رئيس التحرير
عصام كامل

د. أحمد البصيلى : جرائم الوهابيين بحق المسلمين تفوق " داعش" .. وقاضى شهادة يعقوب فتح باب المراجعات الفكرية لأصحاب الفكر السلفى (حوار)

الدكتور أحمد البصيلى
الدكتور أحمد البصيلى
صانع القرار المصرى تنبه للخطر القادم من المسلك الدينى والدولة الآن تدعم الفكر المؤسسى ذي المرجعية المؤمنة شرعيا ووطنيًا


لابد من توافر إرادة حقيقية للدولة لتحجيم أقطاب السلفية وعدم فتح قنوات تواصل بينهم وبين الجماهير

على الدولة تقديم مادة الثقافة الإسلامية المسيحية على جميع مراحل التعليم بعد ارتفاع نسبة التطرف الدينى بمراحل التعليم

معظم تيارات العنف نشأت فى إطار الفكر السلفى والتنظيم الحركى الإخوانى

الأزهريون لا يكفرون أحدًا وإنما يقولون كما قال الإمام على: "إخواننا بغوا علينا"

لو كان يعقوب صاحب مبدأ حقيقى ما كان تنصل منه أمام المحكمة ويكفى اعترافه  "أنا مش سلفي" وهو من أقطاب السلفية

فتحت تناقضات شهادة محمد حسين يعقوب أمام المحكمة مؤخرا باب الحديث عن "مراجعات السلفيين" فى مصر.

وفى هذا الصدد ترى بعض المصادر أن السلفيين وفدوا إلى مصر مع أبناء الشيخ «محمد بن عبد الوهاب» أوائل القرن العشرين ، حيث بدأ انتشار المذهب الوهابي على يد كل من «رشيد رضا ومحمد حامد الفقي، ومحب الدين الخطيب»، الذين لعبوا دورا كبيرا في وضع اللبنات الأولى لهذا التيار.

وأنشا «محب الدين الخطيب»، مع «رشيد رضا» – دعما للجانب الفكري الثقافي-ماعُرف «بالمكتبة السلفية» والتي عُنيت بنشر أعمال «ابن تيمية» وتلميذه «ابن القيم الجوزية»، وكانت تلك المؤلفات ولا تزال من الأصول المرجعية للوهابية. 

أما على الصعيد المؤسسي التنظيمي – كما يقول الراحل الدكتور محمد حافظ دياب أستاذ علم الأنثربولوجيا والحائز على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية عام 2013 في دراسته المهمة بعنوان «نقد الخطاب السلفي»، الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب عام 2017 - فتأسست جمعية «أنصار السنة المحمدية» على يد «محمد حامد الفقي» عام 1926، والتي عملت على نشر الفكر الوهابي السلفي في مصر.

وفي مجال الإعلام الدعوي، أصدر «رشيد رضا» مجلة «المنار» التي عنيت بنشر الأفكار الوهابية على المستوى الفكري والعقائدي.

واتخذ الوهابيون السلفيون على مدار عقود متتالية موقف المفاضلة إزاء الأدوار السياسية التي شغلتها جماعة الإخوان الإرهابية، بإعتبارها تقع في إطار الخروج على الحاكم. وهو ما دعا الرئيس الراحل أنور السادات إلى استثمار ذلك الموقف، فبادر بدعم التيار السلفي بوصفه تيارا «مستأنسا» على حد وصف حافظ دياب، للعمل كبديل لتيار الإسلام السياسي في مصر.

حول ملف "مراجعات السلفيين على ضوء شهادة يعقوب" حاورت "فيتو" الدكتور أحمد البصيلى، عضو هيئة التدريس فى كلية الدعوة الإسلامية، بجامعة الأزهر الشريف .. فالى تفاصيل الحوار : 


*بداية .. كيف ترى آلية تعامل الدولة المصرية الآن مع التيارات الدينية بفصائلها المختلفة فى مصر بعد أن نجحت فى مراوغة أنظمة حكم سابقة؟  

فى بعض العهود السابقة استخدمت التيارات الاشتراكية لمهاجمة ومحاربة التيارات الدينية، وفى وقت آخر تم استخدام تيار الإخوان للحرب على التيارات الشيوعية، وفى وقت ثالث تم استخدام السلفية لمحاربة الإخوان، والتيارات الفكرية عمومًا والدينية منها على وجه الأخص، لا تزدهر ولا تنتشر إلا تحت غطاء سياسى يحميها، وآخر نقدى يدعمها بجانب غطاء إعلامي يروج لها.

لكن الآن نستطيع القول إن مصر بدأت فى يقظة حقيقة حينما تنبه صانع القرار المصرى إلى الخطر القادم من هذا المسلك، فقضى على كل الأفكار المبتورة التى لا مرجعية لها، حتى أصبحت الدولة الآن تدعم الفكر المؤسسى ذي المرجعية المؤمنة شرعيا ووطنيًا، وهى الممثلة فى الوقت الحالى فى الأزهر الشريف والكنيسة.

*ماهى بداية ظهور التيار السلفى فى مصر؟

التيار السلفى ظهرفى  مصر فى أوائل القرن العشرين فى مصر، وكانت البذرة الأولى لهم فى أوائل القرن التاسع عشر فى السعودية، بعد ظهور محمد بن عبد الوهاب، والذى تمسح حينها بالسلفية، أو بما كان يطلق عليها حينها الحركة الوهابية ، ورغب الاستعمار البريطانى فى تلك الفترة فى القضاء على الشرق الإسلامى، فزرع الفكر الوهابى المتشدد فى الحجاز.

وحينها أرسل محمد على باشا والى مصر إبراهيم ابنه لكى يحارب الحركة الوهابية، وكان ذلك بالتحديد بين أعوام 1811 إلى 1819، ونجح فى القضاء عليهم عسكريا، لكن لم يتم القضاء عليهم فكريا ؛ لأنهم ما زالوا موجودين على مستوى الفكر.


التطور الفكرى يعتمد على شيئين ، الأول : وهو سهولته ، والوهابية لأنهم يعتمدون على أفكار غير مؤسسية، ويقتصرون مصادر التشريع على القرآن الكريم والسنة وفهم سلف الأمة ، دون الاعتراف بمصادر التشريع الأخرى التى أجمع عليها المسلمون، ومليشيات محمد بن عبد الوهاب ارتكبت جرائم وفظائع فى حق المسلمين يفوق بكثير ما فعلته داعش منذ ظهورها حتى الآن، وذلك باعترافهم الشخصى فى كتبهم.

*وهل كان للإمام محمد عبده ومحمد حامد الفقى دور فى نشأة السلفية بمصر؟

حينما قدم الإمام محمد عبده فى عام 1905 أنشأ ما يسمى بالسلفية فى مصر، وكانت حركة محمودة وقتها، حتى جاء محمد حامد الفقى، واتباعه واستغلوا شعار السلفية الذى أعلن عنه الإمام محمد عبده فى تلك الفترة ، ومرروا من خلاله الفكر الوهابى فى مصر.

*ماعلاقة الفكر السلفى بنمو التطرف والعنف؟

الفكر السلفى هو بيئة خصبة لنمو التطرف والعنف فى كل أنواعه باسم الدين، فداعش على سبيل المثال حينما بررت جرائمها بررتها بنصوص سلفية وهابية بامتياز، وكذلك استخدمت الأسلوب الوهابى فى حديثها مع الناس وفى زيها التى ظهرت به.

وذلك مع تنوع الفرق السلفية إلى سلفية مدخلية، وأخرى جهادية انتشرت فى أوائل التسعينات وقامت بالعديد من العمليات الإرهابية وتطورت فيما بعد إلى ما يسمى بجماعة التكفير والهجرة، وهذا يؤكد على أن معظم تيارات العنف نشأت فى إطار الفكر السلفى والتنظيم الحركى الإخوانى.

ويمكن أن نخلص مما سبق أننا أمام فكر عفن وتدين مغشوش، وأفكار لا مرجعية لها وتدمر ولا تعمر وتتسم بضيق الأفق وعدم الاعتراف بالآخر والتسخيف منه بل والسعى إلى إبادة الآخر فى بعض الأحيان، وهم أبعد ما يكون عن الإسلام،

و"الكافر المسالم أقرب إلى الإسلام من المسلم المعتدي"، فإن كان الوهابيون مسلمون معتدون فهم أبعد عن الإسلام من الكفار أنفسهم؛ لأنهم يدمرون ولا يعمرون ويهدمون ولا يبنون وكل أفكارهم منصبة على المغالطات التاريخية والكذب والتدليس على العلماء.

*كيف رأيت شهادة أحد قيادات السلفية أمام المحكمة مؤخرا؟

أوجه التحية لهيئة المحكمة والقاضى الجليل الذى أشرف على سؤال الشيخ محمد حسين يعقوب الأسبوع الماضى داخل المحكمة، والقاضى الذى أشرف على سؤال يعقوب هنا فتح باب للمراجعات الفكرية لدى أصحاب هذا الفكر العفن، كما أنه وضعهم فى حجمهم الطبيعى، كما أنه نجح فى إظهار حقيقتهم أمام أنفسهم والناس جميعًا.

ويكفى أن يعقوب اعترف وقال "أنا مش سلفي"، وهو من أقطاب السلفية، كما أنه قال أنا مش عالم وبتاع دبلوم، مؤكدًا لو كان صاحب مبدأ حقيقى ما كان تنصل منه أمام المحكمة.

*هل يمكن القول إن صورة السلفيين فى مصر اهتزت بعد مشهد محاكمة يعقوب؟

صورتهم اهتزت بالفعل لكنها لم ولن تنتهى مادام لهم تصاريح يعودون بها إلى المنابر ، وصعودهم المنبر حتى الآن لا يتفق مع عزم الدولة على القضاء على التطرف ، وفى نفس الوقت نجد أقطاب السلفية مثل "محمد سعيد رسلان وياسر برهامى ومحمد إسماعيل المقدم" يصعدون المنابر حتى الآن، كما أنه لا بد من توافر إرادة حقيقية للدولة لتحجيم هؤلاء وعدم فتح قنوات تواصل بينهم وبين الجماهير.

* ماذا على الدولة القيام به للقضاء على الفكر السلفى؟

الدولة عليها القيام بعدة خطوات فى مجال القضاء على الفكر السلفى، منها زيادة الجرعة التعليمية فى جميع المراحل التعليمية حتى يتحصن الجيل الناشئ ضد هذه الأفكار الهدامة، خاصة أنهم يعلمون الأجيال النائية لديهم أن علماء الأزهر هم "علماء سلطة أو أمناء شرطة".

لذلك يخرج الطفل منه وهو محمل بالأفكار التكفيرية والنظرة التشاؤمية على المجتمع، ولذلك على الدولة تقديم مادة الثقافة الإسلامية المسيحية على جميع مراحل التعليم، خاصة مع ارتفاع نسبة التطرف الدينى فى مراحل التعليم، وهو الذى يكون محملا بالأفكار المتطرفة، وكذلك التطرف اللادينى مثل الإلحاد والعلمانية.

بجانب أن على الدولة أن تدعم الأزهر الشريف داخليًا وخارجيًا بكل ما أوتيت من قوة، خاصة أن الطمع فى هذا الشأن مشروع ، بجانب أنه على الدولة طى صفحة الإخوان والسلفية من الوجود، فلا يجوز الدخول فى أي ألعاب سياسية للمتاجرة بأى أوراق إخوانية أو سلفية.

*أخيرا .. بماذا ترد على من يربطون بين منهج الأزهر الشريف والفكر الوهابى؟

هناك فارق كبير بين منهج الأزهر والفكر الوهابى ، فالأزهر مبنى على النظرة الشمولية ، لكن الفكر الوهابى مبنى على النظرة الانتقائية، كذلك الأزهر يتبنى فكرة الأشاعرة والماتريدية على أنهم جناحا أهل السنة والجماعة ، لكن الفكر الوهابى يبنى كلام ابن تيمية على أنه ممثل للسلف ، فيمكن القول إن الأزهر هو مؤسسة ذات منهج.

لكن الوهابية هى نوع من الفكر الذى ليس لديه منهج ، بل هم مشرب وفكر عفن، لكن الأزهر منهج معتدل اختبرته الأمة على مدار أكثر من ألف عام حتى الآن، وتلقته الأمة بالقبول، كما أنه أحيا دولًا كانت خيالا، فهناك مفاصلة واضحة بين المنهج الأزهر والفكر الوهابى السلفى، وليس هناك أي أوجه تشابه على الإطلاق، سواء فى مجال العقيدة والأخلاق.

كما أن هناك اختلافا كبيرا بين المنتج الأزهرى الذى يعمر ولا يدمر وبين المنتج الوهابى الذى يدمر ولا يعمر، لكننا فى النهاية نحن كمنهج أزهرى لا نكفر أحدًا، وإنما نقول فيهم كما قال الإمام على: "إخواننا بغوا علينا".

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية