تعرف على حكم سجود الشكر وآراء الفقهاء فيه
شرع الله سبحانه وتعالى العبادات للنّاس ليتقربوا بها إليه، وليشكروه على ما أنعم به عليهم من نِعم باطنةٍ وظاهرة، فإذا حصلت للعبد نعمةٌ مُفاجئةٌأو كانت غير متوقعة أو غير مُنتظرة، أو نجاه من كارثةٍ حتمية فقد شُرِع له أن يشكر الله على تلك النّعمة بعبادات عاجلةٍ أو آجلة، ومن العبادات المخصوصة لشكر تلك النّعم أن يسجد المرء لله عزَّ وجل، فيتوجه إليه ويشكره على ما أنعم به عليه، فإنّ العبد أقرب ما يكون من ربه إذا سجد.
وللسجود أشكالٌ مُتعدّدة؛ فمنه السّجود في الصّلاة المفروضة، وصلاة النّوافل، والسّجود عند قراءة أو سماع آية وردت فيها إحدى سجدات التّلاوة المعروفة، وسجود الشّكر لله تعالى على نعمه.
حكم سجود الشّكر
اختلف الفقهاء في حكم سجود الشّكر، فأجازه بعضهم وكرهه آخرون، وفيما يأتي بيان أقوال وأدلّة كل فريق: ذهب أبو حنيفة إلى أن سجود الشّكر ليس بشيءٍ مَسنون، بل أكثر من ذلك أنّه ذُكر أيضاً أنّ أبا حنيفة يرى كراهته كما جاء في كتابه السّير الكبير، وقال محمد بن الحسن الشيبانيّ صاحب أبي حنيفة أنّه لا بأس به، وقد استدلّ القائلون بالكراهة بعددٍ من الأدلة، منها أنَّ نِعَمَ الله تعالى كانت على النبيّ أكثر من أن تُعدّ أو أن تُحصى، فلو كان السّجود سُنَّةً لكرّر سجود الشّكر عند كل نعمه، ولو فعل ذلك لنُقل فعله للسّجود إلى حدِّ الاستفاضة، فلَمّا لم يُنقل أنّه فَعَله إلا نادراً دلَّ على أنّه ليس سُنَّةً، كما استدلّوا بما يَروي أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنَّ رجلاً جاء إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الجمُعةِ وهو يخطُبُ بالمدينةِ، فقال: قَحَط المطرُ، فاستَسْقِ ربَّك . فنظَر إلى السماءِ وما نَرى من سَحابٍ، فاستَسقَى، فنشأ السَّحابُ بعضُه إلى بعضٍ، ثم مُطِروا حتى سالتْ مَثاعِبُ المدينةِ، فما زالتْ إلى الجمُعةِ المُقْبِلَةِ ما تُقْلِعُ، ثم قام ذلك الرجلُ أو غيرُه، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال: غرِقْنا، فادعُ ربَّك يحبِسْها عنا، فضحِك ثم قال: (اللهم حوالَينا ولا علينا)، مرتينِ أو ثلاثًا، فجعَل السَّحابُ يتصَدَّعُ عن المدينةِ يمينًا وشِمالًا، يُمطَرُ ما حوالَينا ولا يُمطِرُ منها شيءٌ، يُريهِمُ اللهُ كَرامَةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإجابةَ دعوتِهِ)، وهذه نعمة ظاهرةٌ أن أجاب الله دعاءه، وصدق دعواه بالمعجزة، وأنعم على النّاس بزوال الجدب، ولم يسجد رسول الله لأجل كلِّ ذلك، ولا أمرهم بالسّجود، فلو كان ذلك مسنوناً لم يتركه أو على أقل تقديرٍ لأمرهم بالسّجود، وأيضاً لأنّ من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان أن هداه للإسلام، وقد كانوا يُسلّمون على يدي النّبي عليه الصّلاة والسّلام وبعد وفاته عند صحابته، ولم يُنقل عن أحدٍ منهم أنّه أمر من أسلم بالسّجود، أو أنه سجد هو لإسلام شخصٍ على يديه مع علمه بعِظم أجر ذلك.
ذهب الإمام مالك إلى كراهة سجود الشّكر كما نُقل عن الحنفيّة، حيث سأله تلميذه ابن القاسم عن أنّ الرّجل يُبَشَّرُ ببشارة فيخرُّ ساجداً، فكَرِهَ مالك ذلك؛ وذلك لأنّه لم يرَ سجود الشّكر ممّا شُرِع في الدّين فرضاً ولا نفلاً، إذ لم يَأمر بذلك النّبي -عَلَيْهِ الصّلاة والسَّلَامُ- ولا فَعَله، ولا أجمع المُسلمون على فعله، ولا تُثبت الشّرائع أحد هذه الوجوه.
الإمام الشافعي
قال الإمام الشافعيّ في المذهب القديم إنّ سجود الشّكر مُستحبّ، وفي الجديد يرى أنّ سجود الشّكر سُنَّة، ويرى أصحاب الشافعيّ أنّه إذا أنعم الله تعالى على العبد نعمةً أو دفع عنه بليّةً فالمُستحبّ أن يسجد، واستدلّوا على قولهم بما رُوِي عن أبي بكر -رضي الله عنه- إذ قال: (إنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ)، وكذلك بما رُوي عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- حيث قال: (خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاتَّبعتُه حتَّى دخل نخلًا فسجد فأطال السُّجودَ حتَّى خِفتُ أو خَشيتُ أن يكونَ اللهُ قد توفَّاه أو قبضه قال فجِئتُ أنظرُ فرفعَ رأسَه فقال ما لك يا عبدَ الرَّحمنِ قال فذكرتُ ذلك له قال فقال إنَّ جبريلَ عليه السَّلامُ قال لي ألا أبشِّرُك إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ من صلَّى عليك صلَّيْتُ عليه ومن سلَّم عليك سلَّمْتُ عليه زاد في روايةٍ فسجدتُ للهِ شكرًا)، وإلى ذلك ذهب علماء الحنابلة في الرّاجح عندهم
كيفية السجود
وتتلخّص كيفيةُ سجود الشّكر؛ باستحضار النيّة أوّلاً، ويُستحبّ التلفّظ بها، والقيام في البداية، ثمّ تكبيرة الإحرام كالتي في بداية الصّلاة، ويُستحبّ رفع اليدَين معها، ثمّ تكبيرة أخرى للنزول للسجود دون رفع اليدين معها، وإن تم الاقتصار على تكبيرة الإحرام فقط جاز ذلك، ثمّ السّجود، ويُسنّ فيه قول: (اللَّهمَّ لَكَ سجدتُ، وبِكَ آمنتُ، ولَكَ أسلمتُ، اللَّهمَّ أنتَ ربِّي، سجدَ وجْهي للَّذي خلقَهُ وصوَّرَهُ وشقَّ سمعَهُ وبصرَهُ، تبارَكَ اللَّهُ أحسنُ الخالقينَ)، وقول: (اللَّهمَّ اكتُب لي بها عندَك أَجرًا، واجعَلها لي عندَك ذُخْرًا، وضع عَنِّي بها وِزرًا، واقبَلها منِّي كما تقبَّلتَ من عبدِك داودَ)، ثم التكبير والرفع من السجود، ثمّ التسليم، ويجب الترتيب بينهم، ولا يكونُ سجود الشّكر داخل الصّلاة، ولا يجوز قبل إتمامها ولو بحرفٍ، ولو فعلها المُصلّي عامداً تَبطلُ صلاته.
وقد تعدّدت آراء الفقهاء في اشتراط ما يُشترط لصّلاة النّافلة في سجود الشّكر؛ من الطّهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، وبيان آرائهم فيما يأتي: القول الأوّل: عدم اشتراطها لصحّة سجود الشّكر؛ وهو قول الحنابلة، والظّاهريّة، وبعض المالكيّة، وذلك لعدم ورود دليلٍ في الكتاب أو السنة أو الإجماع يدلّ على وجوب الطهارة وغيرها عند سجود الشكر، ولو كان ذلك واجباً لبيّنه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولم يرِد عنه ذلك، كما أنّ قياسه على سجود التلاوة لا يصحّ عندهم؛ لأنه لم يُنقل عن النبيّ أنّه تطهّر لسجود التلاوة ولم يأمر بذلك، ثم إن سبب سجود الشكر يكون مفاجئاً، وفي الوضوء له والتطهّر وغيرها يؤخّر السجود ويُذهب معنى الشّكر، وهذا يُقاس على الأذكار والتسابيح والحمد الذي يُفعل خارج الصلاة، فكلّ تلك الأمور لا تحتاج إلى وضوءٍ وطهارة. القول الثاني: اشتراط ما يُشترط لصلاة النّافلة لصحّة سجود الشّكر، وذهب إلى هذا القول الشّافعيّة، وبعض الحنفيّة، وبعض المالكيّة، وقال به أكثر الحنابلة، واعتبروا أنّ سجود الشّكر كالصلاة، فهي عبادة يُقصد بها التقرّب إلى الله -عزّ وجلّ-، فوجب لها ما يجب لصلاة النافلة من التطهّر والوضوء وستر العورة وغير ذلك.
فضائل سجود الشّكر عظيمةٌ، وهي فيما يأتي:
إنّ الشكر لله -عزّ وجلّ- هو مفتاحٌ لِكلّ الخيرات والبركات المُنزّلة منه -سبحانه- لعباده الشّاكرين؛ لقوله -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).
إنّ الشّكر لله -عزّ وجلّ- فيه دوام تعلّق العبد بربّه وقُربِه منه؛ بحيث يكون العبد محلّاً لأن يُنعم ويتفضّل الله -تعالى- عليه، يقول -تبارك وتعالى-: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
إنّ في سجود الشّكر لله -عزّ وجلّ- معانٍ ساميةٌ؛ منها اعتراف العبد لله -تعالى- بربوبيّته ووحدانيّتِه، وأنّه الإله الحقّ المستحقّ للعبادة، وأنّ الأمر منه وإليه، وبيده مقاليد كلّ شيءٍ.
إنّ في سجود الشّكر لله -عزّ وجلّ- تجلّي مكانة العبد عند ربّه -تعالى-؛ فيكون محلّاً لحفظه ورعايته وحمايته من كُلّ ما يواجهه من شرورٍ ومصائب؛ كالحسد، والبُغض، والكيد، والظّلم، أو حتّى من شرّ نفسه التي بين جنبَيه بأن يستعمل نعمه -تعالى- في معصيتِه، وهو المُنعم عليه.
وللسجود أشكالٌ مُتعدّدة؛ فمنه السّجود في الصّلاة المفروضة، وصلاة النّوافل، والسّجود عند قراءة أو سماع آية وردت فيها إحدى سجدات التّلاوة المعروفة، وسجود الشّكر لله تعالى على نعمه.
حكم سجود الشّكر
اختلف الفقهاء في حكم سجود الشّكر، فأجازه بعضهم وكرهه آخرون، وفيما يأتي بيان أقوال وأدلّة كل فريق: ذهب أبو حنيفة إلى أن سجود الشّكر ليس بشيءٍ مَسنون، بل أكثر من ذلك أنّه ذُكر أيضاً أنّ أبا حنيفة يرى كراهته كما جاء في كتابه السّير الكبير، وقال محمد بن الحسن الشيبانيّ صاحب أبي حنيفة أنّه لا بأس به، وقد استدلّ القائلون بالكراهة بعددٍ من الأدلة، منها أنَّ نِعَمَ الله تعالى كانت على النبيّ أكثر من أن تُعدّ أو أن تُحصى، فلو كان السّجود سُنَّةً لكرّر سجود الشّكر عند كل نعمه، ولو فعل ذلك لنُقل فعله للسّجود إلى حدِّ الاستفاضة، فلَمّا لم يُنقل أنّه فَعَله إلا نادراً دلَّ على أنّه ليس سُنَّةً، كما استدلّوا بما يَروي أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنَّ رجلاً جاء إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الجمُعةِ وهو يخطُبُ بالمدينةِ، فقال: قَحَط المطرُ، فاستَسْقِ ربَّك . فنظَر إلى السماءِ وما نَرى من سَحابٍ، فاستَسقَى، فنشأ السَّحابُ بعضُه إلى بعضٍ، ثم مُطِروا حتى سالتْ مَثاعِبُ المدينةِ، فما زالتْ إلى الجمُعةِ المُقْبِلَةِ ما تُقْلِعُ، ثم قام ذلك الرجلُ أو غيرُه، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال: غرِقْنا، فادعُ ربَّك يحبِسْها عنا، فضحِك ثم قال: (اللهم حوالَينا ولا علينا)، مرتينِ أو ثلاثًا، فجعَل السَّحابُ يتصَدَّعُ عن المدينةِ يمينًا وشِمالًا، يُمطَرُ ما حوالَينا ولا يُمطِرُ منها شيءٌ، يُريهِمُ اللهُ كَرامَةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإجابةَ دعوتِهِ)، وهذه نعمة ظاهرةٌ أن أجاب الله دعاءه، وصدق دعواه بالمعجزة، وأنعم على النّاس بزوال الجدب، ولم يسجد رسول الله لأجل كلِّ ذلك، ولا أمرهم بالسّجود، فلو كان ذلك مسنوناً لم يتركه أو على أقل تقديرٍ لأمرهم بالسّجود، وأيضاً لأنّ من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان أن هداه للإسلام، وقد كانوا يُسلّمون على يدي النّبي عليه الصّلاة والسّلام وبعد وفاته عند صحابته، ولم يُنقل عن أحدٍ منهم أنّه أمر من أسلم بالسّجود، أو أنه سجد هو لإسلام شخصٍ على يديه مع علمه بعِظم أجر ذلك.
ذهب الإمام مالك إلى كراهة سجود الشّكر كما نُقل عن الحنفيّة، حيث سأله تلميذه ابن القاسم عن أنّ الرّجل يُبَشَّرُ ببشارة فيخرُّ ساجداً، فكَرِهَ مالك ذلك؛ وذلك لأنّه لم يرَ سجود الشّكر ممّا شُرِع في الدّين فرضاً ولا نفلاً، إذ لم يَأمر بذلك النّبي -عَلَيْهِ الصّلاة والسَّلَامُ- ولا فَعَله، ولا أجمع المُسلمون على فعله، ولا تُثبت الشّرائع أحد هذه الوجوه.
الإمام الشافعي
قال الإمام الشافعيّ في المذهب القديم إنّ سجود الشّكر مُستحبّ، وفي الجديد يرى أنّ سجود الشّكر سُنَّة، ويرى أصحاب الشافعيّ أنّه إذا أنعم الله تعالى على العبد نعمةً أو دفع عنه بليّةً فالمُستحبّ أن يسجد، واستدلّوا على قولهم بما رُوِي عن أبي بكر -رضي الله عنه- إذ قال: (إنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ)، وكذلك بما رُوي عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- حيث قال: (خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاتَّبعتُه حتَّى دخل نخلًا فسجد فأطال السُّجودَ حتَّى خِفتُ أو خَشيتُ أن يكونَ اللهُ قد توفَّاه أو قبضه قال فجِئتُ أنظرُ فرفعَ رأسَه فقال ما لك يا عبدَ الرَّحمنِ قال فذكرتُ ذلك له قال فقال إنَّ جبريلَ عليه السَّلامُ قال لي ألا أبشِّرُك إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ من صلَّى عليك صلَّيْتُ عليه ومن سلَّم عليك سلَّمْتُ عليه زاد في روايةٍ فسجدتُ للهِ شكرًا)، وإلى ذلك ذهب علماء الحنابلة في الرّاجح عندهم
كيفية السجود
وتتلخّص كيفيةُ سجود الشّكر؛ باستحضار النيّة أوّلاً، ويُستحبّ التلفّظ بها، والقيام في البداية، ثمّ تكبيرة الإحرام كالتي في بداية الصّلاة، ويُستحبّ رفع اليدَين معها، ثمّ تكبيرة أخرى للنزول للسجود دون رفع اليدين معها، وإن تم الاقتصار على تكبيرة الإحرام فقط جاز ذلك، ثمّ السّجود، ويُسنّ فيه قول: (اللَّهمَّ لَكَ سجدتُ، وبِكَ آمنتُ، ولَكَ أسلمتُ، اللَّهمَّ أنتَ ربِّي، سجدَ وجْهي للَّذي خلقَهُ وصوَّرَهُ وشقَّ سمعَهُ وبصرَهُ، تبارَكَ اللَّهُ أحسنُ الخالقينَ)، وقول: (اللَّهمَّ اكتُب لي بها عندَك أَجرًا، واجعَلها لي عندَك ذُخْرًا، وضع عَنِّي بها وِزرًا، واقبَلها منِّي كما تقبَّلتَ من عبدِك داودَ)، ثم التكبير والرفع من السجود، ثمّ التسليم، ويجب الترتيب بينهم، ولا يكونُ سجود الشّكر داخل الصّلاة، ولا يجوز قبل إتمامها ولو بحرفٍ، ولو فعلها المُصلّي عامداً تَبطلُ صلاته.
وقد تعدّدت آراء الفقهاء في اشتراط ما يُشترط لصّلاة النّافلة في سجود الشّكر؛ من الطّهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، وبيان آرائهم فيما يأتي: القول الأوّل: عدم اشتراطها لصحّة سجود الشّكر؛ وهو قول الحنابلة، والظّاهريّة، وبعض المالكيّة، وذلك لعدم ورود دليلٍ في الكتاب أو السنة أو الإجماع يدلّ على وجوب الطهارة وغيرها عند سجود الشكر، ولو كان ذلك واجباً لبيّنه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولم يرِد عنه ذلك، كما أنّ قياسه على سجود التلاوة لا يصحّ عندهم؛ لأنه لم يُنقل عن النبيّ أنّه تطهّر لسجود التلاوة ولم يأمر بذلك، ثم إن سبب سجود الشكر يكون مفاجئاً، وفي الوضوء له والتطهّر وغيرها يؤخّر السجود ويُذهب معنى الشّكر، وهذا يُقاس على الأذكار والتسابيح والحمد الذي يُفعل خارج الصلاة، فكلّ تلك الأمور لا تحتاج إلى وضوءٍ وطهارة. القول الثاني: اشتراط ما يُشترط لصلاة النّافلة لصحّة سجود الشّكر، وذهب إلى هذا القول الشّافعيّة، وبعض الحنفيّة، وبعض المالكيّة، وقال به أكثر الحنابلة، واعتبروا أنّ سجود الشّكر كالصلاة، فهي عبادة يُقصد بها التقرّب إلى الله -عزّ وجلّ-، فوجب لها ما يجب لصلاة النافلة من التطهّر والوضوء وستر العورة وغير ذلك.
فضائل سجود الشّكر عظيمةٌ، وهي فيما يأتي:
إنّ الشكر لله -عزّ وجلّ- هو مفتاحٌ لِكلّ الخيرات والبركات المُنزّلة منه -سبحانه- لعباده الشّاكرين؛ لقوله -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).
إنّ الشّكر لله -عزّ وجلّ- فيه دوام تعلّق العبد بربّه وقُربِه منه؛ بحيث يكون العبد محلّاً لأن يُنعم ويتفضّل الله -تعالى- عليه، يقول -تبارك وتعالى-: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
إنّ في سجود الشّكر لله -عزّ وجلّ- معانٍ ساميةٌ؛ منها اعتراف العبد لله -تعالى- بربوبيّته ووحدانيّتِه، وأنّه الإله الحقّ المستحقّ للعبادة، وأنّ الأمر منه وإليه، وبيده مقاليد كلّ شيءٍ.
إنّ في سجود الشّكر لله -عزّ وجلّ- تجلّي مكانة العبد عند ربّه -تعالى-؛ فيكون محلّاً لحفظه ورعايته وحمايته من كُلّ ما يواجهه من شرورٍ ومصائب؛ كالحسد، والبُغض، والكيد، والظّلم، أو حتّى من شرّ نفسه التي بين جنبَيه بأن يستعمل نعمه -تعالى- في معصيتِه، وهو المُنعم عليه.