رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة سلام!

دائما كنت أرى نفسي متحررا، لا أحب القيود وأميل إلى فعل ما أحب في كل شيء بعصبية شديدة، إلا في معصية الله، قيادتي كانت صعبة، وأعتقد أن كل مدير عملت معاه تواجد لديه هذا الانطباع عّن شخصيتي، حتى حماسي الشديد لبعض القرارت والأفكار والأشخاص، كان لا يتوافق كثيرا مع رؤية رئيسي في العمل وعلى الرغم من ذلك، لم يقضي ذلك على حماسي وقناعتي يوما، والحقيقة كنت أدعي دائما إنني غير ذلك، رغم قناعتي بأن ما أدعيه غير صحيح، إلي أن أصبح ذَلِك له تأثير سلبي على شخصيتي بشكل عام، انتبهت له في وقت هام في حياتي، بالتحديد حين بلغت من العمر ٤٠ عاما، وبشكل لا إرادي، بدأت نظرتي في قرارات كثيرة وأفكار كثيرة وأشخاص كثيرة وأفعال كثيرة تتغير بشكل تدريجي، حتى أصبحت لا أصدق إننى كنت هذا الشخص في يوم من الأيام!


واليوم أري نفسي شخصا أخر لحد كبير و إن كنت مازلت لا أري نفسي في الصورة المثالية التي أحلم بها، أصبحت أكثر هدوء وسلام مع النفس والغير وأقل عصبية، أكثر قبولا للأخر أيا كانت شخصيته، طالما لا يوجد بيني وبينه خلاف جوهري، أكثر تقربا إلي الله وخوفا منه ورضا بقضائه وثقة في عدله ورحمته، أكثر اختلاطا بأبنائي وإستماع وتقدير لهم ولأفكارهم، أكثر تفكير في رد الفعل قبل الفعل، أكثر استجابة لوجهة نظر رئيسي في العمل، أكثر فهمًا واستيعابا للأشخاص من حوّلي، أكثر زهد في مظاهر الحياة بكل صورها، أكثر رغبة في عمل ما يحبه من حولي، أكثر استعداد للقاء الله وإن كنت غير مستعد بالشكل الذي اتمناه، أكثر صدقا مع نفسي وإعترافا بنقاط الضعف في مكونات شخصيتي، قبل نقاط القوة وهنا موضوع المقال!

 الصدق مع النفس
الصدق مع النفس هو كل الحكاية من البداية إلي النهاية، وفِي مراحل الحياة الأولي وقبل النضج قد تري شاب في الجامعة أو حتى في بداية حياته العملية بعد الجامعية، يخفي علي زملائه اسم المنطقة الشعبية التي يسكن بها، بل قد يدعى أنه يسكن في حي راقي، ظنا منه أن ذلك قد يعلي من شأنه وسط زملائه، وقد تري شاب أو رجل صغير في السن يفعل كثير من المعاصي في السر ويدعي الفضيلة في الجهر، ظنا منه أنه مازال شابا ومازال في العمر بقية ودائما يكرر بينه وبين نفسه "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"..

قد تري شخصا لم يقرأ كتاب واحد في حياته ويدعي أنه مثقف بعد أن يحفظ جملة من كل موضوع ويكررها مثل الببغاء في مواقف مختلفة أو يكتبها علي فيسبوك، ظنا منه أن ذلك قد يجعل الناس تتحدث عن ثقافته، وقد تري شخصا لم يحقق نجاحا واحد في حياته وان حقق، فأنه محض الصدفة وخبرته الفعلية تكاد تكون ضبابية ويدعي أنه خبير، ظنا منه أن ذلك قد يعلي قدره ويصل به الي أعلي المناصب، وقد تري شخصا أتي إلي منصب بأي طريقة، وقد يكون نظريا مؤهل و يحمل أعلى الشهادات وعمليا أجهل من الجهل ذاته، تستطيع أن تكشفه من تصرفاته وتعليقاته ولغته و يدعي أنه كفاءة نادرة، دفعت به الي هذا المنصب، ظنا منه أن ذلك قد يجعله عظيم كَبِير، ويدفع به إلي أعلي وأعلي والكثير من الأمثلة غير ذلك، و السبب الرئيسي خلفها هو خداع النفس، وأدعي انني قد رأيت مثل هذه النماذج الكثير في حياتي مع أشخاص كثيرة!


أعتقد أن استمرار غياب حالة الصدق مع النفس بعد اكتمال المفاهيم الصحيحة، كلا حسب اختبار الله له، مرض نفسي مزمن، يستوجب علي كل من يحمل أعًراضه الذهاب إلي أقرب مصحة أمراض نفسية لطلب الشفاء، فكم من أشخاص في حياتنا تجاوزوا الأربعون عاما، ومازال كل منهم يحاول أن يظهر أنه الخبير العليم الحكيم الأمين الطاهر التقي، وهو غير ذلك تماما، بل وينتقد دائما غيره بأصعب أنواع النقد، وهو في الحقيقة أكثرهم حاجة للنقد..

غياب الصدق مع النفس عندما يصبح مرض وينتشر بين أفراد المجتمع، تضعف الأمم وتذل الأوطان، فحينما يخادع الجاهل نفسه ويصدر نفسه لمن حوله بأنه عالم، فتوقع كارثة، وحينما يخادع الأحمق الأرعن نفسه ويدعي إنه حكيم متزن فتوقع كارثة، وعندما يخادع من لا يقيم حدود الله في السر قبل العلن، الكاذب المنافق ويصدر نفسه لمن حوله أنه الصادق الأمين التقي المتجرد فتوقع كارثة، وعندما يخادع الناقص نفسه ويصدر نفسه لمن حوله أنه الكامل الواثق من نفسه فتوقع كارثة، وكلما تفشت حالات خداع النفس علي كل المستويات بين الشعوب فلا تنتظر أي خَيْر، وإن كنت لا أعطي مبرر لكل من هو أقل من الأربعين عاما، بقدر ما أريد أن أرسل رسالة سلام إلي من تجاوز هذا العمر ومازال يعاني من خداع النفس، بأنه مريض نفسي، وجب عليه أن يذهب فورا لطلب العلاج!
الجريدة الرسمية