رئيس التحرير
عصام كامل

فكرى أباظة يكتب: هوجة البطيخ

حكاوي زمان
حكاوي زمان

فى مجلة المصور عام 1956 كتب الكاتب الساخر فكرى أباظة مقالا بعنوان «هوجة البطيخ»، قال فيه:

لم أحس طوال حياتى بالفرق بين العيش الأبيض والعيش الأسود والعيش الأسمر، لكننى عندما كنت نائبا فى مجلس النواب شهدت المعارك الحامية حول رغيف العيش ومشكلات رغيف العيش، كما شهدت أكثر من مرة تحت قبة البرلمان مصرع الملايين من الجنيهات التى أنفقت على العاتى الجبار المسمى الرغيف، فكم "كعت" ميزانية الدولة من الملايين بسبب هذا الرغيف.. أكثر من 20 مليون جنيه، إلا أنه لو أن هذه التضحية المادية لهائلة كانت من أجل السواد الأعظم أو للأغلبية الساحقة من المواطنين لهانت هذه التضحية.


ولكن كلنا يعلم أن الفلاحين فى الأقاليم والقرى والعزب والكفور.. وهم السواد الأعظم والأغلبية الساحقة لا يهتمون بالعيش الأبيض ولا العيش الأسود ولا العيش الأسمر، ولا يعنيهم إلا رغيف الذرة، أو رغيف الذرة والقمح فى أيام الرخاء، وما شكا فلاح واحد من الـ 18 مليون بأنه يعانى من الرغيف غير الأبيض.

إذا هذه الضجة الكبرى حول الرغيف ضجة اشتركت فيها العهود الغابرة مع العهد الحاضر.

وثمة ضجة أخرى أثيرت حول البطيخ، هذه الفاكهة الصيفية اللذيذة التى أصابتها اللعنة بالرغم من شدة احتياجنا إليها مع ارتفاع درجة الحرارة وزيادة سخونة الجو، وترددت الشائعات هل هو مسمم؟ هل روى بمياه ملوثة؟ ومن أجل ذلك أصبح كله أقرعا، وهل دخلت عليه سلالات دخيلة لم تكن موجودة حتى أصبح حديث الناس عن البطيخ هو شغلهم الشاغل.

 الغريبة أنه لا يشكو من اختفاء البطيخ الأحمر القانى الملعلع.. إلا المترفون من المواطنين الأغنياء القادرين الذين لا يعجبهم العجب ولا يعجبهم البطيخ نصف الأقرع، أما أمثالنا من المتواضعين فسيان، لديهم البطيخ الأحمر القانى أو الماوى أو الأقرع، فالبطيخ فى نظرنا نحن المتواضعين بطيخ والسلام.

ذكرتنى ضجة الرغيف الأبيض وهوجة البطيخ الأقرع بضجة قمر الدين والمكسرات عند حلول شهر رمضان وهوجة اللحمة عند قرب العيد الكبير.

وهكذا تضخم هذه المشكلات التافهة، فنخلق منها أزمة قومية اجتماعية منذرة بالويل والثبور وعظائم الأمور، يا سبحان الله.

الجريدة الرسمية