رئيس التحرير
عصام كامل

الفستان والمايوه والجلابية!

ملابس الشخص تدل على الشخصية الفردية. وملابس الشعب تعكس الشخصية القومية. ملابسنا منذ الخمسينيات كانت مطعمة بروح الأربعينيات. الفستان المقور، ومكشوف الذراعين، والتايير.. وفي الأحياء الشعبية الملاية اللف والجسم المبروم. أما الرجال، فالبدلة، والجلابية والقميص الأبيض والبنطلون. مع جيل السبعينيات، رأيت زميلتي في الجامعة بالميني جيب، ثم الميكروجيب، يعني فوق الركبة، ولم يكن ذلك مثيرا لنا لأننا تعودنا. بالطبع كان هناك استهجان إذا زاد قصر الجيب أو الفستان.


مع حقبة النفط، وسيادة الفكر الوهابي، بفعل موجات الهجرة لدواعي العمل، بدأت الشخصية المصرية تتحور، وتتبدل، ولم يستغرق ذلك زمنا طويلا، فسرعان ما وقع التغيير في الداخل وفي الخارج. في العقل وفي الشكل. في التفكير وفي اللبس.

ولعقود طويلة، ومع تمكن الإخوان من ضمير المجتمع ووعيه، بسيطرتهم على المدارس بأنواعها وتلقين الأولاد والبنات الفكر المحافظ المتزمت فوجئ المصريون بأجيال من أولادهم وبناتهم يتمردون عليهم ويرفضونهم، وينقلبون عليهم. كائنات غريبة تحالفت مع كائنات من مدرسة العولمة اجتمعوا معا على ضرورة نسف المجتمع وإعادة بنائه من خلال الفوضى. لم ير التاريخ قط فوضى أنشأت حضارة.

ومع افتضاح المؤامرة في الثلاثين من يونيو، وسقوط مشروع الحجاب والنقاب والضباب وصولا للحكم والتحكم في الهوية المصرية، استيقظ المجتمع المصرى على صورة مفزعة لنسيجه الثقافي والاجتماعي. وكما كان الانقسام سياسيا بسبب التنميط الديني الضيق، ساد ولايزال يسود حتى الأن ما يمكن ان نسميه باستمرار النهج الاخواني في الفرز والإكراه والإقصاء والتنميط.

حبيبة طارق ودينا هشام
في هذا السياق، يمكن فهم القصف الاجتماعي المتبادل بين مصريين لا يقبلون إلا حريتهم وشخصيتهم المستقلة، في حدود الدين وسماحته، والقانون ومقتضياته، ومصريين مستندين إلى تلقين وهابي، ولو بالوراثة والتربية من الجيل الأول الذي هاجر إلى النفط في السبعينيات حتى التسعينيات.

حبيبة طارق المعروفة الآن بفتاة الفستان، وقضيتها أمام النيابة، روت قصة التنمر عليها من فئة المنمطين. فئة أن تكون مثلي أو أطردك. ثم دينا هشام ابنة الطبيبة هبة قطب، روت أن زميلاتها نقلن إليها رفض إدارة نادي دخولها بالبوركيني. المايوه الشرعي. هؤلاء أيضا من فئة المنمطين. الذين يطلبون أن تكون مثلهم أو أطردك!

هذا الانقسام لا يعني إلا شيئا واحدا، أن هناك ثقافة عمرها أربعون عاما، تقاوم الرفض، لأنها ارتبطت بفكر إخواني متسلط ثبت فشله وعنصريته وطائفيته، وهناك ثقافة عريقة مستقرة نهضت على التسامح وقبول الآخر تبذل قصارى جهدها لازاحة النمط الدخيل، ليس فقط في الشكل، بل ايضا في العقل.

الملابس هي الساحة المكشوفة التي يلعب فيها الطرفان.. ومنصات الميديا صارت هي التليفزيون الأوسع نطاقا، والأقدر على فرض أجندة المجتمع، والدولة في التفكير وفي التدبير.. واتخاذ القرار. حتى الجلابية المصرية الزرقاء، رمز الفلاحين في ثورة 1919، كما سجلها هرم الفكر المصرى توفيق الحكيم في عودة الروح.. انحسرت وصارت أفغانية..

على كل حال، فإن النقاش العام حول ماذا نلبس وماذا لا نلبس هو يقظة مجتمع يحاول استرداد هويته.. بعد طول اختطاف. لصوص الهوية للأسف داخل البنية الاجتماعية وفي نسيجها وخلاياها.. هل يمكن الاستفادة من التجربة الألمانية في تجريم النازية؟
الجريدة الرسمية
عاجل