هل انتهت أسطورة السلفيين بشهادة محمد حسين يعقوب ؟ .. طعن الدعوة من الخلف .. أنكر مبادئه القديمة .. رفض تسميته عالما في الدين
من الأمس وحتى الآن جرت مياه كثيرة أسفل بحيرة الفكر السلفي، تغيرت المواقف، تبدلت الرؤى، تحول الشيخ محمد حسين يعقوب وهو السلفي الأصولي المستقل ـ لاينتمي لأي جماعة سلفية ـ إلى محراب جماعة أخرى كان يحاربها ويرفض أفكارها وهي السلفية المدخلية.
كل ذلك حدث بمجرد طلب ضبطه وإحضاره للشهادة أمام محكمة جنايات القاهرة والإدلاء بأقواله في محاكمة ١٢ متهما بخلية داعش إمبابة، الذين اعتبروه مع الشيخ محمد حسان قدوتهم ومثلهم الأعلى .
الأصولية والمدخلية
على مدار عقود مضت كانت السلفية الأصولية التي ينتمي إليها الشيخ يعقوب ترفض أفكار السلفية المدخلية التي ترفض الطائفية والفرقة والتحزب وتدعو إلى عدم الخروج على الحاكم أو مضايقته بأي شكل.
حاربت السلفية الأصولية المدخلية بكل قوة واتهمتها بـ«لي عنق النصوص الدينية» للابتعاد عن العمل السياسي وتفويض ولي الأمر في معرفة ما لا يدركه عقل رجل الدين في دروب ومسالك السياسة وتطبيقاتها التي لاتناسب قدسية الدين وطهره، وهي الشعارات التي يرفعها المداخلة.
لكن بعد المحاكمة تحول يعقوب تماما، وأصبح فجاة يرفض كل منتجات التيارات الدينية ـ كما هو الحال في المدخلية ـ اتهم سيد قطب بالجهل، وهو المنظر الأكبر لكل جماعات الجهاد والتكفير، وأحد أهم الأيقونات التاريخية لجماعة الإخوان الإرهابية.
كما أنكر علاقته بالسياسة، مع أنه صاحب أشهر عبارة في الحشد للإعلان الدستوري الذي قسم الأمة المصرية عام 2012 بسبب تعنت التيارات الدينية وعدم فهمها آلف باء سياسة «غزوة الصناديق».
حرض يعقوب أيضا ضد الدستورخلال الصدام بين القوى المدنية والدينية حول دستور 2012 واعتبر كل المواد التي يتكون منها وتشكل ديباجته كفر وشرك بالله، فالدستور الحقيقي للمسلمين بحسب تنظيرات ـ ما قبل شهادة المحكمة ـ هو القرآن والسنة وفهم السلف الصالح.
انحاز إلى مصالح الإسلاميين واعتبر الموافقة بنعم أم لا قضية آخرى، وحشد أنصاره من السلفيين بالتصويت بنعم بزعم نصرة الإسلاميين والعقيدة، وضد من يرفضون الدين ــ التيارات المدنية ــ الذين اعترضوا على دستور الإخوان، ورفضوا الطريقة التي كتب بها إلى جانب الكثير من مواده التي رسخت للحاكم الفرد، ووضعت رؤية الجماعة فوق الدولة والجميع.
شهادة المحكمة بنظر بعض الخبراء حولت دفة القطب السلفي الكبير إلى فكر «المداخلة» بعد أن تبرأ من الكل، ووزع اتهاماته عليهم جميعا، جهاديين وإخوان وتكفيريون، وفي نظر خبراء آخرين، طعن السلفية في الخلف وقضى عليها وأصبح تراثها في مصر هو والعدم سواء.
عباءة التقية
عمرو فاروق، الكاتب والباحث في شئون الجماعات الدينية، يرى أن السلفيون دائما ما يرتدون عباءة التقية، موضحا أن الشيخ محمد حسين يعقوب هو أحد رموز تيار السلفية المستقلة، لافتا إلى أن شهادته أمس أمام المحكمة تخالف ما قامت عليه الأسس الفكرية للسلفية الأصولية التي تتخذ موقفًا حادًا من الحاكم يصل إلى درجة تكفيره دون الإعلان عن ذلك صراحة.
يوضح فاروق أن التيارات الأصولية تستخدم دائما "التقية" في مواقفها تجاه قضايا الفقه السياسي، وفتاويها غالبًا ما تطلق في تلك المساحة على عدم تعيين وتحديد شخص الحاكم وسيرته.
محمد حسين يعقوب انتقل بشهادته أمام المحكمة من دائرة السلفية الأصولية إلى دائرة السلفية المدخلية، التي تعتبر ضمن إطارها الفكري أن رئيس الدولة الحاكم الشرعي الذي لا يجوز منازعته في الحكم والسياسة، ويمثلها الشيخ محمد سعيد رسلان، وطلعت زهران وأسامة القوصي ومحمود لطفى عامر .. يقول فاروق ويستكمل:
كل من السلفية الأصولية، والسلفية المدخلية، يكفر بعضهما البعض، ودخل رموزهما في حالة من التناحر على مدار سنوات طويلة، لا سيما فيما يخص إطاعة الحاكم وتأييد مؤسسات الدولة، وبالتالي ما قاله يعقوب لا يمت لحقيقة أفكاره بصلة.
نهاية السلفية
أما حسين القاضي، الكاتب والباحث في شئون الجماعات الإسلامية، ومحاربة الفكر الديني المتطرف، يرى أن الشيخ يعقوب كان مهزوزا في شهادته أمام المحكمة، لدرجة أن القاضي بدا أنه اكثر إطلاعا منه.
يعقوب خالف في شهادته كل ما كان يدعو إليه من قبل، وتخلى بسهوله عن منهجه وآرائه حتى إنه أنكر علمه بمفهوم الطائفة الممتنعة، يقول حسين القاضي ويكمل:
لما قال له القاضي إن المصطلح ورد في كلام ابن تيمية أنكر يعقوب اطلاعه عليه؛ علما بأن المصطلح وارد في آلاف الكتب ولا يخفى على طالب علم مبتديء فضلا عن واحد يمثل مرجعية لإحدى التيارات.
يؤكد الباحث أن يعقوب تحدث بلسان مغاير جدا حين قال إنه لا ينتمي لأي تيارات أو أحزاب وتبرأ من المدرسة السلفية، فنقض كل أفكاره عندما قال إنه ليس عالما ولا يصلح للفتوى مع انه ظل يفتي ويتصدر للعلم طوال حياته، بل أنه أنكر انتماءه للسلفية مع أنه ظل طوال حياته يدعو لهذا التيار وصار مرجعا لأتباعه في هذا.
ينهي الباحث مؤكدا أن ردود يعقوب تؤذن بنهاية اسطورته التي تمثل خنجرا في ظهر التيارات السلفية، بعد أن فشل في ممارسة التقية بذكاء ونكص كل ما دعا إليه، وأصبحت الحسرة الحقيقية الآن في موقف أتباعه بعد سنوات من الاقتناع بأفكاره.
تهرب محرج
عماد عبد الحافظ، الكاتب والباحث في شئون الجماعات الإسلامية، يقول أن الشيخ محمد حسين يعقوب تعمد التهرب من أي إجابة تدينه في شهادته أمام المحكمة أمس، لكنه وضع نفسه في موقف حرج لغاية.
يضيف عبد الحافظ موضحا أن إجابات الشيخ في المحكمة كما تداولتها العديد من المواقع دارت بين نفي العلم ببعض الأمور التي من المفترض علمه بها كسؤاله عن الطائفة الممتنعة، وبين رفضه لبعض الأفكار والمقولات الخاصة ببعض الجماعات الإسلامية التي سأله القاضي عنها.
يختتم الباحث ويطرح جملة من التساؤلات: هل حقًا لا يعرف الشيخ ولم يسمع قبل ذلك عن تلك الأمور، أم أنه أنكر ذلك للخروج من الموقف، وهل حقًا رفضه لتلك الأفكار والمقولات نابع عن موقف فكري أصيل، وإن كان كذلك فهل كان خطابه الدعوي من قبل خاليًا من تلك الأفكار، فلماذا إذن قال المتهمون أنهم تأثروا بخطبه !
تحريض على الكراهية
سامح عسكر، الكاتب والباحث في التنوير، يرى إن شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب، الداعية السلفي في المحكمة، أقرت على لسانه وباعترافه أنه ليس عالما، وبالتالي كل المناظرات والمشاحنات والتكفير كان تضليلا من الشيخ لاتباعه.
يضيف عسكر، أن يعقوب حرض على الكراهية، والآن يحاول التبرؤ من ذنب الذين طالهم أذاه أمام أتباع يرفضون لغة العقل، ويعتبرون شيخهم ملاكا والمعترضون على أفكاره هم الشياطين.
يخرج الباحث بملاحظة جديرة بالتوقف أمامها، وهي شجاعة القاضي والأسئلة التي وجهها لواحد من كبار السلفية، معتبرا أنها كانت كفيلة بإنهاء أسطورته ومعه تياره ورموزه.