ما حكم قراءة القرآن بغير وضوء؟
تُعدُّ قِراءة القُرآن الكريم مِن غير وُضوءٍ جائزةٌ مع الكراهة، والأفضل أن يقرأه الإنسان وهو طاهر، والدَّليلُ على جواز قراءة القرآن دون وضوءٍ قول عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ).
ومما يدُلُّ على جواز قِراءة القُرآن الكريم من غير وضوءٍ وأنّ الوضوء ليس واجِباً لِقراءته هو فِعلُ النَّبيِّ -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه عنه ابنُ عباسٍ -رضي الله عنه- في اليوم الذي بات فيه عند زوجة النَّبيِّ ميمونة -رضي الله عنها- وهو غُلامٌ صغير، حيث قال: (حتَّى إذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أوْ قَبْلَهُ بقَلِيلٍ أوْ بَعْدَهُ بقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عن وجْهِهِ بيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَوَاتِمَ مِن سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إلى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ منها فأحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي).
وقد ذهب إلى هذا القول أهل العلم مِنَ الصحابة الكرام وغيرهم الكثير من العلماء، كما أنه ثبت عن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قِراءته للقُرآن الكريم وهو غير مُتوضِّئٍ.
وتجوز قِراءة القرآن الكريم من غير وُضوءٍ بِشرط ألّا يكُون الإنسان مُحدِثاُ حدثاً أكبراً يجب منه الغُسل، سواء كان يُريدُ القراءة غيباً أو نظراً من المصحف، وعليه تكون الطهارةُ والوضوء لِقراءة القُرآن الكريم مِن الآداب التي ينبغي على الإنسان فِعلُها قبل شُروعه بِقراءته، وهو مِن كمال الحال، ومِن الأمور المُستحبَّة.
حكم مس المصحف بغير طهارة يحرُم على المُحدث حدثاً أكبر مسُّ المُصحف؛ كالحائض، أو النفساء، أو الجُنُب، لِقوله -تعالى-: (لاَ يَمَسُّهُ إِِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ).
ولما أوصى به النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- من عدم مسِّ المُصحف إلا لِطاهِر، أمّا من كان مُحدثاً حدثاً أصغر؛ أي غير مُتوضِّئٍ:
المالكية والشافعية: ذهب المالكيّة والشافعيّة إلى حُرمة مسِّه للقرآن الكريم ولو بِحائلٍ، أو ورقهٍ، أو جلدةٍ، وأجازوا لَمْسه لأجل العِلم إذا كانت المرأة حائِضاً أو نفساء؛ وذلك لِصعوبة إزالة العُذر، وأمّا الجُنُب فلا يجوز له لَمسه؛ لِقُدرته على إزالة العُذر بِالغُسل، كما أجازوا كِتابة القرآن بِشرطِ عدم المسِّ.
الحنفيّة: ذهب الحنفيّة إلى حُرمة مسِّه كُلِّه أو بعضه، أو أيِّ شيءٍ مكتوبٍ عليه شيءٌ مِن القرآن؛ كالنُّقود، أو مسِّه بشيءٍ من الثياب؛ لأنه تبعٌ له، وأجازوا مسَّه بعودٍ أو قلمٍ، أو للصبيِّ لأجل التعلّم والحِفظ، أو كُتب التفسير بشرطِ أن يكون ما فيه من التفسير أكثر من القُرآن، أمّا العكس فلا يجوز.
الحنابلة: يرون حُرمةِ مسِّهِ أيضاً ولو كان صبيّاً يقصدُ التعلّم أو الحِفظ، وأجازوا مسَّ كُتب التفسير، أو أي شيءٍ لا يُطلقُ عليه قُرآناً؛ كالنُّقود، والثوب المكتوب عليه القُرآن، وفي حال احتاج الإنسان إلى مسِّ المُصحف عند فقده الماء فيجوزُ له التَّيمُّم.
والخُلاصة وُقوع الإجماع على حُرمة مسِّ القرآن الكريم للمُحدثِ حدثاً أكبر، وأمّا المُحدث حدثاً أصغر فذهب أكثرُ الفُقهاء إلى عدم الجواز، وأمّا كتابته ومَسّه بقصد التعليم أو الحِفظ فجائزٌ عند الجُمهور ما عدا المالكيّة، وقد اشترط عددٌ مِن الصحابة الكِرام الطَّهارة مِنَ الحَدَثَين لِمسِّ المُصحف؛ كعليٍّ، وابن مسعودٍ، وابن عُمرَ -رضي الله عنهم-، وأيَّد ذلك مِن المُعاصرين الشيخ ابن بازٍ، حيثُ اشترط الطهارة مِنَ الحدثين لِمسِّ المصحف، وأجاز حمله بواسطةٍ من غير مسِّه مُباشرةً.
وذهب أكثر الفُقهاء إلى جوازِ مسِّ الصبيِّ للمُصحف من غير طهارةٍ؛ إن كان بقصد العِلم والحفظ؛ لأن القول بِوجوب طهارتهم قد يُسبِّبُ تنفيراً لهم، وكان الجواز لهم من باب الضَّرورة، أمّا الحنابلة فلهم قولان؛ أحدهما الجواز، والآخر عدمه؛ اعتباراً بالكِبار وجُوِّز للصبيّ مسّه عند الفقهاء؛ لِدفع المشقَّة، والحثِّ على حفظ القرآن الكريم وتعلُّمه.