رئيس التحرير
عصام كامل

وثائق تنسف التاريخ.. روسيا دعمت اليهود بالمال والسلاح لإقامة دولتهم قبل وعد وبلفور

جولدا مائير والسفير
جولدا مائير والسفير السوفيتي في تل أبيب عام 1964
منذ أكثر من قرن نعتقد كشعوب فى المنطقة العربية، أن دولة الاحتلال الإسرائيلي نشأت نتيجة وعد قدمه وزير خارجية بريطانيا وقتها إرثر بلفور يقر فيه أن حكومة المملكة المتحدة تبارك وتؤيد إقامة وطن لليهود فوق أرض فلسطين العربية.


دور روسيا فى دولة إسرائيلية 

مرت عقود كثيرة ونحن نتعايش مع كتاب التاريخ، حتى صدر كتاب ليونيد مليتشين للكاتب اليهودي الروسي الشهير، عام 2005 بعنوان "لماذا أنشأ ستالين إسرائيل"؟ وفيه قال مليتشين "لم تكن إسرائيل لتظهر إلى الوجود، لو لم يكن ستالين أراد قيامها".

لينسف تاريخ رسخ فى عقول العرب، ويكشف ملامح عن دور روسيا الفاعل في دعم إقامة دولة إسرائيلية، ووفرت لها جميع السبل السياسية والعسكرية


واليوم الدكتور سامى عمارة، حسم الشك وحوله إلى يقين في كتابه المدعوم بالوثائق والشهادات "موسكو- تل أبيب: وثائق وأسرار"


موسكو- تل أبيب: وثائق وأسرار


وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سي"، ترجع أهمية كتاب " موسكو- تل أبيب: وثائق وأسرار" إلى كونه أول إصدار عربي يسجل، بعدد غير مسبوق من الوثائق، فترتين مهمتين من تاريخ منطقة الشرق الأوسط الحديث، أولاهما تتعلق بقيام إسرائيل، وثانيتهما تتصل بالعلاقات العربية السوفيتية.



واستند عمارة، الذي يعيش ويعمل في موسكو مراسلا لصحيفة الأهرام القومية منذ أكثر من خمسة عقود، على وثائق صادرة عن وزارة الخارجية الروسية، وشهادات شخصيات سوفيتية بارزة، في توثيق دور الاتحاد السوفيتي، في قيام إسرائيل ودعمها.


تثبيت أقدام إسرائيل

وبحسب العرض الذي قدمته "بى بى سي" للكتاب، تلك الوثائق الرسمية تكشف أن "ما قدمه الاتحاد السوفيتي من جهد ومساعدات كان العامل الرئيسي في تثبيت أقدام دولة إسرائيل، على النقيض من الشائع عن أن الوعد البريطاني الصادر في شهر نوفمبر عام 1917، كان هو أهم عوامل قيام دولة الاحتلال"


وحمل كتاب دكتور سامى عمارة، شهادات شخصيات نافذة، مثل ميخائيل بولتورانين، أول وزير إعلام للرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، بشأن دور ستالين شخصيا في قيام إسرائيل.


وتضمن كتاب عمارة، ما خفي من خطوات قام بها الزعيم السوفيتي الأسبق ستالين، من أجل إقامة هذه الدولة التي كان يريدها مقدمة لبناء أول دولة اشتراكية في الشرق الأوسط، ودعمها بالمال والبشر والسلاح".


ملفات المخابرات الروسية 


وأكدت الشهادات المنقولة عن ملفات جهاز أمن الدولة السوفيتي "كي جي بي"، أن جوزيف ستالين، ألقى بثقله وراء مساعي تنفيذ وعد بلفور لليهود بإقامة وطن لهم في فلسطين كي ينقذ شبه جزيرة القرم الاستراتيجية، جنوبي الاتحاد السوفيتي، من خطة يهودية أمريكية رمت إلى إقامة هذا الوطن فيها.


وكان الوطن المتفق عليه فى جزيرة القرم، هو جمهورية ذاتية الحكم في القرم ثمنا لتسوية مالية رهن بمقتضاها ستالين الجزيرة لضمان سداد ديون لليهود بقيمة 20 مليون دولار مستحقة على نظامه.


جزيرة القرم 

وحسب بولتورانين، الذي كان رئيسا للجنة الكشف عن وثائق "كي جي بي"، فإن الوثائق تقول إن ستالين "غير رأيه عندما انتفض تتار القرم متحدين السلطة السوفيتية وهاجموا القطارات التي كانت تصل محملة باليهود إلى عاصمة الإقليم سيمفروبول، وأرغموها على العودة دون نزول أي من ركابها إلى أراضي القرم".


وقالت الوثائق، إنه في هذه اللحظة "أدرك ستالين خطورة الموقف.. وقرر التراجع عن تنفيذ فكرة إنشاء الوطن القومي لليهود في القرم، مؤكدا أن الاستمرار في ذلك يمكن أن ينسف الاستقرار الذي تحقق على صعيد تعايش مختلف القوميات في الاتحاد السوفيتي، ولا سيما بعد الانتفاضات المتواصلة من جانب سكان القرم".


الضغوط اليهودية 


ومع استمرار الضغوط المالية الأمريكية اليهودية واستغلالا لحاجة روسيا لقروض لإعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية "تحولت وجهة السوفييت إلى فلسطين".


وتؤكد الوثائق أن ستالين "كان يدرك أن ضغط الأمريكيين لم يكن يستهدف مصالح اليهود السوفييت ممن كانوا يحاولون توطينهم في القرم، بقدر ما كان يستهدف خدمة مصالح أمريكية جيوسياسية، الأمر الذي تطلب من ستالين أكبر قدر من الدهاء والمناورة".


ونقل الدكتور سامى عمارة عن بولتورانين قوله: ما كاد الأمريكيون يبدؤون في مطالبة ستالين بسداد قيمة الصكوك المالية حتى صارحهم باستعداده لتنفيذ التزاماته تجاه إنشاء وطن قومي لليهود .. لكن في فلسطين، وليس في شبه جزيرة القرم.


تسليح يهود فلسطين 


وأعلن كذلك "موافقته على ترحيل أكبر عدد من اليهود إلى هناك وتسليحهم بكل ما غَنمه من أسلحة ألمانية، جرى تقديمها إلى يهود فلسطين خصما من ديون الاتحاد السوفييتي المستحقة للوكالة اليهودية الأمريكية".


ولفت مؤلف الكتاب، إلى أن الدعم العسكري السوفييتي الفعلي لإسرائيل، بدأ حتى قبل إعلان الدولة بثلاثة شهور تقريبا.


وينقل عمارة عن الكاتب اليهودي الشهير ليونيد ميلتشين تأكيده أن هذا الدعم تقرر في شهر فبراير 1948.


وتؤكد الوثائق ما قاله ميلتشين، إذ "أصدر ستالين أوامره بتسليح اليهود الفلسطينيين من أجل إنشاء دولتهم. ولذا فقد سارع أندريه جروميكو، نائب وزير الخارجية السوفيتي، وعلى نحو عملي افتقد أصول الدبلوماسية، بإبداء اهتمامه حول ما إذا كان اليهود يمتلكون قدرة تأمين تفريغ ما يصلهم من شحنات الأسلحة.


وقد سارع مدير الدائرة السياسية للوكالة اليهودية في فلسطين، موشيه شيرتوك، الذي أصبح لاحقا وزيرا لخارجية إسرائيل، بإرسال برقية إلى بن جوريون يسأل فيها عما إذا كان يستطيع تأكيد أن اليهود سيأخذون على عاتقهم القيام بهذه المهمة، وهو ما حصل على الرد الإيجابي بشأنه.


ويشير الكتاب إلى أن الاتحاد السوفيتي لم يسبق الولايات المتحدة في الاعتراف بإسرائيل فقط، بل إنه عبر بقوة عن دعم كبير لها.


وجاء هذا في رسالة من فياتشيسلاف مولوتوف، وزير خارجية الاتحاد السوفييتي، وزير خارجية الدولة الوليدة.


وفي الرسالة، قال مولوتوف "تأمل الحكومة السوفيتية بأن إقامة الشعب اليهودي لدولته ذات السيادة ستخدم قضية تعزيز السلام والحرية في فلسطين والشرق الأوسط وتعبر عن ثقتها في تطور علاقات الصداقة بين الاتحاد السوفيتي ودولة إسرائيل بنجاح".


دعم سياسي ودبلوماسي 


وعلى المستوى السياسي والدبلوماسي، اضطلعت موسكو بدور حيوي في دعم موقف اليهود بالأمم المتحدة عند مناقشة قضية الشرق الأوسط بعد إعلان قيام إسرائيل.


ويكشف الدكتور سامى عمارة فى كتابه، عن تقرير كتبه وزير الخارجية الإسرائيلي بعد عودته من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، قال فيه إن "العلاقات المتبادلة مع الاتحاد السوفييتي تبدو جيدة جدا بشأن غالبية الموضوعات.


وتابع: إن الروس يريدون تفهم مواقفنا بكل تفاصيلها، إنهم يعملون في مجلس الأمن ليس كمجرد حلفاء لنا، بل بوصفهم مبعوثين يمثلوننا. إنهم يأخذون على عاتقهم أية مهمة. إن روسيا وحلفاءها يملكون في الأمم المتحدة ستة أصوات يقصد -الاتحاد السوفيتي وبيلاروسيا وأوكرانيا وتشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا-.


وتكشف وثيقة أخرى عن أن السوفيت رأوا أنه "من المحبذ تقديم المعونة إلى ممثلي دولة إسرائيل لشراء المدافع والطائرات وإرسالها إلى فلسطين".


حرب 1948 

وكان هذا في 5 يونيو 1948، أي بعد أقل من شهر من بدء حرب عام 1948 بين إسرائيل الوليدة والعرب، وبينما كانت الحرب مستمرة، صدرت تعليمات، كما تقول إحدى الوثائق، إلى البعثة السوفيتية في الأمم المتحدة "بتأييد مصالح شعب إسرائيل".

وبعد ثلاثة شهور تقريبا، حصلت إسرائيل، كما يكشف الكتاب، على دعم أقوى من موسكو.

وفى يوم 7 سبتمبر من العام نفسه 1948، التقت جولدا مائير، أول سفيرة لإسرائيل لدى موسكو، بمولوتوف.

ووفق محضر اللقاء فإن مولوتوف، قال: إن هناك قضايا خطيرة كثيرة تشخص أمام إسرائيل. لكنه يعتقد بأن مستقبل هذه الدولة سيكون طيبا، والآن لا توجد قوة يمكن أن تؤكد بجد إنها لن تسمح بوجود دولة إسرائيل، لأن وجودها أصبح أمرا واقعا.

ويضرب عمارة بهذا مثالا على أنه "ما أن وصلت جولدا، التي أصبحت لاحقا رئيسة للحكومة الإسرائيلية، إلى موسكو حتى وجدت نفسها بين أحضان أهلها وذويها من اليهود السوفيت الذين قدموا لها، ولمن معها في البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية كل أشكال الدعم.


توتر العلاقات ودور السادات 


وتطرق عمارة إلى توتر العلاقات بين روسيا وإسرائيل تباعا، حتى جاءت حرب 5 يونيو عام 1967، لتبلور الموقف السوفيتي من الصراع العربي الإسرائيلي، إذ اعتبرت موسكو الهجوم الإسرائيلي "عدوانا غادرا على الجيران العرب".


واستمر التوتر بين إسرائيل والاتحاد السوفيتي لفترة ليست قصيرة بعد الحرب، حتى تولى أنور السادات رئاسة مصر خلفا للرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1970، فتغيرت سياسة مصر تغيرا جذريا بقطيعة مع الاتحاد السوفيتي وتحالف مع أمريكا، وهو ما أسفر عن بدء مسيرة التسوية من جديد مع إسرائيل.
الجريدة الرسمية