أبو الغيط: الفلسطينيون يتعرضون لنوع احتلال اختفى من الدنيا
قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن الجولة الأخيرة من الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي خلال شهر مايو الماضي، وما شهدته من هجمات وحشية على أهلنا في قطاع غزة كشفت مُجدداً عن أن المعركة مع الاحتلال تدور على الشاشات وصفحات الجرائد وصفحات التواصل الاجتماعي، تماماً كما تُخاض في الميدان في مواجهة المستوطنين وقوات الاحتلال إنها معركة بناء الانطباع وتكوين الرأي العام وتشكيل الوعي بهذه القضية سواء وعي المواطن العربي، أو المراقب من خارج عالمنا العربي ومن يُتابع وقائع هذا الصراع الطويل يُدرك إلى أي مدى تهم "الرواية" أو "السردية" في تشكيل الرأي العام العالمي حيال ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة بل وما يجري داخل إسرائيل أيضاً.
جاء ذلك خلال الجلسة الافتتاحية للدورة (51) لمجلس وزراء الإعلام العرب برئاسة السودان.
الدعاية الإسرائيلية
وأضاف: برغم أن الدعاية الإسرائيلية طالما نجحت في تصوير الضحية وكأنه ظالم معتد وصاحب القضية وكأنه ممارس للعنف والإرهاب فقد لمسنا مؤخراً تغيراً نوعياً في "السردية" السائدة حول فلسطين خلال المواجهات الأخيرة لقد أدرك الكثير من المدافعين عن الحقوق حول العالم أن الطبيعة العنصرية لما يجري في فلسطين صارت من الفجاجة بحيث يستحيل اخفاؤها ويصعب تجميلها.. ولأول مرة، استخدمت على نطاق واسع مفاهيم مثل "التطهير العرقي" و"الأبارتايد" لوصف ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة ترددت كلمات مثل هذه على ألسنة سياسيين وصناع رأي وحقوقيين ظهرت في كبريات الصحف في وسائل الإعلام بعد أن كان مجرد نعت السياسة الإسرائيلية بهذه الأوصاف -المستحقة بالتأكيد- من المحرمات.
ونوه الى ان هذا التغير النوعي في الوعي يقتضي من الإعلام العربي تنبهاً وجهداً أكبر من أجل الاستفادة منه والبناء عليه وتعزيزه وكثيراً ما يقع الإعلام العربي -للأسف- في فخ الحديث إلى الذات، والانغماس في مخاطبة الداخل على حساب التفاعل النشط مع الخارج... إن كل أرض نتركها يتمدد فيها خصومنا وكل فرصة نضيعها يقتنصها الطرف الآخر المتربص ليروج لسرديته مهما كانت بعيدة عن الواقع، أو مستندة إلى الوهم والتضليل.
مبادرة السلام
وأضاف: على سبيل المثال، فإن الكثيرين عبر العالم لا يعرفون بفحوى مبادرة السلام العربية التي أُطلقت قبل ما يقرب من عشرين عاماً.. لا يعرفون أن الجانب العربي قدم التزاماً بسلام وتعايش كامل، في مقابل انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية إن التمرس الإسرائيلي في قلب الحقائق وتلبس هيئة الضحية نجح، وللأسف، في تغييب حقائق جوهرية عن هذا الصراع عن أذهان الكثيرين عبر العالم ونحن نتحمل بكل تأكيد نصيباً من المسئولية عن هذا الوضع.
وأستطرد: إن التحدي أمامنا اليوم هو صناعة محتوى إعلامي قادر على الوصول إلى الآخر والتأثير في قناعاته حيال قضايانا الرئيسية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية إننا في حاجة إلى خطاب جديد يتوجه إلى العالم بلغته، وبالمنطق الذي يفهمه وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، فإن التعريف بواقع الاحتلال الإسرائيلي وما ينطوي عليه من مظاهر التطهير العرقي والتفرقة العنصرية ينبغي أن يُشكل ركيزة خطابنا الإعلامي وجوهر رسالتنا للآخر.
وأوضح أنه نجح الفلسطينيون وهو أمرٌ ينبغي أن نفخر به جميعاً في أن يصلوا بقضيتهم إلى الملايين عبر العالم إنها قضية شعب يتعرض لنوع من الاحتلال اختفى من الدنيا ولم يعد له وجود سوى في فلسطين وهي قضية تتشابك وتتلاقى مع حركات اجتماعية وسياسية أخرى عبر العالم بعضها يُكافح العنصرية وبعضها يرفض الاحتلال على أساس حقوقي وإنساني ولنا مصلحة أكيدة في التواصل معها والتأثير فيها، والاستفادة من وجودها وثقلها وتضامنها مع قضايانا.
الزخم الإعلامي
وركز على إن ثمة حاجة للاستفادة من موجة التعاطف الدولي والزخم الإعلامي الحاصل مع القضية الفلسطينية سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو وسائل التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً مركزياً في حشد المؤيدين، خاصة في فئات عمرية صغيرة ومن هنا فإننا ندعو كافة الدول الأعضاء إلى العمل بصورة حثيثة على تحديث خطة التحرك الإعلامي العربي في الخارج التي أقرها مجلس وزراء الاعلام العرب لعام 2006... والتي تمت مراجعتها أكثر من مرة وتحديثها حتى عام 2017... وفي ضوء الظروف الحالية، فإنه يجدر أن تكون القضية الفلسطينية من المحاور الأساسية في خطة التحرك بعد تحديثها.
وأشار إلى أن هذه الخطة يتعين أن تتضمن كذلك عناصر تُشير إلى ما يمكن تسميته بحركة التحديث الشامل الجارية في عدد كبير من الدول العربية هذه الحركة التي نشهد جميعاً تفاعلاتها ومظاهرها وأثرها المهم في تغيير المجتمعات العربية وتطويرها وهي حركة لها أبعاد اقتصادية وفكرية ودينية ومجتمعية ومرة ثانية لا ينبغي أن نترك للآخرين رسم صورة عن مجتمعاتنا وما يجري فيها، بل علينا أن نبادر نحن بتكوين هذه الصورة دون أن يعني ذلك أن ننخرط في تجميل الواقع أو التغطية على مشاكله المطلوب حقاً هو تقديم الصورة بأبعادها المختلفة.. وبصعوباتها وتحدياتها الحقيقية من دون تهويل أو تهوين.