رئيس التحرير
عصام كامل

هنا القاهرة.. خريطة عودة الإعلام المصري إلى مكانته المفقودة في عيده السابع والثمانين.. التطوير ركيزة أساسية.. ومواكبة الفضاء الإلكتروني ضرورة

المذيع أحمد سالم
المذيع أحمد سالم
قبل 87 عامًا بالتمام والكمال، انطلق أثير الإذاعة المصرية عبر صوت المذيع أحمد سالم الذي أعلنها مدوية: "هنا القاهرة"، لتكون ميلادًا لبناء منظومة إعلامية متنامية عامًا وراء عام، ولتكون رافدًا مهمًا من روافد القوة الناعمة، غير أن السنوات الأخيرة تشهد تراجعًا عنيفة في الأداء الإعلامي، بما يؤكد أن هناك خللاً لا يريد أحد الانتباه إليه، أو أنه يتم التحايل والالتفاف عليه، وتداعى البناء الشامخ الذي استغرق بناؤه عقودًا متعاقبة، وسقط في هوة سحيقة، بحسب عدد كبير من خبراء الإعلام وأكابر الإعلاميين.


الريادة الإعلامية
عديد من خبراء الإعلام وجدوا أن الدور الريادى للإعلام المصرى بدأ فى الاندثار منذ عام 2011، وبالرغم من محاولات التعافى والعودة مرة أخرى، إلا أنه ما زال مقيدا ببعض الشروط الواجب توافرها من أجل بيئة أفضل تنتج أعمالا تليفزيونية ودرامية وبرامج تتناسب مع كافة الأذواق المصرية، فلا نجد أن البرامج أصبحت قاصرة على نجوم الفن فقط، ولا الدراما دراما "الأغنياء" فحسب.




ما جعل، وفقا للخبراء، العديد من المواطنين خاصة أصحاب الطبقة المتوسطة أو الشعبية ينصرفون عن مثل هذه الأعمال التى لا تمثلهم ولا تتلامس مع قضاياهم ومشكلاتهم الحياتية اليومية، وخلال هذا الموضوع نستعرض معًا أهم الملامح التى يجب أن يكون عليها الإعلام المصرى ليستعيد ريادته مرة أخرى، وكيف نجح الإعلام الخليجى فى سحب البساط من الإعلام المصرى بالرغم من أنه الأقدم والأعرق.

الإعلام الإلكتروني
رئيس الإذاعة الأسبق، عبد الرحمن رشاد يرى أن الإعلام الآن لم يصبح التقليدى فقط، بل أصبح هناك الإلكترونى الذى ينافسه ويحقق تأثيره فى الشباب، مشيرًا إلى أن إعلامنا التقليدى يجب أن يعود إلى دوره بمزيد من المهنية وتدريب الكوادر فى الإعلام التقليدى، لأن الإعلام التقليدى أصبح يعانى من افتقار للمهنية لدى العديد ممن يعملون به.

وأقصد بها الإلمام بتقاليد المهنة، وأولها اللغة العربية والثقافة الشاملة ومشكلات المجتمع المصرى والالتزام بمواثيق الشرف الإعلامية التى نشأ عليها الإعلام المصرى، متابعا: «عدم الالتزام بالقيم التى تربينا عليها أدى إلى وقوع العديد من الإعلاميين فى الكثير من الأخطاء المهنية».

المحتوى
ويرى رشاد أن الاهتمام بالمحتوى يشكل نقطة جوهرية في عملية إعادة الريادة والقوة للإعلام المصري مرة أخرى، واصفًا غالبية المضمون الحالى بأنه يصل إلى درجة من «السطحية والضحالة والتفاهة»، فبالتالي ينصرف عنه الكثير من أفراد المجتمع، يجب أن يقوم الإعلام التقليدي بالاهتمام بما يُنشر في الإعلام الإلكتروني لأنه مؤثر في كل الأجيال وخاصة الشباب، لأنه يسحب البساط تدريجيا بصورة خطيرة.

يتفق معه في الرأي أيضا الدكتور ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامي، الذي يري أن الإعلام المصري يمر بفترة صعبة ورغم وجود جهود مبذولة على أكثر من صعيد لكن مشكلات الإعلام ما زالت متفاقمة وبسبب هذه المشكلات يتراجع دور الإعلام المصري سواء محليا أو إقليميا.

تنظيم العمل
كما نوه إلى أن الحالة التي يعيشها الإعلام المصري الآن في حاجة ماسة إلى تفعيل التنظيم الدستوري لإدارة المجال الإعلامي واختيار عناصر تتحلى بدرجة من الإدراك لمهام وصلاحيات الأجهزة الإعلامية وقدرة على تفعيلها، والتراجع الكبير في المستوى المهني.

وهذا يرجع إلى غياب التطوير والتدريب والأدلة المهنية وتراكم عمليات التوظيف غير المعيارية، نوظف فى الإعلام بصورة غير معيارية: "أصبح مستوى الكادر الفني ينخفض، وأي منظومة إعلامية يراد لها التأثير والنجاح لا بد أن تتسم بمستوى من التعدد والتنوع وهذا القدر لا يبدو موجودا الآن".

كما أوضح عبد العزيز إلى أن المنظومة الإعلامية المصرية ما زالت غير قادرة على تطوير وسيلة إعلام إقليمية مؤثرة.

وهذا الأمر يأخذنا إلى المؤتمر الصحفى الذى عقدته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في أحد الفنادق الكبرى بوسط القاهرة، والذى أشارت خلاله إلى عزم الشركة إطلاق قناة مصرية إقليمية فى الربع الأول من العام المقبل، وهذا لأنها أكدت على أن مصر تستحق أن يكون لديها قناة إخبارية إقليمية قوية تنقل صورتها إلى العالم.

ومن جانبه فقد أشار الدكتور ياسر عبد العزيز، أن هناك أطرافًا استطاعت أن تطور وسائل إعلام إقليمية ناجحة ومؤثرة، ومصر لم تدخل هذا المجال حتى الآن، وبالتالى تعانى من تراجع قدرتها الإقليمية ومصر لا بد أن تدرس هذا الأمر بطريقة علمية، وما جعل بعض القنوات الخليجية تصل إلى الوطن العربى كله هو أن عملية إطلاق وسيلة إعلامية إقليمية مسألة معقدة وصعبة وتحتاج إلى عناصر متعددة.

قنوات إقليمية
وأول هذه العناصر وفقًا لعبد العزيز، الإرادة الجادة لتطوير هذه الوسيلة وتوفير الموارد المادية المناسبة للإنفاق عليها، لأن وسائل الإعلام التى تنتج المحتوى الإخباري تحتاج إلى موارد ضخمة ولا تحقق عوائد مثل صناعة الترفيه، فبالتالى لا بد من موجود إرادة وموارد وطريقة لاختيار الكوادر المهنية بصورة شفافة وفعالة ويكون هناك قدرات إدارة احترافية تعمل على إدارة هذه الكوادر، ولحين توافر هذه العناصر ستظل مصر تعانى من غياب التعبير الإعلامي المطلوب.

هذا ما اتفق معه أيضا عبد الرحمن رشاد، رئيس الإذاعة الأسبق، حيث أكد على أن الإعلام الخليجى وجد إمكانات مادية متوافرة بصورة أكبر وطور نفسه تكنولوجيا أكثر، وليس لديه مشكلات عمالة زائد أو بيروقراطية أو أية مشكلات إدارية يعانى منها الإعلام المصرى.

واختتم حديثه قائلا: "لكنى أرى أننا لم نفقد الأمل بعد ومن الممكن أن يستعيد الإعلام التقليدى المصرى دوره الريادى مرة أخرى، لأن لديه خبرات متراكمة تستطيع أن تلحق بما حدث وتعالج أوجه النقص".

الدكتورة ليلى عبد المجيد، أستاذ الإعلام، بدورها أشارت إلى أن تليفزيون الدولة له فترة طويلة للغاية لم ينتج أعمالا درامية أو تليفزيونية ضخمة، وهذا لأنه لم يكن لديه ميزانية للإنتاج، مشددة على ضرورة وجود برامج للفئات المختلفة مثلما كان يحدث فى الماضى، معلقة: "كل شريحة تجد مواد إعلامية تخصها حتى لا يصبح الناس أسرى وسائل التواصل الاجتماعى فقط، لا بد من وجود تنوع فى أنواع الدراما.

فنحن نفتقد الدراما الكوميدية والاجتماعية التى تناقش مشكلات الأسرة الراهنة مثلما حدث فيما مضى، كان لدينا العديد من المسلسلات الدرامية الخالدة التى تناولت المشكلات التى يواجهها المجتمع، خاصة الطبقات والشعبية وليس الثرية فقط".

كما أوضحت أنه مثلما نجح الإعلام المصرى فى تقديم دراما ومحتوى وطنى قوى، لا بد أن يكون هناك محتوى اجتماعى وكوميدى ومحتوى يمس كافة الشرائح المجتمعية بنفس القوة.

وتستنكر ليلى عبد المجيد قائلة: "إحنا من 2011 وإحنا عندنا اللخبطة دى، خلال السنوات الأربعة ربما الأمر أصبح يستقر إلى حد ما، ولكننا نحتاج إلى تطوير القنوات الإقليمية وإعادتها إلى الريادة مرة أخرى".

منوهة إلى ضرورة سفر بعض الكوادر إلى الخارج للتدريب الجيد والعودة بالخبرات وتدريب الآخرين عليها ممن يعملون فى قطاع الإعلام والتليفزيون، حتى يعود شعار: "هنا القاهرة" إلى سيرته الأولى مدويًا ومعبرًا عن خطاب إعلامي يعكس قوة مصر ومكانتها.

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية