رئيس التحرير
عصام كامل

فى غزوة القاضي ضد اليعقوب

فى بلادنا نشأت ظواهر عجيبة على مر الزمان من المتنطعين على الدين، والمجتمع عادة يسكت عنها ويشجعها ويتعامل معها رغم رفضه لها عقليا.. ومنها شيوخ الفتة وشيوخ الفتنة، وأمراء الجماعات التى انتشرت بداية السبعينات وتغلغلت فى أوساط الشهادات وأصبح لها وضعية اجتماعية بين شباب الجامعات خاصة حتى وقعت الواقعة واستفاق الناس على كوارث لا حصر لها لازالت بلادنا تدفع ثمنها غاليا إلى اليوم..


وأخطر هؤلاء المتنطعون على الدين هم شيوخ الفضائيات وتجار الكلمة المقدسة، خلعوا على أنفسهم قداسة ونشروا بضاعتهم الفاسدة بين بسطاء محبين لدينهم وزرعوا فهمهم القاصر للدين وقضايا العقيدة والإيمان بل تغلغلوا فى نشر فهمهم المعوج وتمادوا فى صنعتهم فاستنبطوا شرائع وعبادات من كتيبات متناثرة فى خبايا وكهوف دونت خطايا الفهم التاريخى للعقيدة والشريعة والعبادات بين جماعات من الناس، وأتوا بكل غريب وعجيب وخلعوا عليه القداسة ليثيروا فى روادهم من بسطاء الناس وصبيان فى مقتبل الحياة أنهم وحدهم يملكون الفهم الحقيقى والصحيح للعقيدة والدين والعبادات..

مفاتيح الجنة والنار
نجحوا فى إثارة روادهم بغرائب الروايات والتفسيرات التاريخية لقضايا الإيمان والعقيدة التى تملأ كتبا من التراث القديم لأجيال القدماء، واللعب على تحدى المفارقة بين الطاعة والعصيان التى يمر بها معظم الناس نجحوا فى كسب الرهان وامتلكوا عقول وقلوب الكثيرون من عامة الناس والصبية بملكات الخطابة والعصبية للدين حتى بات جمهور روادهم  على قناعة تامة بأن هؤلاء الشيوخ المتنطعون يملكون مفاتيح الجنة والنار وعندها فرضوا عليهم دفع صكوك الغفران تارة عبر شرائط الكاسيت وتارة عبر صناديق البر والتقوى ومبادرات جمع المال لخدمة الجماعة الاسلامية وتارة اخرى عبر كيانات خدمية طبية وتجارية وغيرها وبرعوا فى استغلالها لتكوين ثروات طائلة نقلتهم من العدم إلى طائفة المليونيرات لا بل بعضهم أصبح من المليارديرات..

خاصة وبعضهم توسع فى نشاطه ليمتد إلى خارج البلاد حيث الدولار والاسترلينى والمشتاقين من جالياتنا فى بلاد الغربة لرائحة من بلادهم عبر المراكز الإسلامية المنتشرة فى الخارج ونشط معها ابتداع صناديق الإغاثة للمنكوبين فى بلاد المسلمين كافة، وحين إستفاق الغرب لخطورة نشاط هؤلاء البلايا عقب أحداث ضرب البرجين فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١، عادوا لممارسة نشاطهم بقوة وإمكانيات أكبر بالداخل فأنشأوا لهم منصات فضائية بالهيلة وأصبح لهم عصبة وعصابة تأتمر بهم  وتقويهم وتدافع عنهم مقابل فتات مما يجنونه من ملايين الجنيهات كل يوم.

 تحية للقاضى الجليل
والعجيب أن أكثر من يستمع لهؤلاء المتنطعين لا يسأل أو يناقش ما يطرحونه من فهم قاصر للدين من الأساس ولا القضايا الإيمانية والفكرية لفلسفة الدين وأصل التكليف الآلهى، هم يقصرون طرحهم على فهمهم  للعبادات شكلها وأركانها ومغرمون فيها بكل غريب وسطحى، ويجهلون الركن الثانى لأصل التكليف الإلهى، ألا وهو العمل..

رغم ان العامة يفهمون ويؤمنون ويتواصلون فيما بينهم كل صباح بأن العمل عبادة، وهو حقيقة يتجاهلها هؤلاء المتنطعون حتى يستسيغ الناس تنطعهم على العباد ويستمرون هم فى جنى أرباح دعواهم على حساب الناس الشقيانة، وفى النهاية لا هم قادوهم إلى جنتهم ولا هم انقذوهم من نار الفشل فى حياتهم بل قادوهم هم وأبنائهم إلى نكبات تلو نكبات يتخبطون فيها منذ ظهور هذا البلاء فى بلادنا قبل نحو قرن من الزمان.

والحقيقة أنه لا يعقوب ولا حسان ولا أى عدوى أو فشار من شيوخ الجنيه والدولار أقنع بصير من عامة المصريين لا متعلمينها أن إيمانه بدينه وأدائه لعباداته ونسكه يلزمه جلباب قصير وصديرى باكستاني ولا افغانى أو لحية نعلم أنها سنة وزبيبة تزين جبهته.

تحية واجبة للقاضي الجليل الذى كشف للناس بل للعالم كذب وجهل هؤلاء المتنطعون وأمسك من لسانه هذا اليعقوب وكل يعقوب مثله  بابتسامته الصفراء وفحيح صوته المنكر، وعرى جهاده الطويل وأمثاله فى تضليل صبيان وشباب بلادنا باسم الدين. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الجريدة الرسمية