في ذكرى 23 يوليو.. الصحافة في جلسات "الضباط الأحرار".. مثيرة لـ"البلبلة" ولا تنطق بلسان "الاتحاد الاشتراكي"
هل مهدت الصحافة
لثورة 23 يوليو 1952؟ سؤال لا توجد إجابة نموذجية له، حيث تباينت الرؤى
والمواقف، ما بين رأي يرى أن «صاحبة الجلالة» لعبت دورًا كبيرًا في تمهيد الطريق
وتهيئة الرأي العام المصري لـ«سقوط الملكية»، سواء بالحديث عن «فساد فاروق»
وحاشيته، أو الحديث عن التجاوزات التي تحدث في كثير من القطاعات.
وفي الوقت ذاته، هناك فريق ثاني يؤكد أن الصحافة دائما تقف مع من «يجلس على كرسي الحكم»، وأن غالبية الوجوه الصحفية التي احتلت المشهد بعد «يوليو 52»، كانت موالية – بشكل أو بآخر- للملك والملكية، وكانت تبارك كل خطواته.
وإلى جانب الرأي الأول ونقيضه الثاني، يبرز فريق ثالث، يسير في اتجاه أن الصحافة لحقت بـ«ركب الثورة» بعدما تأكدت من «غروب شمس الملكية»، وأن «جمهورية الضباط الأحرار» هي المستقبل، وأنها ولا بد أن تحجز لها مقعدًا في قطار «الثورة»، وأنها مثلها مثل غيرها من القطاعات المصرية، كانت في حاجة إلى «تطهير» وقد حدث.
قوة وطنية
المثير في الأمر هنا.. أن الصحافة التي بأي شكل من الأشكال، أصبحت واحدة من أهم القوى الوطنية التي تساند «جمهورية يوليو»، هي ذاتها التي لم يكن «ضباط الثورة» راضين عنها تمام الرضا، بل كانت هناك آراء من داخل القيادة – وقتها – وبعد سنوات عدة من نجاح الثورة، ترى أن الصحافة لا تزال في حاجة إلى «تأديب وتهذيب وإصلاح»، وهو ما كشفه المؤرخ الراحل عبد العظيم رمضان، في كتابه «الوثائق السرية لثورة يوليو 1952 – الجزء الأول».
والذي نشر في أحد فصوله تفاصيل الجلسة الأولى للأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي، التي حضرها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والتي كانت تضم في عضويتها، في نوفمبر 1964، كل من: حسين الشافعي، الدكتور نور الدين طراف، أحمد عبده الشرباصي، كمال رفعت، عباس رضوان، خالد محي الدين، سيد مرعي، طلعت خيري، أنور سلامة، الدكتور حسين خلاف، شعراوي جمعة، كمال الحناوي، على السيد علي، حسين ذو الفقار صبري، محمد فتحي الديب، عبد الفتاح أبو الفضل، الدكتور عبد السلام بدوي، عبد المجيد فريد، الدكتور إبراهيم سعد الدين، رشدي سعيد، حسن إبراهيم، على صبري، وعبد المجيد شديد.
وحرص «ناصر» على حضور جلسات الأمانة العامة بنفسه طوال اثتني عشرة جلسة، بدأت من الثلاثاء 24 نوفمبر 1964، إلى الثلاثاء 11 مايو 1965، ثم انقطع عن حضورها دون سبب معروف.
ويرى «رمضان» أن محاضر الجلسات هذه تستمد أهميتها من حيث أنها تعكس مشكلات التنظيم السياسي، ومشكلات المجتمع المصري، كما تكشف أفكار عبد الناصر وآراءه عن تجربته الثورية دون تزويق أو طلاء جماهيري، وفي الوقت ذاته ترسم صورة صادقة للعمل في تنظيم سياسي لم تعرفه مصر من قبل.
بلبلة الصحافة
كانت قضية الصحافة من أهم القضايا التي نوقشت في الجلسة الأولى التي عقدت في 24 نوفمبر 1964، وفي البداية طرح حسين إبراهيم، نائب رئيس الجمهورية وقتها، ملاحظة هامة حيث قال: «كانت الصحافة بالنسبة للاتحاد الاشتراكي العربي عملًا مبلبلًا أكثر منه عاملًا يقود لرأي معين، ولا توجد صحيفة تنطق باسم الاتحاد الاشتراكي، مع العلم أنه من المفروض في كل الصحف أن تنطق باسمه.
وبالنسبة للتنظيم الجديد، إما أن توجد صحيفة معروفة تعبر عن الاتحاد الاشتراكية وإما أن تكون كل الصحف لا يكتب فيها غير ما يعبر عن الاتحاد الاشتراكي ويجب تنظيم الصحافة.
ليرد جمال عبد الناصر، قائلًا: «بالنسبة للصحافة ستكون هناك لجنة للصحافة، وأنا أعتبر أن الصحافة في الفترة التي مضت كان لها دور كبير في خلق البلبلة بين الناس، لأن من السهل على الشخص الموجود خارج العملية أن ينتقد، وقد كانت الصحافة تنتقد باستمرار بالنسبة لعمليات كثيرة».
ويضيف «ناصر»: «النقطة الثانية: إنني أريد أن تكون الصحف كلها نسخة واحدة، والنقطة الثالثة: إننا نريد أن يجتهد الناس في أي موضوع من الموضوعات، لأن الشعور السائد بين الناس أن الجرائد مراقبة، وهي في الحقيقة لا تخضع للرقابة، ويجب أن يفهم الناس ذلك، ويجب أن يترك باب الاجتهاد مفتوحًا بالنسبة للكتابة في موضوعات الاشتراكية، ونحن إذا قيدنا العملية، فإن صحفاتنا ستفقد قيمتها، ليس هنا فقط وإنما في الوطن العربية، ولذلك يجب أن تكون هناك وحدة فكرية، وأنا متصور أن خالد محي الدين ومعه رؤساء التحرير سيساعدون في إيجاد هذه الوحدة الفكرية.
ويتابع: كمثل من الأمثلة التي كانت تنشر في الصحافة، نجد أن «روزاليوسف» تنشر «يا بيروقراطية يا» وكذلك «اللحمة يا بتوع اللحمة» وموضوع «الشفخانة» وأنا لا أمانع في أن ينشروا أن مستشفى قصر العيني مثلا بها أخطاء، ولكن لا يجوز أن يقال إن المستشفيات كلها «بايظة»، إنني أعتبر هذه العملية عملية تخريبية، إن مجلة «صباح الخير» نشرت في هذا الموضوع أيضا موضوع «الشفخانة» والعملية بهذا الشكل - معناها أن الحكومة كلها فاشلة بالنسبة لهذا الموضوع.
قد تكون هناك مآخذ على بعض المستشفيات، ولكن هناك مستشفيات أخرى «كويسة» ولا داعي أبدًا لنشر أخبار مجهولة، كأن ينشر أن هناك مؤسسة حدثت فيها سرقات، قد يكون الخبر صحيحًا وفي هذه الحالة لا مانع أن ينشر اسم المؤسسة بالتحديد، وطبيعي أن لجنة الصحافة يمكن أن تحل هذه الموضوعات.
وعندما تأتي الكلمة إلى خالد محي الدين، يعقب «خالد» على حديث «ناصر» قائلًا: «إن الصحافة لكي تنجح، يلزم أن يكون هناك صحفيون مثقفون يعملون بها، والحقيقة أن أغلب الصحفيين الموجودين ثقافتهم محدودة ودراستهم عن الاشتراكية قليلة، فلا يوجد صحفيون اشتراكيون ليكتبوا عن الاشتراكية».
ويتساءل حسن إبراهيم، الذي كان يتولى وقتها منصب نائب رئيس الجمهورية «ألا يمكن إصدار جريدة يومية تعبر عن رأي الاتحاد الاشتراكي في موضوعات معينة مثلا؟! »، ليرد عليه جمال عبد الناصر، بقوله: «إذا ثار نقاش حول موضوع ما، يمكن أن نقول أن رأينا هو «كذا» أي أننا يجب أن نقول هذا الرأي، وإلا سنجد بلبلة بين الناس».
ويؤكد خالد محي الدين، أنه «يمكن أن تساعد في هذا المجلة الخاصة بالأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي»، ويضيف عليه «ناصر» قائلًا: «ويجوز أيضا أن تكون للناس آراء مختلفة، فمثلًا المجلة التي تصدر في براغ مختلفة جدًا عن آراء الحزب الشيوعي، ونحن يجب أن نسمح بنشر الآراء المختلفة، حتى يشعر الناس بأنه يمكن لكل شخص أن يبدي رأيه».
وعندما تعود الكلمة مجددًا إلى خالد محي الدين، يوضح أنه «توجد نشرة داخلية للاتحاد الاشتراكي، ونستطيع بهذه النشرة أن نغطي أي موضوع، حيث أنها ستكون متأثرة بآراء الاتحاد الاشتراكي، ولو وضعت هذه النشرة بطريقة منظمة، بحيث تصل إلى القاعدة، فسوف تعطي نتيجة فعالة».
وفي الوقت ذاته، هناك فريق ثاني يؤكد أن الصحافة دائما تقف مع من «يجلس على كرسي الحكم»، وأن غالبية الوجوه الصحفية التي احتلت المشهد بعد «يوليو 52»، كانت موالية – بشكل أو بآخر- للملك والملكية، وكانت تبارك كل خطواته.
وإلى جانب الرأي الأول ونقيضه الثاني، يبرز فريق ثالث، يسير في اتجاه أن الصحافة لحقت بـ«ركب الثورة» بعدما تأكدت من «غروب شمس الملكية»، وأن «جمهورية الضباط الأحرار» هي المستقبل، وأنها ولا بد أن تحجز لها مقعدًا في قطار «الثورة»، وأنها مثلها مثل غيرها من القطاعات المصرية، كانت في حاجة إلى «تطهير» وقد حدث.
قوة وطنية
المثير في الأمر هنا.. أن الصحافة التي بأي شكل من الأشكال، أصبحت واحدة من أهم القوى الوطنية التي تساند «جمهورية يوليو»، هي ذاتها التي لم يكن «ضباط الثورة» راضين عنها تمام الرضا، بل كانت هناك آراء من داخل القيادة – وقتها – وبعد سنوات عدة من نجاح الثورة، ترى أن الصحافة لا تزال في حاجة إلى «تأديب وتهذيب وإصلاح»، وهو ما كشفه المؤرخ الراحل عبد العظيم رمضان، في كتابه «الوثائق السرية لثورة يوليو 1952 – الجزء الأول».
والذي نشر في أحد فصوله تفاصيل الجلسة الأولى للأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي، التي حضرها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والتي كانت تضم في عضويتها، في نوفمبر 1964، كل من: حسين الشافعي، الدكتور نور الدين طراف، أحمد عبده الشرباصي، كمال رفعت، عباس رضوان، خالد محي الدين، سيد مرعي، طلعت خيري، أنور سلامة، الدكتور حسين خلاف، شعراوي جمعة، كمال الحناوي، على السيد علي، حسين ذو الفقار صبري، محمد فتحي الديب، عبد الفتاح أبو الفضل، الدكتور عبد السلام بدوي، عبد المجيد فريد، الدكتور إبراهيم سعد الدين، رشدي سعيد، حسن إبراهيم، على صبري، وعبد المجيد شديد.
وحرص «ناصر» على حضور جلسات الأمانة العامة بنفسه طوال اثتني عشرة جلسة، بدأت من الثلاثاء 24 نوفمبر 1964، إلى الثلاثاء 11 مايو 1965، ثم انقطع عن حضورها دون سبب معروف.
ويرى «رمضان» أن محاضر الجلسات هذه تستمد أهميتها من حيث أنها تعكس مشكلات التنظيم السياسي، ومشكلات المجتمع المصري، كما تكشف أفكار عبد الناصر وآراءه عن تجربته الثورية دون تزويق أو طلاء جماهيري، وفي الوقت ذاته ترسم صورة صادقة للعمل في تنظيم سياسي لم تعرفه مصر من قبل.
بلبلة الصحافة
كانت قضية الصحافة من أهم القضايا التي نوقشت في الجلسة الأولى التي عقدت في 24 نوفمبر 1964، وفي البداية طرح حسين إبراهيم، نائب رئيس الجمهورية وقتها، ملاحظة هامة حيث قال: «كانت الصحافة بالنسبة للاتحاد الاشتراكي العربي عملًا مبلبلًا أكثر منه عاملًا يقود لرأي معين، ولا توجد صحيفة تنطق باسم الاتحاد الاشتراكي، مع العلم أنه من المفروض في كل الصحف أن تنطق باسمه.
وبالنسبة للتنظيم الجديد، إما أن توجد صحيفة معروفة تعبر عن الاتحاد الاشتراكية وإما أن تكون كل الصحف لا يكتب فيها غير ما يعبر عن الاتحاد الاشتراكي ويجب تنظيم الصحافة.
ليرد جمال عبد الناصر، قائلًا: «بالنسبة للصحافة ستكون هناك لجنة للصحافة، وأنا أعتبر أن الصحافة في الفترة التي مضت كان لها دور كبير في خلق البلبلة بين الناس، لأن من السهل على الشخص الموجود خارج العملية أن ينتقد، وقد كانت الصحافة تنتقد باستمرار بالنسبة لعمليات كثيرة».
ويضيف «ناصر»: «النقطة الثانية: إنني أريد أن تكون الصحف كلها نسخة واحدة، والنقطة الثالثة: إننا نريد أن يجتهد الناس في أي موضوع من الموضوعات، لأن الشعور السائد بين الناس أن الجرائد مراقبة، وهي في الحقيقة لا تخضع للرقابة، ويجب أن يفهم الناس ذلك، ويجب أن يترك باب الاجتهاد مفتوحًا بالنسبة للكتابة في موضوعات الاشتراكية، ونحن إذا قيدنا العملية، فإن صحفاتنا ستفقد قيمتها، ليس هنا فقط وإنما في الوطن العربية، ولذلك يجب أن تكون هناك وحدة فكرية، وأنا متصور أن خالد محي الدين ومعه رؤساء التحرير سيساعدون في إيجاد هذه الوحدة الفكرية.
ويتابع: كمثل من الأمثلة التي كانت تنشر في الصحافة، نجد أن «روزاليوسف» تنشر «يا بيروقراطية يا» وكذلك «اللحمة يا بتوع اللحمة» وموضوع «الشفخانة» وأنا لا أمانع في أن ينشروا أن مستشفى قصر العيني مثلا بها أخطاء، ولكن لا يجوز أن يقال إن المستشفيات كلها «بايظة»، إنني أعتبر هذه العملية عملية تخريبية، إن مجلة «صباح الخير» نشرت في هذا الموضوع أيضا موضوع «الشفخانة» والعملية بهذا الشكل - معناها أن الحكومة كلها فاشلة بالنسبة لهذا الموضوع.
قد تكون هناك مآخذ على بعض المستشفيات، ولكن هناك مستشفيات أخرى «كويسة» ولا داعي أبدًا لنشر أخبار مجهولة، كأن ينشر أن هناك مؤسسة حدثت فيها سرقات، قد يكون الخبر صحيحًا وفي هذه الحالة لا مانع أن ينشر اسم المؤسسة بالتحديد، وطبيعي أن لجنة الصحافة يمكن أن تحل هذه الموضوعات.
وعندما تأتي الكلمة إلى خالد محي الدين، يعقب «خالد» على حديث «ناصر» قائلًا: «إن الصحافة لكي تنجح، يلزم أن يكون هناك صحفيون مثقفون يعملون بها، والحقيقة أن أغلب الصحفيين الموجودين ثقافتهم محدودة ودراستهم عن الاشتراكية قليلة، فلا يوجد صحفيون اشتراكيون ليكتبوا عن الاشتراكية».
ويتساءل حسن إبراهيم، الذي كان يتولى وقتها منصب نائب رئيس الجمهورية «ألا يمكن إصدار جريدة يومية تعبر عن رأي الاتحاد الاشتراكي في موضوعات معينة مثلا؟! »، ليرد عليه جمال عبد الناصر، بقوله: «إذا ثار نقاش حول موضوع ما، يمكن أن نقول أن رأينا هو «كذا» أي أننا يجب أن نقول هذا الرأي، وإلا سنجد بلبلة بين الناس».
ويؤكد خالد محي الدين، أنه «يمكن أن تساعد في هذا المجلة الخاصة بالأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي»، ويضيف عليه «ناصر» قائلًا: «ويجوز أيضا أن تكون للناس آراء مختلفة، فمثلًا المجلة التي تصدر في براغ مختلفة جدًا عن آراء الحزب الشيوعي، ونحن يجب أن نسمح بنشر الآراء المختلفة، حتى يشعر الناس بأنه يمكن لكل شخص أن يبدي رأيه».
وعندما تعود الكلمة مجددًا إلى خالد محي الدين، يوضح أنه «توجد نشرة داخلية للاتحاد الاشتراكي، ونستطيع بهذه النشرة أن نغطي أي موضوع، حيث أنها ستكون متأثرة بآراء الاتحاد الاشتراكي، ولو وضعت هذه النشرة بطريقة منظمة، بحيث تصل إلى القاعدة، فسوف تعطي نتيجة فعالة».