقة الاتصال بين النظام الثوري الجديد وبين حزب الوفد الذي كان حزب الأغلبية حتى ذلك الوقت».
ويضيف «هيكل» مفندًا الأسباب التي أدت إلى الخلاف بين «ناصر» و«أبو الفتح»، قائلا: «مع بداية سنة 1953 كانت الخلافات قد بدأت تدب في العلاقات ما بين جمال عبد الناصر والأستاذ أحمد أبو الفتح، وكانت لهذه الخلافات ثلاثة أسباب، أولها سبب سياسي، ذلك أن معني الديمقراطية لم يكن واحدا بالنسبة للاثنين، كان جمال عبد الناصر يرى أن أي تعبير سياسي هو انعكاس لحقائق اجتماعية واقتصادية، وإذا كان مطلوبا إقامة ديمقراطية سياسية سليمة في مصر تعبر عن الأغلبية وسلطتها، فإن ذلك لا يتأتي إلا إذا كانت الحقائق الاجتماعية والاقتصادية في الوطن تعطي لهذه الأغلبية وزنها وثقلها، وكان جمال عبد الناصر يرى أن إجراء أي انتخابات قبل إجراء تغييرات اجتماعية اقتصادية تعطي الأغلبية وزنها وثقلها الاجتماعي والاقتصادي لن يكون من شأنه إلا أن يعيد إلى السلطة نفس العناصر القديمة التي كانت تمثل الطبقة المتميزة في مصر، والتي تسيطر على الحقائق الاجتماعية الاقتصادية فيها، وهذا يصبح بمثابة العودة إلى ديكتاتورية الأقلية الطبقية تحت اسم الديمقراطية، وكان رأي الأستاذ أحمد أبو الفتح يختلف عن ذلك، فقد كان يرى أن حل مشكلة الديمقراطية هو إجراء الانتخابات فورًا».
ويذهب «هيكل» بعد ذلك إلى سبب الخلاف الثاني، ليوضح أنه «سبب نفسي»، أرجعه «هيكل» إلى أن الأستاذ أحمد أبو الفتح، بالغ – بحسن نية- لدى أصدقائه القدامي في أهميته بالنسبة لأصدقائه الجدد، وبالتالي فقد كان حزبه – بحسب هيكل- وكانت جماعته وكانت أسرته تنتظر منه أن يحقق لهم جميعا أشياء عجز عن تحقيقها، وبإحساسه بالحرج فقد تحول خلاف الرأي إلى عناد ثم أعداء.
وفي تحليله لسبب الخلافات الثالث، قال «هيكل»: ثالث الأسباب سبب يعود إلى أن الأستاذ أحمد أبو الفتح كان يشعر بوفاء شديد لأخيه الأستاذ محمود أبو الفتح، ويعتبره – وهذا صحيح- ولي نعمته، وهذا تعبيره بالحرف لي وقتها، ولكن الأستاذ محمود أبو الفتح كان قد ترك الصحافة وجريدة المصري لأحمد أبو الفتح وتفرغ تمامًا لدور رجل الأعمال، وأحس أحمد أبو الفتح أن اخاه لا يأخذ ما يعتبره هو حقًا له، وأن فرصا كثيرة ضاعت أو ضُيعت عليه لأسباب لا يعرفها، ولعل أكثر يوم شعرت فيه بأبعاد أزمة أحمد أبو الفتح هو يوم أتيح لي أن ألتقى فيه الأستاذ محمود أبو الفتح في بيروت في شهر يناير سنة 1954، كنت عائدًا إلى دمشق عن طريق بيروت, وفي فندن «سان جورج» التقيت محمود أبو الفتح، ووقفنا في ردهة الفندق نتبادل أحاديث مجاملات، ثم سألته عن أحمد، وكان قد غادر القاهرة إلى جنيف، وقال لي محمود: إنه يريد أن يجلس لحديث طويل معي عن العلاقات بين جمال عبدالناصر وأحمد أبو الفتح, وجلسنا نحن الاثنان تلك الليلة في ركن من صالون «السان جورج» نتحدث حتى الساعة الرابعة صباحًا.
ويضيف «هيكل»: بعد أيام من عودتي إلى القاهرة كان محمود أبو الفتح قد اتصل بالدكتور السيد أبو النجا المدير العام لجريدة «المصري» وقتها وطلب منه أن يتصل بي لكي نرتب ما اتفقنا عليه في بيروت، وكنا قد اتفقنا على ترتيب مقابلة بين جمال عبدالناصر وأحمد أبو الفتح، والتقيت مع السيد أبو النجا، وكان يريد أن يستوثق من نقطة معينة هي أن أضمن عودة أحمد أبو الفتح إلى جنيف مهما كانت نتائج مقابلته مع جمال عبدالناصر، وتعهدت للسيد أبو النجا أن أكون في استقباله وأن أكون في وداعه، وجاء أحمد أبو الفتح وذهبنا معا إلى بيت جمال عبدالناصر وجلسنا ثلاثتنا لحديث طال أربع ساعات، وفي الواقع كان الحديث بين الاثنين، وكنت أتابع ما يدور بينهما صامتا، أتدخل أحيانا عندما تظهر عقدة في حباله، لكن الخلاف كان واضحا بين الاثنين في الآراء والمواقف، وارتفعت درجة حرارة الحديث مرتين، مرة عندما أثار جمال عبدالناصر مسألة الاتصالات التي يقوم بها أحمد أبو الفتح في أوروبا وفي العالم العربي، خصوصا مع نوري السعيد رئيس وزراء العراق وقتها والمروج لفكرة حلف بغداد، وكان رد أحمد أبو الفتح أن علاقات أخيه بنوري السعيد هي علاقات رجل أعمال يورد مهمات لمشروعات تنفذ في العراق إلى جانب اهتمامه بتوريد السلاح كوكيل لبعض شركاته، وكان رأي جمال عبد الناصر - بناء على معلومات لديه- أن العلاقات والاتصالات فيها عنصر سياسي.
ويكمل «هيكل»: ثم ارتفعت درجة حرارة الحديث مرة أخرى عندما تساءل أحمد أبو الفتح: لماذا تضار مصالح أخي محمود في مصر ولا يحصل على حقه؟.. وسأله جمال عبدالناصر: وهل حدث ذلك؟.. ورد أحمد أبو الفتح: نعم إن أخي تقدم لمشروع أتوبيسات النقل في القاهرة ولكن عبداللطيف أبو رجيلة أخذ المشروع ولم يأخذه محمود أبو الفتح، ثم أن محمود أبو الفتح تقدم وكيلا عن شركة سلاح يعرض بندقية من عيار 86 وهذه هي البندقية التي أقرت لحلف الأطلسي ومعنى ذلك أنها ممتازة، ولكن اللجنة العسكرية التي تشرف على مشتريات السلاح رفضتها، وبدت الدهشة على وجه جمال عبدالناصر وسأل: وهل تتصور أن لي علاقة بذلك، إنني لا أتدخل في مثل هذه الشئون, هذه مسائل تقررها الوزارات المسئولة، وبدأ الضيق على ملامح جمال عبدالناصر وشاع الأسف في نبرة صوته وهو يقول بالحرف: (جرى إيه يا أحمد.. أتوبيسات إيه بنادق إيه؟.. وكان واضحا أمامي أن الحديث سار إلى طريق مسدود، وذهبت أودع أحمد أبو الفتح طبقا لما تعهدت به وأقلعت الطائرة التي استقلها إلى جنيف.