رئيس التحرير
عصام كامل

مفاجآت "كان" نساء وعصابات

نظم مهرجان كان السينمائي الدولي دورة استثنائية سيذكرها التاريخ لما حفلت به من بصمات ومتغيرات ومفاجآت، فمع فرض اشتراطات صحية مشددة سمحت إدارة المهرجان بنزع الكمامات، ما جعل أجواء الفرح والبهجة تعود ثانية لأكبر مهرجان سينما في العالم، وشهدت عروض الأفلام إقبالا كثيفا حتى أن الجمهور رفع لافتات "بليز تذكرة" لأن جميع عروض الأفلام كاملة العدد، ولم يسجل المهرجان أكثر من 20 إصابة بالفيروس في ظل حضور عشرات الآلاف من الجمهور والضيوف، وهكذا انتصرت السينما تنظيما وبريقا وحضورا وتنوعا في الأفلام المختارة، التي تناول أغلبها موضوعات عائلية ونسائية.


حققت السينما المصرية انتصارا للعام الثاني على التوالي، بحصد فيلم "ريش" للمخرج عمر الزهيري، الجائزة الكبرى لمسابقة "أسبوع النقاد" المخصصة للأعمال الأولى لصناع السينما، و"ريش" هو أول فيلم عربي ينال الجائزة منذ تأسيسها قبل 60 عاما، متفوقا على أفلام من مختلف دول العالم.

"ريش" أول فيلم روائي طويل للمخرج عمر الزهيري، عن أم تعيش حياة روتينية رتيبة في بيتها لا تكاد تغادره، وذات يوم يحدث التغيير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، فأثناء الاحتفال بعيد ميلاد ابنهما الصغير، يخطئ الساحر في حيلته ويفشل فى إعادة الزوج لطبيعته، وهو الذي كان يدبر حياة الأسرة، فتضطر الزوجة لتحمل مسؤولية الأسرة ومحاولة استعادة الزوج، ومن خلال تغير قاس وعبثي تتكشف مشكلات المرأة المعيلة.. وسبق أن نال الفيلم المصري "ستاشر" للمخرج سامح علاء جائزة "السعفة الذهبية" لأفضل فيلم قصير العام الماضي.

هيمنة نسائية
جائزة عربية أخرى نالتها المخرجة الفرنسية من أصل تونسي حفصية حرزي في مسابقة "نظرة ما"، عن فيلم "الأم الرائعة"، المستوحى من قصة أمها وكفاحها في مدينة مارسيليا، وهي قصة تتكرر بين كثير من المهاجرين العرب، ومعاناة الأم العازبة لتدبير معيشة أسرتها وهي تتنقل بين صعوبات الحياة اليومية دون أن تستسلم أو ترتاح.

لم تكن حفصية حرزي، المرأة الوحيدة الفائزة في "كان"، بل أتت المفاجأة الكبرى بتتويج المخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو بأهم الجوائز "السعفة الذهبية" عن فيلم "تيتان" لتصبح ثاني امرأة تفوز بالجائزة في تاريخ المهرجان، بعد جين كامبيون، التي نالتها سنة 1993 عن فيلم "ذي بيانو". جوليا دوكورنو، كانت أصغر متنافسة في المسابقة الرسمية للمهرجان، وفيلمها ينطوي على أكبر قدر من العنف والسوداوية بين الأفلام المتنافسة، وهي تشير إلى ميلها لنوعية أفلام "تسبر أغوار مخاوف الإنسان ورغباته".

وتركت جوليا دوكورنو أثرا في "كان" بفيلمها الأول "رو"، عن قصة طالبة طب بيطري تتحول إلى آكلة لحوم البشر، واعترفت المخرجة الفرنسية "أحد أهدافي دائما إدخال الأفلام الغريبة إلى مهرجانات كبيرة تتوجّه للعامة".. وفيلم "تيتان" الفائز بالسعفة الذهبية، يبدأ بحادث سير تتعرض له طفلة، فيما كان والدها يقود السيارة. وكادت أن تموت لولا قطعة "تيتانيوم" أُدخلت إلى دماغها، وتكبر الفتاة وفي جسدها كتلة معدنية تنمو معها.

تتويج الفرنسية جوليا دوكورنو بالسعفة الذهبية، ينم عن انفتاح المهرجان على أفلام النساء وتكريم أصغر مخرجة رغم عنف وسوداوية طرحها.
جوليا دوكورنو كانت واحدة من أربع مخرجات في المسابقة الرسمية، بينهن كاثرين كورزيني، صاحبة فيلم "كسر"، الذي ينتقد السياسة الفرنسية، عبر تسليط الضوء على أصحاب "السترات الصفراء"، أكثر المعارضين حضورا في السنوات الأخيرة في باريس، مع كشف الوجه المظلم للمستشفيات الفرنسية.

الهيمنة النسائية تجلت حتى في أفلام المخرجين الرجال، فالشخصية المحورية في أفلامهم امرأة والأحداث تدور حولها، مثل فيلم الافتتاح "آنيت" للفرنسي ليوس كاراكس، عن مغنية أوبرا جسدتها ماريون كوتيار، تعصف بموهبتها ثم بحياتها، الغيرة الزوجية والنزعة الذكورية المتسلطة..

ثم فيلم "أسوأ رجل في العالم" للنرويجي جوهاكيم ترير، وتألقت فيه رينات رينسفي في دور خريجة طب تحلم بأن تصبح فنانة مصورة، تعاني أزمة وجودية تواجهها غالبية النساء، وهي أزمة ناقشها أيضا الفيلم الأميركي "يوم العلم" للنجم شون بن، من خلال شخصية أدتها ابنته ديلان بن، وفي الفيلم العائلي "ثلاثة طوابق"، للمخرج الإيطالي ناني موريتي، تدور الأحداث حول شخصيتين نسويتين محوريتين، وكانت العائلة والسياسة محور فيلم "البطل" للمخرج الإيراني أصغر فرهادي، الذي يسعى من خلاله إلى تعزيز وعي الشعب كي يتخلص مما يعانيه في ظل حكم الملالي.

النضال شعار المهرجان
وعاد المخرج الإسرائيلي آري فولمان، إلى الحرب العالمية الثانية، اعتمادا على مذكرات آن فرانك (اليهودية التي قضت في معسكرات الإبادة النازية)، ليعقد مقارنة بين مصير اليهود في أوروبا الأربعينات مع تراجيديا اللاجئين المسلمين حاليا في البلاد نفسها.

الانتصار لحقوق المرأة تناوله فيلم "الروابط المقدسة" للمخرج محمد صالح هارون، من خلال شخصية الممثلة التشادية أشواق أباكار، بينما تدور أحداث فيلم "أولمبياد" للفرنسي جاك أوديار، حول ثلاث شخصيات نسائية مميزة.

وتنوعت مضامين بقية الأفلام بين الموت الرحيم، فرق الغناء الشبابية، عنصرية أوروبا تجاه المهاجرين، والأجواء الكوميدية والموسيقية التي لا تخلو من تحديات.. ولا يمكن إغفال بصمة النساء في حفلي الافتتاح والختام، حيث توجت في الافتتاح نجمة هوليوود جودي فوستر، بجائزة "سعفة ذهبية" فخرية عن مجمل مسيرتها الناجحة، وكانت نجمة الحفل بلا منازع، وقالت عند استلامها الجائزة "في هذا العام الانتقالي، كانت السينما طوق نجاتي، بعدما أمضى الكثير منا السنة الماضية في عزلة، بينما واجه آخرون معاناة وألم وخوف قاتل، وها نحن أخيراً، مجتمعين بملابسنا الجميلة وقد اشتقنا إلى البريق".

وفي حفل الختام تألقت نجمة هوليوود شارون ستون، عند إعلانها وتسليمها جائزة "السعفة الذهبية" للمخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو.

بصمة أخرى تركها المخرج الأميركي سبايك لي، وهو أول سينمائي من أصول أفريقية يترأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لمهرجان "كان"، واختار سبايك لي "النضال" شعارا لدورة المهرجان مطلقاً صرخة من أجل حقوق السود، واعتمر خلال مؤتمر صحافي قبعة سوداء عليها الرقم "1619"، إشارة إلى سنة وصول طلائع العبيد إلى الولايات المتحدة، وتطرق سبايك لي إلى مصير ذوي البشرة السمراء في الولايات المتحدة، باعتباره صلب التزامه السياسي والفني الذي لم يكفّ عن استكشافه في أفلامه، وقال "كان يمكن أن يُخيل لنا أن ملاحقة ذوي البشرة السمراء مثل الحيوانات توقفت، لكن ضحايا عنف الشرطة في الولايات المتحدة تتساقط مثل إريك غاردنر وجورج فلويد".

صدم سبايك لي، الحضور بقوله "هذا العالم يحكمه رجال العصابات"، مشيراً بشكل خاص إلى رئيسي روسيا فلاديمير بوتين والبرازيل جايير بولسونارو، وأكد على كلامه عضو لجنة التحكيم المخرج البرازيلي كليبر ميندونسا فيليو، عند حديثه عن الوضع السياسي في بلده، بينما ركزت عضو لجنة التحكيم الممثلة ماغي غيلنهال في كلمتها على مكانة المرأة في السينما وما يمكنها أن تضيفه، فيما تناولت زميلتها في اللجنة الفرنسية ميلاني لوران القضايا البيئية.

لجنة التحكيم الاستثنائية في أسمائها عكست توجهاتها وأفكارها غير التقليدية في اختيار الفائزين بجوائز المسابقة الرسمية التي شكلت مفاجأة في أغلبها.

الجريدة الرسمية