رئيس التحرير
عصام كامل

30 يونيو.. ذكرى تشفير الإخوان.. مرسي في القصر.. عام للنسيان.. امتلكت الجماعة تاريخا دمويا.. والمصريون نجحوا في إنهاء أسطورتها

 ثورة 30 يونيو
ثورة 30 يونيو
في مثل هذا اليوم قبل 9 سنوات، كان المصريون على موعد مع "فتنة تاريخية" تجسدت في إدارة جماعة الإخوان لشئون البلاد والعباد، وكادت مصر تدخل في نفق مظلم لا نهاية له، لولا ثورة 30 يونيو قبل 8 سنوات بالتمام والكمال، عندما انتفض المصريون عن بكرة أبيهم، وأعادوا الأمور إلى مساراتها الصحيحة والمنطقية، وطووا صفحة الإخوان، مرشدًا ورئيسًا وجماعة.


ثورة غير مسبوقة
قادت ثورة 30 يونيو إلى تغييرات غير مسبوقة في التاريخ المصرى على جميع المستويات: سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، لكن أخطر ما أسست لتغييره هو ما كان العالم يعتبره من ثوابت المشهد السياسي المصرى والعربى، وهو تصدر جماعة الإخوان الساحة السياسية رفقة حلفائها من التيارات الدينية التي برزت بعد ثورة 25 يناير 2011 في غفلة من المجتمع ووسط غياب مفجع من التيارات المدنية.

غيرت 30 يونيو الأوضاع، وأدت لتراجع الإخوان بأقصى سرعة للخلف، ويومًا بعد الآخر يتم تشفيرها من حياة المصريين وبل وفي المحيط العربي، وأعادت مصر إلى المصريين مرة أخرى، لتبدأ منذ ذلك الحين وحتى الآن زمنًا جديدًا قائمًا على حفظ مقدرات الوطن والدفاع عن ترابه وحفظ أمنه القومي، بعدما كان كل شيء يضيع هباء في زمن المرشد.."فيتو" ترصد في هذا الملف شهادات عدد ممن عاصروا حكم الإخوان وثورة 30 يونيو..

البداية
فى عام 1928 أسس حسن البنا جماعة الإخوان بزعم إبقاء توهج القيم الدينية فى المجتمع المصرى والإسلامى بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وتفككها إلى دول قومية وإلغاء الخلافة، وسريعًا تمددت الجماعة وأنشأت فروعًا لها فى جميع دول الشرق الأوسط، لكن هذا التوسع كشف سريعا عن أهداف الإخوان الحقيقية من دعوة دينية وأنشطة تربوية واجتماعية إلى انحراف كامل وسعى محموم للقفز على السلطة.

لم تترك الجماعة أي معارض لها إلا واستهدفته، سواء كان من مؤسسات الدولة (سياسية، قضائية، أمن) أو من المثقفين والمفكريين، تعامل طوال تاريخها على أنها دولة داخل الدولة، فاستهدفت منذ تأسيسها الأول ثانى أكبر رأس فى الدولة عام 1948 رئيس الوزراء محمود النقراشى، ونجحت فى قتله، لترد الدولة باستهداف حسن البنا وتصفيته بعد بضعة أشهر.

ضد الأنظمة
يقول سامح عيد، الكاتب والباحث: إن الإخوان من نشأتها وهى تعارض كل حكومات العالم العربى، وكل من وقف لمشروعها حاولت تصفيته سواء ماديًا أو معنويًا على قدر استطاعتها والظروف المحيطة، فعلت ذلك أيام الملكية، ومع الرئيس جمال عبد الناصر، الذى حاول أحد أعضاء التنظيم اغتياله، وكان ذلك سببًا لاعتقال الآلاف من أعضاء الجماعة.

أسس الإخوان مذهبًا خاصًا فى العنف السياسى على يد سيد قطب الذى يعتبر حتى الآن الأب الروحى لكل جماعات العنف والإرهاب فى المنطقة، ومع ذلك يعتز به الإخوان ويعتبرونه من رموز الجماعة على مر التاريخ، يقول إبراهيم ربيع، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، حيث طال عنف «قطب» الجميع، الثقافة الغربية والقادة العرب والولايات المتحدة والسوفييت، زاد قطب من جرعة التوحش فى ثقافة الإخوان.

واستمرت هذه الأحقاد تحكم المنطق السياسى للتنظيم وأنصاره حتى قتل مجموعة من الذين تربوا على فكر السيد قطب الرئيس السادات عام 1981 فى نفس الوقت الذى حاول فيه أعضاء الحركة فى سوريا اغتيال الرئيس حافظ الأسد.

انغلاق الإخوان وعدم تعلمهم دروس التاريخ قادهم أيضًا فى أوائل التسعينيات للدخول فى صدام تاريخى مع أنظمة الخليج التى قدمت لهم خدمات كبرى، ووفرت لهم الحماية من الأنظمة القومية على شاكلة النظام الناصرى المصرى، يقول ربيع ويستكمل:

انقطعت علاقات الإخوان بالدول الغنية بالنفط التى مولتها -لعقود- المملكة العربية السعودية ودول الخليج، بسبب دعمهم العجيب لغزو الرئيس العراقى صدام حسين للكويت، إذ عارض التنظيم التدخل الأمريكى ضد العراق، وخاصة الإنزال العسكرى المكثف فى السعودية، بدعوى حرمانية أرض الرسول صلى الله عليه وسلم ومهد الإسلام، دون أن يكون لهم حلول أخرى، ولم ينسَ لهم الخليج ذلك.

الربيع العربي
استفادت جماعة الإخوان بشكل جيد من فوضى الثورات العربية التى بدأت فى عام 2011، ونجحت فى أول انتخابات جرت بعد إسقاط الأنظمة العربية فى تونس ومصر وليبيا، بسبب فراغ الساحة السياسية وضعف الأحزاب المدنية.

فازت الأحزاب المنتمية للحركة مثل النهضة فى تونس والحرية والعدالة فى مصر، بينما تعقد الحل السياسى فى سوريا، فلجأ الإخوان وأنصارهم من التيارات الدينية على الفور إلى حمل السلاح وإنشاء جيش مواز باسم "الجيش السورى الحر"، يقول ربيع ويكمل:

سقط الإخوان سريعًا مثل صعودهم، ولم يستمر حكمهم فى مصر أكثر من عام بعدما خرج الشعب المصرى فى عام 2013 بحركة كبرى ضد هيمنة الإخوان ورغبتهم فى أخونة الدولة بكل مفاصلها، ودعم الجيش الرغبة الشعبية وعزل الجماعة، لكنها أبت إلا أن ترفع لواء العنف كما كانت دائمًا، مع أن الفرصة كانت ممهدة للبقاء وإعادة إنتاج تجربة أفضل.

انتهت الجماعة إلى مصير مشؤوم، وتم إعلانها حركة إرهابية بعد رفع فصائل منها السلاح وتوغلها فى الصدام مع المجتمع واستهدافها شخصيات عامة وتكفير منصاتها الإعلامية والاجتماعية لكل معارضيها، الأمر الذى انتهى باستشهاد المستشار هشام بركات النائب العام السابق، وعدد كبير من ضباط الجيش والشرطة والقضاء.

30 يونيو
بعد عام واحد من إسقاط الإخوان عن الحكم فى مصر خسر حزب النهضة الانتخابات فى تونس، كما ارتكبت حماس الذراع الفلسطينى للإخوان المسلمين حماقة كبرى عندما سارعت فى دعم عنف الإخوان تجاه نظام الأسد معتقدة أنه على وشك الانهيار، مع أنه كان الداعم الأكبر لحماس. 

ويقول أبو بكر فيصل، الباحث السودانى فى شئون الجماعات الإسلامية: انتهى الإسلاميون فى سوريا بالهزيمة فى معظم أنحاء البلاد، ومع استمرار عنف كل أجنحة الإخوان فى المنطقة، سارعت السعودية والإمارات والبحرين لإعلان الإخوان حركة إرهابية، بينما تحركت الدول الأخرى للتضييق عليها كما لم يحدث من قبل.

يرى فيصل أن القواعد الشعبية التى سبق ودعمت الإخوان رأتها على حقيقتها بعد صعودها للحكم أصعب ديكتاتورية ودموية من الأنظمة القديمة، ولن تتردد الجماعة هى وأخواتها عند تمكينهم من مفاصل الدول من تدبير قمع وحشى لكل مختلف معها، فلا مجال مع الجماعة لرأى مخالف.

اختتم: الآن الدول العربية استوعبت الدرس، وأصبحت تلتفت للعشوائيات والرعاية الاجتماعية للفقراء والطبقات الضعيفة والدين، وهو المثلث الذى بنى خرافية الإخوان، وبمعجالته لن يكون لها وجود.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية