رئيس التحرير
عصام كامل

استئذان في الانصراف.. صدور العدد الأخير من صحف المساء

صحف المساء
صحف المساء
صدر، الأربعاء، العدد الأخيرة من صحف المساء المطبوعة صاحبة التاريخ المهني العريق "الأخبار المسائي، والمساء، والأهرام المسائي"، انتهى زمن طباعة الصحيفة، اللحظة التي كان يعتبرها فريق التحرير بمنزلة استقبال مولود جديد، تجري لها الاستعدادات مع أول ضوء شمس.



دورة عمل يومية بالصحف الورقية ندرك معناها وكنا نتشوق إليها نحن أبناء المهنة، نعلم جيدا ما يشعر به الزملاء في صحف المساء بعد تنفيذ قرار توقفها، فصدور عدد الأربعاء الأخير، من المؤكد أنه يشبه إلى حد كبير فقدان عزيز تتمنى أسرته عدم مرور ساعات الليل هربا من لحظة فراق جثمانه لتشييعه إلى مثواه الأخير.


ربما يعول البعض في تبرير القرار على مقولة عملاق الصحافة اللبنانية غسان تويني، مؤسس صحيفة النهار اللبنانية، والتي اعتبر فيها أن الإصدار الذي يشيخ دفنه أفضل من علاجه، لكن أصحاب هذا الرأي لا يجدون فكاكا من الاعتراف بوجود كفاءات قادرة على التطوير فقط كانت تحتاج إلى التوجيه.


صحيح أيضا أننا أصبحنا في عصر قتال مكروه فرضه علينا عصر الإنترنت، الهرولة خلف الخبر اللحظي وغياب التحليل والخلفيات والمعلومات، حولت الجميع إلى ما يشبه التوأم الخارجة من رحم واحد، لا فرق بين هذا أو ذاك، مانشيت الـ 8 أعمدة غاب عنه الإبداع، ومقال الرأي يتحكم فيه رقيب "السوشيال ميديا" خشية غضب رواد مواقع التواصل ووقع الكاتب فى مفرمة المنشورات بـ"ضغطة زر".


معادلة صعبة يتجرع أبناء المهنة مرارته الآن، فرض علينا تقبل مصيبة الحرمان من زمن الصحافة المطبوعة، ورضينا صاغرين بالالتزام بمصطلحات كئيبة على غرار الـ "seo" و"التريند".

تصفحنا الأعداد الأخيرة من صحف المساء المصرية، لعلنا نجد ما نحتفظ به في أرشيفنا، لكن تركناها على مكاتبنا كغيرها من الصحف اليومية بعدما تشابهت علينا "المانشيتات".

صحيح أن هناك حتى هذا اللحظة مؤيدا ومعارضا لقرار وقف طباعة صحف المساء، لكن في النهاية لا نملك سوى الرضا بقضاء الله، وربما هي سنة الحياة التي تحدث عنها الأستاذ الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، في مقال الوداع الشهير: "استئذان في الانصراف".

والفقرة المهمة من مقال الأستاذ التي نقتبسها بالقياس على تلك الأوضاع، "كان تقديري أن أي حياة‏ -‏عمرا وعملا‏-‏ لها فترة صلاحية بدنية وعقلية وأنه من الصواب أن يقر كل إنسان بهذه الحقيقة ويعطيها بالحس‏ -‏قبل النص‏-‏ واجبها واحترامها‏،‏ ثم إنه من اللائق أن يجيء مثل هذا الإقرار قبولا ورضا وليس إكراها وقسرا كما يستحسن أن يتوافق مع أوانه فلا ينتظر المعنى به حتى تتطوع مصارحة مخلصة أو تداري مجاملة مشفقة لأن انتظار المصارحة مؤلم وغطاء المجاملة مهين".‏
الجريدة الرسمية