عيون وآذان (الإعتراض قصرٌ على الأساليب)
بين حينٍ وآخر أجد مَنْ يذكّرني بكلام في القرآن الكريم هو: فويل للمصلين...
الآية تقول: «فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون»، غير أن بعض الناس يتعامل مع الأخبار والأفكار والتعليقات والتصريحات بالقراءة الجزئية، كالذي يتوقف من الآية الكريمة بعد أول كلمتين.
قلت مرة أنه إذا بقيت اسرائيل ترفض حل الدولتين، فقد يأتي الى المنطقة إرهاب بأسلحة الدمار الشامل، وفوجئت بعد ذلك أن أقرأ على موقع لجريدة «جيروزاليم بوست» الليكودية العنصرية أنني «كاتب كره» أدعو الى إستعمال أسلحة الدمار الشامل ضد اسرائيل.
هذه القراءة الجزئية تتكرر في بعض البريد الذي أتلقى من القراء، حتى أنني أزعم أن كل مقال كتبته عن البحرين إستُقبل على طريقة «فويل للمصلين...» أو «لا تقربوا الصلاة...».
أقول عن البحرين أن للمعارضة طلبات محقة، بل أنني قلت مرة أنني مستعد أن أذهب مع المعارضين الى الملك أو ولي العهد للبحث فيها معهما، ثم يأتي قارىء يحدثني عن طلبات المعارضة كأنني أنكرتها. وأقول أن في قيادة الوفاق مَنْ يريد أن يؤسس في البحرين نظام ولاية الفقيه على الطريقة الايرانية، أي أن يحول بلداً مزدهراً الى بلد محاصَر يعاني أهله كل يوم رغم ما يملك من مخزون نفطي هائل.
لا يجوز إطلاقاً أن يُقال أن جميع شيعة البحرين يريدون ولاية الفقيه، ورأيي أن مرشد الوفاق عيسى قاسم وبعضاً في قيادتها يحاولون ذلك ويخونون مصالح شيعة البحرين، لا أكثر ولا أقل.
في الكويت المجاورة أعترض على تشنج المعارضة، ومبالغتها حتى الكذب في الحديث عن الفساد، بل إصرارها على مزاعم أعلنت المحاكم زيفها. هذا لا يعني الإعتراض على المعارضة نفسها، فهي جزء من الديموقراطية، وهذه لا تستحق إسمها من دون معارضة.
الإعتراض قصرٌ على الأساليب، ثم يتباكى قارئ في رسالة خاصة على مصير أهل الكويت وهم الأفضل حظاً بدرجات من أي شعب عربي آخر، حتى أنني أتمنى لو ينعم كل العرب بنصف ما لدى الكويت اليوم. أقول للمعارضين أن يضعوا خرزة زرقاء لرد العين عن بلادهم.
القارئ «الإخونجي» أسوأ ممن سبق، فهو يقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن، ولا يرى المشكلات الإقتصادية الهائلة التي تضاعفت منذ سقوط عهد حسني مبارك، بل يعتبر مصر ترفل بالحرير، وتغرف من سمن وعسل، طالما أن الإخوان في الحكم.
سأسير في ركاب الإخوان بل إنني مستعد أن أتحجب إذا نجحوا لأنني مع شعب مصر، ولكن الى أن يحدث هذا فواجب كل إنسان أن يرى صورة الوضع كلها وكما هي لا كما يريدها أن تكون.
أجد من تعاملي اليومي مع القراء أن الأوضاع العربية، في كل بلد، خلافية، ولعل من القراء مَنْ لاحظ في بريد القراء رسالة تقول عن مقال أنه «رائع»، وأخرى تقول أنه «مروّع» أو «مريع».
الرأي حق لصاحبه يخطئ ويصيب ويعكس موقفاً ذاتياً. أما المعلومات فيجب أن تكون صحيحة، وكما لا يجوز أن نكتفي من آية كريمة بأول كلمتين، فإنه لا يجوز أن نتوقف عند نصف رأي الكاتب ونهمل النصف الآخر لأنه يلغي الحجة عليه أو ضده.
منذ الخامس من الشهر الماضي وحتى اليوم زرت عشر مدن عربية، بعضها مرتين، وجمعت من معلومات من كبار المسؤولين فيها للإستعمال في هذه الزاوية، فهم يصنعون الأخبار لا أنا، وكنت في الصحافة على الطريقة الانكليزية، حيث بدأت وتدربت، سمعت أن أفضل رأي يقدمه الكاتب لقرائه هو الذي لا يبدو رأياً، وإنما يسرب وسط السطور. لا أدري إذا كنت تعلمت الدرس ولكن أزعم أنني أحاول.
نقلاً عن الحياة اللندنية