وطن مصلوب فوق حائط الأطماع .. ميشال عون «جنرال المتناقضات» يقود لبنان إلى الفراغ
تعانى لبنان من
أزمة سياسية حادة وتشير أصابع الاتهام هذه المرة إلى الرئيس ميشال عون، ودوره فى عرقلة أي
توافق محتمل لخروج الدولة من أزمتها قبل الانفجار.
وأعلن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، أمس الخميس، من القصر الرئاسي اعتذاره عن عدم تشكيل حكومة جديدة في لبنان، بعد تسعة أشهر من تسميته، في خطوة من شأنها أن تعمق معاناة البلاد الغارقة في أسوأ أزماتها الاقتصادية.
اعتذار الحريري
وقال سعد الحريري، عقب لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، فى مؤتمر صحفى، إن الرئيس طلب تعديلات على الصيغة الحكومية التي اقترحها عليه، الأربعاء، ونقل عنه قوله: لن نتمكن من أن نتوافق ، وتابع ، لذلك قدمت اعتذاري عن تشكيل الحكومة وليعن الله البلد.
وقال الحريري مساء الخميس، في حديث لقناة "الجديد"، إن اعتذاره كان عن تشكيل "حكومة ميشال عون"، وأضاف أن رئيس الجمهورية "مستمتع بالفراغ، وإذا أراد أن يستمر به لنهاية عهده فهذا قراره"، مشيراً إلى أن "مشكلة لبنان هي ميشال عون"، وأكد الحريري أنه لن يسمي مرشحاً لرئاسة الحكومة، ولكن لن نعطل ولن نوقف البلد.
طموح الجنرال
وميشال عون أو "الجنرال" كما يصفه أتباعه، رجل طموحه يلامس حد الهوس طوال عمره لم يتخل عن حلمه، قائد أسبق للجيش وسياسي لبناني، وعن عمر ناهز 81 عاما، أصبح الرئيس 13 للجمهورية اللبنانية، بعد أن تم انتخابه في 31 أكتوبر 2016 لولاية مدتها ست سنوات.
ميشال عون، لاعب أساسي في حقبة نهاية الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، واعتبر بطل الكفاح ضد مرحلة الوصاية السورية حتى عودته من المنفى عام 2005، هو أيضا مهندس التحالفات الخارجة عن المألوف إثر مواقفه السياسية التي تلت عودته والتي ربطته بحلفاء سوريا وعلى رأسهم حزب الله، ميشال عون أثبت ومنذ عقود أنه شخصية لا يمكن فصلها عن المشهد السياسي اللبناني ومازال يثبت ذلك بعد انتخابه رئيسا للجمهورية.
ميشال عون بالنسبة لمؤيديه ومناصريه، هو بطل السيادة اللبنانية، في المقابل، يسخر منه خصومه على اعتباره زعيما شعبويا، لكن الجنرال السابق كان واثقا من انتخابه رئيسا للبنان بعد أن كان هذا المنصب، المخصص تاريخيا للموارنة، شاغرا منذ مايو 2014.
التمسك بالفرصة
أصر عون على رفضه التخلي عن هذه الفرصة هذه المرة، وليس مثلما حدث عام 2008 حين قام الجنرال بالتنازل لصالح ميشال سليمان الرئيس التوافقي. لكنه وبانتخابه رئيسا أصبح يدين للعديد من خصومه السياسيين الذين تنازلوا له وغيّروا مواقفهم لصالحه، أمر بات يعتبر اعتياديا في السياسة الداخلية اللبنانية.
حياته وتاريخه
عون متزوج من نادية الشامي وله منها ثلاث بنات "ميراي وكلودين وشانتال" ولد عام 1935، قبل استقلال بلاده عام 1943، وتمكن عبر انتخابه من الثأر من التاريخ والعودة منتصرا إلى القصر الرئاسي في بعبدا، هذا القصر الذي طرد منه في أكتوبر 1990 على يد الجيش السوري عندما كان رئيسا لحكومة عسكرية، واقعة أجبرته على العيش 15 عاما في المنفى الفرنسي قبل أن يعود إلى لبنان عام 2005 ويفرض نفسه مجددا كزعيم لإحدى أبرز القوى السياسية المسيحية في بلده.
ولد ميشال عون وترعرع في عائلة مارونية متوسطة الحال في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. أنهى دراسته الثانوية في مدرسة "الفرير أو الأخوة" عام 1955، مدرسة اعتاد ارتيادها أبناء الطبقة البرجوازية في بيروت، وتميز بمستواه العالي في اللغة العربية، انضم إلى الأكاديمية العسكرية كضابط متمرن وتخرج منها بعد ثلاث سنوات كضابط مدفعية في الجيش اللبناني.
تسلق بحركته السياسية، سلم الطبقات الاجتماعية عندما كرس حياته المهنية للسلك العسكري، خلال تدرجه في المؤسسة العسكرية، أبهر عون مدربيه، تخصص في سلاح المدفعية، وتم إرساله ضمن بعثات خارجية، خاصة إلى فرنسا والولايات المتحدة، لاستكمال تدريبه.
الحرب الأهلية
بعد تدرجه في السلك العسكري وخدمته في العديد من المناطق اللبنانية، ومع اشتداد وتيرة الحرب الأهلية اللبنانية، عين ميشال عون عام 1983 قائدا للواء الثامن في الجيش اللبناني. وقام مع مجموعته بصد هجوم ميليشيا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وميليشيات أخرى موالية للنظام السوري في منطقة سوق الغرب المطلة على كامل بيروت الجنوبية، والتي إن سقطت كانت ستهدد وجود الدولة اللبنانية.
قيادة الجيش اللبناني
إنجاز عسكري مكنه فى عمر 49 عاما من أن يعين قائدا للجيش اللبناني، ليصبح بذلك أصغر ضابط يتولى هذا المنصب في تاريخ الجمهورية اللبنانية. ظروف الحرب الصعبة المرافقة لتوليه هذا المنصب دفعته إلى تعزيز ما تبقى من مواقع للجيش اللبناني في المناطق المحايدة. كل ذلك، في بلد يعيش تحت رحمة الميليشيات وتحت احتلال جيشين أجنبيين إسرائيل وسوريا.
في 22 سبتمبر عام 1988، قام الرئيس المنتهية ولايته أمين الجميل بحل حكومة سليم الحص وعين مكانها حكومة عسكرية برئاسة ميشال عون من ست وزراء، ثلاثة وزراء مسيحيين وثلاثة مسلمين. ومدعوما من سوريا، أعلن الحص أن هذه القرارات غير شرعية، وبالتالي أصبح للبنان حكومتان واحدة مدنية مكونة من غالبية مسلمة في غرب بيروت والأخرى مكونة من غالبية مسيحية في شرق بيروت.
أخذ عون على عاتقه، وعلى اعتبار أنه رمز الشرعية الأخير في لبنان، مهمة إنقاذ لبنان وإخراج القوات السورية منه. رفض انتخاب رئيس للجمهورية معتبرا أن بلاده محتلة من قبل قوات أجنبية. مواقفه الوطنية والسيادية وملابسه العسكرية المموهة والقبعة العسكرية "البيرية" التي حرص على ارتدائها عند كل إطلالة له، أكسبته شعبية كبيرة في صفوف المسيحيين وحتى في مناطق سيطرة القوات السورية.
لكن وفي غضون عامين، انتقل عون من موقع الدفاع إلى الهجوم وذلك بخوضه، من قصر بعبدا، معركتين لا يمكن الفوز بهما نظرا لطبيعتهما التي تصنف "انتحارا" من وجهة النظر العسكرية، الأولى عام 1989 التي سميت "حرب التحرير" ضد القوات السورية المتواجدة على الأراضي اللبنانية. "حرب التحرير" استمرت 6 أشهر إلى أن قامت القوات السورية في 14 مارس 1989 بالهجوم على قصر بعبدا ووزارة الدفاع.
تحالف الدم
اعتمد الجنرال على جزء من الجيش اللبناني، إضافة إلى دعم ميليشيا القوات اللبنانية، التي كان يرأسها سمير جعجع، وحزب الوطنيين الأحرار، الذي كان يرأسه داني شمعون، وتلقى عون الدعم أيضا من الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين.
ومع أن أهداف المعركة كانت نبيلة ومحقة، إلا أن نتائجها المدمرة ونقص الموارد والدعم الدولي أدى في النهاية إلى بسط سيطرة نظام حافظ الأسد على لبنان من خلال طبقة من السياسيين اللبنانيين التابعين لدمشق.
حرب الإلغاء
الحرب الثانية بدأت عام 1990 وسميت بـ"حرب الإلغاء" وقعت بين المسيحيين، حيث اصطدم الجيش اللبناني بقيادة ميشال عون بميليشيا القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع بعد أن قرر عون نزع سلاح الميليشيات داخل المناطق المحررة، ما أدى إلى نزوح جماعي كثيف للمسيحيين اللبنانيين، اعتبر الأكبر منذ بداية الحرب الأهلية عام 1975.
وحيدا في ملجأ قصر بعبدا الرئاسي، عارض عون اتفاق الطائف (وقع في مدينة الطائف السعودية عام 1989) الذي سعى لإنهاء الحرب الأهلية، متهما كل من وافق عليه بالخيانة والخضوع للإملاءات السورية، ولاحقا، اتضح أن هذا الاتفاق جرد منصب رئيس الجمهورية من غالبية صلاحياته.
الضعف والعزل
خرج ميشال عون من المعركتين ضعيفا عسكريا ومعزولا دوليا، ووقع خارج الخارطة السياسية الأمريكية، التي قامت بمكافأة سوريا لانضمامها إلى التحالف الدولي ضد صدام حسين في حرب الخليج الأولى، عبر إعطائها الضوء الأخضر باقتحام المناطق المسيحية وبالتالي إطلاق يدها في لبنان.
وفي 13 أكتوبر 1990، شن الجيش السوري هجوما عنيفا على قصر بعبدا الرئاسي، أمر أجبر الجنرال ميشال عون على التفاوض على شروط الاستسلام واللجوء إلى السفارة الفرنسية لدي لبنان، ومكث عون في السفارة 11 شهرا قبل أن يتوجه إلى المنفى في فرنسا حيث سيبقى لمدة 15 سنة.
بعده جغرافيا عن لبنان، لم يتسبب فى تراجع شعبية "الجنرال" رغم المحاولات السورية لتهميش المسيحيين وحرمانهم من زعيم مستقل، وحافظ على تواصله مع أنصاره وقام بتأسيس "التيار الوطني الحر"، وهو حزب سيادي ناضل من أجل خروج 35 ألف جندي سوري من لبنان.
عام 2001 تغير الوضع الإقليمي مع إعلان الولايات المتحدة بقيادة جورج بوش الابن الحرب على الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر، وتعيين بشار الأسد خلفا لوالده الراحل حافظ وتصنيف سوريا ضمن دول محور الشر، كل هذه المعطيات الجديدة دفعت "بالجنرال" إلى الخروج عن صمته، وشهد عام 2003 أمام الكونجرس الأمريكي ضد النظام السوري، الذي خضع لاحقا لعقوبات اندرجت تحت ما سمي بقانون محاسبة سوريا.
لعب ميشال عون دورا أساسيا في تبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عام 2004، القرار 1559 الذي يقضي بانسحاب القوات السورية من لبنان، مطلب تحقق في أبريل 2005 بفعل المظاهرات الضخمة التي شهدتها العاصمة بيروت عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وفتح الطريق أمام عودة مظفرة لميشال عون إلى لبنان، ولكن هذه المرة بملابس مدنية.
تحالف أعداء الأمس
بعد صدور العفو عنه من قبل القضاء اللبناني، عاد ميشال عون في مايو 2005 إلى بيروت للمشاركة في الانتخابات التشريعية، لكنه فشل في الاتفاق مع التحالف الجديد المناهض لسوريا على تقاسم الكعكة الانتخابية، وبخطوة براجماتية، تحالف عون مع أعداء الأمس، أي الموالين لسوريا، تحت ذريعة طي صفحة الماضي وانتهاء الاحتلال السوري. خطوة أثارت حينذاك إرباكا كبيرا لدى العديد من مؤيديه.
أثبتت حسابات عون صحتها بفوزه في الانتخابات التشريعية من خلال تبنيه برنامجا يناهض الفساد ويدعو لإصلاح سياسي، وأصبح يشكل بتياره وتحالفاته قوة سياسية كبيرة على المستوى الوطني وصاحب تمثيل كبير للسياسة المسيحية.
في فبراير 2006، وقع عون "ورقة تفاهم" مع حزب الله الشيعي، الحليف القوي لسوريا وإيران ، هذا التحالف السياسي بين القوتين السياسيتين ومناصريهما، سمح له بقلب الطاولة وتغيير المشهد السياسي اللبناني، وإحباط مخططات الأغلبية الحاكمة بقيادة السني سعد الحريري.
خصومه السياسيين باتوا يتهمونه بتوفير غطاء مسيحي لتيار سياسي-عسكري موالي لإيران -حزب الله-.
زيارة إيران وسوريا
زار عون طهران والتقى الرئيس الإيراني حينها محمود أحمدي نجاد، كما زار دمشق حيث ظهرت أغلب صوره مع الرئيس السوري بشار الأسد لتؤكد سعيه للترشح للانتخابات الرئاسية عام 2008 بدعم من حزب الله. ولكن في ظل عدم وجود اتفاق سياسي على اسم عون، تم انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بعد اتفاق الدوحة عام 2008.
عام 2009، منحت الانتخابات التشريعية التيار الوطني الحر 27 نائبا في البرلمان اللبناني، في نوفمبر من العام نفسه، وبعد ضغوط سياسية شديدة مارسها عون شخصيا عبر رفض المشاركة في الحكومة بعدد وزراء أقل من العام 2008، رضخ سعد الحريري للضغوط. فسمى التيار الوطني الحر 3 وزراء تسلموا حقائب الاتصالات والطاقة والسياحة.
خلافة ميشال سليمان
عام 2014 مع اشتداد المعارك في سوريا وازدياد الانقسام بين مختلف التيارات السياسية اللبنانية حولها، وصلت ولاية ميشال سليمان إلى نهايتها، وكان ميشال عون الاسم الأبرز المرشح لخلافة ميشال سليمان، رغم شعبيته الكبيرة حال رفض خصومه دون انتخابه رئيسا. عون الذي يعتبر نفسه مرشحا تلقائيا لهذا المنصب كونه الممثل الشرعي لغالبية المسيحيين، استمر، مع حلفائه، بعرقلة جلسات انتخاب الرئيس في البرلمان اللبناني. عرقلة استمرت جلسة بعد أخرى، رفض خلالها نواب عون وحلفاؤه الحضور والتصويت، ما أدى إلى تفاقم المأزق.
وفي يناير 2016 قام سمير جعجع أحد الزعماء المسيحيين المرشحين أيضا لرئاسة الجمهورية، بدعم ترشيح خصمه القديم ميشال عون إلى الرئاسة، ما أعاد طرح اسم عون كمرشح لمنصب الرئيس.
لم يبق أمام عون سوى عقبة واحدة لوصوله إلى الكرسي الرئاسي، مصدرها الطائفة السنية هذه المرة، عقبة رفعت قبل أيام معدودة عندما أعلن سعد الحريري دعمه لترشيح عون، لفتح الطريق أمام عون إلى قصر بعبدا، رغم تحالف الأخير مع حزب الله المشتبه به فى اغتيال والده، ، ومنذ وقتها تشهد لبنان فى عهد الجنرال لعبة القط والفار ويبدو أن هذه المرة سوف تحمل سيناريوهات غير مبشرة للجنرال تعيده لزمن العزلة والطرد من قصر بعبدا بتعلميات غربية بعدما ظهرت فرنسا المحتل القديم للبلاد وتمارس دور الوصاية خشية انجرار المستعمرة السابقة لحرب أهلية تحرق الأخضر واليابس.
وأعلن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، أمس الخميس، من القصر الرئاسي اعتذاره عن عدم تشكيل حكومة جديدة في لبنان، بعد تسعة أشهر من تسميته، في خطوة من شأنها أن تعمق معاناة البلاد الغارقة في أسوأ أزماتها الاقتصادية.
اعتذار الحريري
وقال سعد الحريري، عقب لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، فى مؤتمر صحفى، إن الرئيس طلب تعديلات على الصيغة الحكومية التي اقترحها عليه، الأربعاء، ونقل عنه قوله: لن نتمكن من أن نتوافق ، وتابع ، لذلك قدمت اعتذاري عن تشكيل الحكومة وليعن الله البلد.
وقال الحريري مساء الخميس، في حديث لقناة "الجديد"، إن اعتذاره كان عن تشكيل "حكومة ميشال عون"، وأضاف أن رئيس الجمهورية "مستمتع بالفراغ، وإذا أراد أن يستمر به لنهاية عهده فهذا قراره"، مشيراً إلى أن "مشكلة لبنان هي ميشال عون"، وأكد الحريري أنه لن يسمي مرشحاً لرئاسة الحكومة، ولكن لن نعطل ولن نوقف البلد.
طموح الجنرال
وميشال عون أو "الجنرال" كما يصفه أتباعه، رجل طموحه يلامس حد الهوس طوال عمره لم يتخل عن حلمه، قائد أسبق للجيش وسياسي لبناني، وعن عمر ناهز 81 عاما، أصبح الرئيس 13 للجمهورية اللبنانية، بعد أن تم انتخابه في 31 أكتوبر 2016 لولاية مدتها ست سنوات.
ميشال عون، لاعب أساسي في حقبة نهاية الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، واعتبر بطل الكفاح ضد مرحلة الوصاية السورية حتى عودته من المنفى عام 2005، هو أيضا مهندس التحالفات الخارجة عن المألوف إثر مواقفه السياسية التي تلت عودته والتي ربطته بحلفاء سوريا وعلى رأسهم حزب الله، ميشال عون أثبت ومنذ عقود أنه شخصية لا يمكن فصلها عن المشهد السياسي اللبناني ومازال يثبت ذلك بعد انتخابه رئيسا للجمهورية.
ميشال عون بالنسبة لمؤيديه ومناصريه، هو بطل السيادة اللبنانية، في المقابل، يسخر منه خصومه على اعتباره زعيما شعبويا، لكن الجنرال السابق كان واثقا من انتخابه رئيسا للبنان بعد أن كان هذا المنصب، المخصص تاريخيا للموارنة، شاغرا منذ مايو 2014.
التمسك بالفرصة
أصر عون على رفضه التخلي عن هذه الفرصة هذه المرة، وليس مثلما حدث عام 2008 حين قام الجنرال بالتنازل لصالح ميشال سليمان الرئيس التوافقي. لكنه وبانتخابه رئيسا أصبح يدين للعديد من خصومه السياسيين الذين تنازلوا له وغيّروا مواقفهم لصالحه، أمر بات يعتبر اعتياديا في السياسة الداخلية اللبنانية.
حياته وتاريخه
عون متزوج من نادية الشامي وله منها ثلاث بنات "ميراي وكلودين وشانتال" ولد عام 1935، قبل استقلال بلاده عام 1943، وتمكن عبر انتخابه من الثأر من التاريخ والعودة منتصرا إلى القصر الرئاسي في بعبدا، هذا القصر الذي طرد منه في أكتوبر 1990 على يد الجيش السوري عندما كان رئيسا لحكومة عسكرية، واقعة أجبرته على العيش 15 عاما في المنفى الفرنسي قبل أن يعود إلى لبنان عام 2005 ويفرض نفسه مجددا كزعيم لإحدى أبرز القوى السياسية المسيحية في بلده.
ولد ميشال عون وترعرع في عائلة مارونية متوسطة الحال في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. أنهى دراسته الثانوية في مدرسة "الفرير أو الأخوة" عام 1955، مدرسة اعتاد ارتيادها أبناء الطبقة البرجوازية في بيروت، وتميز بمستواه العالي في اللغة العربية، انضم إلى الأكاديمية العسكرية كضابط متمرن وتخرج منها بعد ثلاث سنوات كضابط مدفعية في الجيش اللبناني.
تسلق بحركته السياسية، سلم الطبقات الاجتماعية عندما كرس حياته المهنية للسلك العسكري، خلال تدرجه في المؤسسة العسكرية، أبهر عون مدربيه، تخصص في سلاح المدفعية، وتم إرساله ضمن بعثات خارجية، خاصة إلى فرنسا والولايات المتحدة، لاستكمال تدريبه.
الحرب الأهلية
بعد تدرجه في السلك العسكري وخدمته في العديد من المناطق اللبنانية، ومع اشتداد وتيرة الحرب الأهلية اللبنانية، عين ميشال عون عام 1983 قائدا للواء الثامن في الجيش اللبناني. وقام مع مجموعته بصد هجوم ميليشيا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وميليشيات أخرى موالية للنظام السوري في منطقة سوق الغرب المطلة على كامل بيروت الجنوبية، والتي إن سقطت كانت ستهدد وجود الدولة اللبنانية.
قيادة الجيش اللبناني
إنجاز عسكري مكنه فى عمر 49 عاما من أن يعين قائدا للجيش اللبناني، ليصبح بذلك أصغر ضابط يتولى هذا المنصب في تاريخ الجمهورية اللبنانية. ظروف الحرب الصعبة المرافقة لتوليه هذا المنصب دفعته إلى تعزيز ما تبقى من مواقع للجيش اللبناني في المناطق المحايدة. كل ذلك، في بلد يعيش تحت رحمة الميليشيات وتحت احتلال جيشين أجنبيين إسرائيل وسوريا.
في 22 سبتمبر عام 1988، قام الرئيس المنتهية ولايته أمين الجميل بحل حكومة سليم الحص وعين مكانها حكومة عسكرية برئاسة ميشال عون من ست وزراء، ثلاثة وزراء مسيحيين وثلاثة مسلمين. ومدعوما من سوريا، أعلن الحص أن هذه القرارات غير شرعية، وبالتالي أصبح للبنان حكومتان واحدة مدنية مكونة من غالبية مسلمة في غرب بيروت والأخرى مكونة من غالبية مسيحية في شرق بيروت.
أخذ عون على عاتقه، وعلى اعتبار أنه رمز الشرعية الأخير في لبنان، مهمة إنقاذ لبنان وإخراج القوات السورية منه. رفض انتخاب رئيس للجمهورية معتبرا أن بلاده محتلة من قبل قوات أجنبية. مواقفه الوطنية والسيادية وملابسه العسكرية المموهة والقبعة العسكرية "البيرية" التي حرص على ارتدائها عند كل إطلالة له، أكسبته شعبية كبيرة في صفوف المسيحيين وحتى في مناطق سيطرة القوات السورية.
لكن وفي غضون عامين، انتقل عون من موقع الدفاع إلى الهجوم وذلك بخوضه، من قصر بعبدا، معركتين لا يمكن الفوز بهما نظرا لطبيعتهما التي تصنف "انتحارا" من وجهة النظر العسكرية، الأولى عام 1989 التي سميت "حرب التحرير" ضد القوات السورية المتواجدة على الأراضي اللبنانية. "حرب التحرير" استمرت 6 أشهر إلى أن قامت القوات السورية في 14 مارس 1989 بالهجوم على قصر بعبدا ووزارة الدفاع.
تحالف الدم
اعتمد الجنرال على جزء من الجيش اللبناني، إضافة إلى دعم ميليشيا القوات اللبنانية، التي كان يرأسها سمير جعجع، وحزب الوطنيين الأحرار، الذي كان يرأسه داني شمعون، وتلقى عون الدعم أيضا من الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين.
ومع أن أهداف المعركة كانت نبيلة ومحقة، إلا أن نتائجها المدمرة ونقص الموارد والدعم الدولي أدى في النهاية إلى بسط سيطرة نظام حافظ الأسد على لبنان من خلال طبقة من السياسيين اللبنانيين التابعين لدمشق.
حرب الإلغاء
الحرب الثانية بدأت عام 1990 وسميت بـ"حرب الإلغاء" وقعت بين المسيحيين، حيث اصطدم الجيش اللبناني بقيادة ميشال عون بميليشيا القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع بعد أن قرر عون نزع سلاح الميليشيات داخل المناطق المحررة، ما أدى إلى نزوح جماعي كثيف للمسيحيين اللبنانيين، اعتبر الأكبر منذ بداية الحرب الأهلية عام 1975.
وحيدا في ملجأ قصر بعبدا الرئاسي، عارض عون اتفاق الطائف (وقع في مدينة الطائف السعودية عام 1989) الذي سعى لإنهاء الحرب الأهلية، متهما كل من وافق عليه بالخيانة والخضوع للإملاءات السورية، ولاحقا، اتضح أن هذا الاتفاق جرد منصب رئيس الجمهورية من غالبية صلاحياته.
الضعف والعزل
خرج ميشال عون من المعركتين ضعيفا عسكريا ومعزولا دوليا، ووقع خارج الخارطة السياسية الأمريكية، التي قامت بمكافأة سوريا لانضمامها إلى التحالف الدولي ضد صدام حسين في حرب الخليج الأولى، عبر إعطائها الضوء الأخضر باقتحام المناطق المسيحية وبالتالي إطلاق يدها في لبنان.
وفي 13 أكتوبر 1990، شن الجيش السوري هجوما عنيفا على قصر بعبدا الرئاسي، أمر أجبر الجنرال ميشال عون على التفاوض على شروط الاستسلام واللجوء إلى السفارة الفرنسية لدي لبنان، ومكث عون في السفارة 11 شهرا قبل أن يتوجه إلى المنفى في فرنسا حيث سيبقى لمدة 15 سنة.
بعده جغرافيا عن لبنان، لم يتسبب فى تراجع شعبية "الجنرال" رغم المحاولات السورية لتهميش المسيحيين وحرمانهم من زعيم مستقل، وحافظ على تواصله مع أنصاره وقام بتأسيس "التيار الوطني الحر"، وهو حزب سيادي ناضل من أجل خروج 35 ألف جندي سوري من لبنان.
عام 2001 تغير الوضع الإقليمي مع إعلان الولايات المتحدة بقيادة جورج بوش الابن الحرب على الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر، وتعيين بشار الأسد خلفا لوالده الراحل حافظ وتصنيف سوريا ضمن دول محور الشر، كل هذه المعطيات الجديدة دفعت "بالجنرال" إلى الخروج عن صمته، وشهد عام 2003 أمام الكونجرس الأمريكي ضد النظام السوري، الذي خضع لاحقا لعقوبات اندرجت تحت ما سمي بقانون محاسبة سوريا.
لعب ميشال عون دورا أساسيا في تبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عام 2004، القرار 1559 الذي يقضي بانسحاب القوات السورية من لبنان، مطلب تحقق في أبريل 2005 بفعل المظاهرات الضخمة التي شهدتها العاصمة بيروت عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وفتح الطريق أمام عودة مظفرة لميشال عون إلى لبنان، ولكن هذه المرة بملابس مدنية.
تحالف أعداء الأمس
بعد صدور العفو عنه من قبل القضاء اللبناني، عاد ميشال عون في مايو 2005 إلى بيروت للمشاركة في الانتخابات التشريعية، لكنه فشل في الاتفاق مع التحالف الجديد المناهض لسوريا على تقاسم الكعكة الانتخابية، وبخطوة براجماتية، تحالف عون مع أعداء الأمس، أي الموالين لسوريا، تحت ذريعة طي صفحة الماضي وانتهاء الاحتلال السوري. خطوة أثارت حينذاك إرباكا كبيرا لدى العديد من مؤيديه.
أثبتت حسابات عون صحتها بفوزه في الانتخابات التشريعية من خلال تبنيه برنامجا يناهض الفساد ويدعو لإصلاح سياسي، وأصبح يشكل بتياره وتحالفاته قوة سياسية كبيرة على المستوى الوطني وصاحب تمثيل كبير للسياسة المسيحية.
في فبراير 2006، وقع عون "ورقة تفاهم" مع حزب الله الشيعي، الحليف القوي لسوريا وإيران ، هذا التحالف السياسي بين القوتين السياسيتين ومناصريهما، سمح له بقلب الطاولة وتغيير المشهد السياسي اللبناني، وإحباط مخططات الأغلبية الحاكمة بقيادة السني سعد الحريري.
خصومه السياسيين باتوا يتهمونه بتوفير غطاء مسيحي لتيار سياسي-عسكري موالي لإيران -حزب الله-.
زيارة إيران وسوريا
زار عون طهران والتقى الرئيس الإيراني حينها محمود أحمدي نجاد، كما زار دمشق حيث ظهرت أغلب صوره مع الرئيس السوري بشار الأسد لتؤكد سعيه للترشح للانتخابات الرئاسية عام 2008 بدعم من حزب الله. ولكن في ظل عدم وجود اتفاق سياسي على اسم عون، تم انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بعد اتفاق الدوحة عام 2008.
عام 2009، منحت الانتخابات التشريعية التيار الوطني الحر 27 نائبا في البرلمان اللبناني، في نوفمبر من العام نفسه، وبعد ضغوط سياسية شديدة مارسها عون شخصيا عبر رفض المشاركة في الحكومة بعدد وزراء أقل من العام 2008، رضخ سعد الحريري للضغوط. فسمى التيار الوطني الحر 3 وزراء تسلموا حقائب الاتصالات والطاقة والسياحة.
خلافة ميشال سليمان
عام 2014 مع اشتداد المعارك في سوريا وازدياد الانقسام بين مختلف التيارات السياسية اللبنانية حولها، وصلت ولاية ميشال سليمان إلى نهايتها، وكان ميشال عون الاسم الأبرز المرشح لخلافة ميشال سليمان، رغم شعبيته الكبيرة حال رفض خصومه دون انتخابه رئيسا. عون الذي يعتبر نفسه مرشحا تلقائيا لهذا المنصب كونه الممثل الشرعي لغالبية المسيحيين، استمر، مع حلفائه، بعرقلة جلسات انتخاب الرئيس في البرلمان اللبناني. عرقلة استمرت جلسة بعد أخرى، رفض خلالها نواب عون وحلفاؤه الحضور والتصويت، ما أدى إلى تفاقم المأزق.
وفي يناير 2016 قام سمير جعجع أحد الزعماء المسيحيين المرشحين أيضا لرئاسة الجمهورية، بدعم ترشيح خصمه القديم ميشال عون إلى الرئاسة، ما أعاد طرح اسم عون كمرشح لمنصب الرئيس.
لم يبق أمام عون سوى عقبة واحدة لوصوله إلى الكرسي الرئاسي، مصدرها الطائفة السنية هذه المرة، عقبة رفعت قبل أيام معدودة عندما أعلن سعد الحريري دعمه لترشيح عون، لفتح الطريق أمام عون إلى قصر بعبدا، رغم تحالف الأخير مع حزب الله المشتبه به فى اغتيال والده، ، ومنذ وقتها تشهد لبنان فى عهد الجنرال لعبة القط والفار ويبدو أن هذه المرة سوف تحمل سيناريوهات غير مبشرة للجنرال تعيده لزمن العزلة والطرد من قصر بعبدا بتعلميات غربية بعدما ظهرت فرنسا المحتل القديم للبلاد وتمارس دور الوصاية خشية انجرار المستعمرة السابقة لحرب أهلية تحرق الأخضر واليابس.