ما حكم الإفطار في صيام التطوع؟
صوم التطوُّع هو صوم النَّفْل فيما دون الفريضة؛ إذ يُؤدّى هذا الصوم في غير شهر رمضان، وهو يختلف عن صوم الكفّارة، أو النَّذر، أو صوم قضاء رمضان، ومن أمثلته صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر؛ وهو ما يُعرَف بصيام الأيّام البِيض وصيام الاثنين والخميس يوم عرفة لغير الحاجّ، ستّة أيّام من شهر شوّال ويوم عاشوراء.
حُكم الإفطار في صيام التطوُّع
بيّن العلماء حُكم الإفطار في صيام التطوُّع، وجاء كالتالي:
الحنفيّة: قالوا بوجوب الالتزام بالصيام، والمحافظة عليه وإتمامه؛ سواء كان نَفْلاً تطوُّعاً، أو فرضاً، وتَرك إفساده منذ الشروع فيه إلى أن ينتهي وقته بحلول وقت الغروب، وقد استدلّوا بقَوْله -تعالى-: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)، فقد دلّت الآية على وجوب إتمام الصيام، والأمر يُفيد الوجوب دون تخصيص صيام الفريضة الواجبة؛ فالعِبرة بعموم اللفظ الذي لا يُحمَل على التقييد والتخصيص إلّا بسببٍ ودليلٍ، ولا يُوجَد دليلٌ على أنّ تلك الآية نزلت في صيام الفريضة فقط، ولذلك فإنّ حُكمها ينطبق على الصيام جميعه؛ تطوُّعاً وفريضةً، فمَن شَرَعَ في صيام التطوُّع، لَزِمه إتمامُه، فإن أفسدَه، وجبَ عليه قضاؤه، ومع ذلك؛ فالحنفية لا يرَوْن أنّ إفساد صيام التطوُّع بعد الدخول فيه أنّ المسلم أتى بأمرٍ مُحرَّمٍ، وإنّما هو أمرٌ مكروهٌ في حقّه؛ لأنّ الأدلّة التي أفادت الكراهة لم تثبت ثبوتاً قطعيّاً، وإنْ عرَض للمتطوّع عذرٌ قطع صومه، ولا حرج عليه، ومن هذه الأعذار أن يدعو المسلم أخاه الصائم تطوّعاً إلى طعامٍ؛ فيجوز له قطع صومه، شريطة أن يكون ذلك قبل زوال الشمس، أي قبل صلاة الظُّهر.
الشافعيّة: قالوا بجواز إفساد صيام التطوُّع بعد الشروع فيه مع الكراهة دون ترتُّب القضاء، وقد استدلّوا بحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (الصائمُ المتطوِّعُ أميرُ نفسِه إن شاء أفطرَ وإنْ شاءَ صام).
المالكيّة: قالوا بحُرمة إفساد صيام التطوُّع إلّا إن توفّر مُسوّغٌ شرعيٌّ يقتضي الفِطْر؛ فمَن طرأ عليه عُذرٌ شرعيٌّ يستوجب فِطْره، كإجابة طلب والدَيه الُمشفِقَين عليه من مُواصلة صيام التطوُّع، أو غلبَه الأمر بسبب شدّة العَطَش، أو الإكراه على الفِطْر، أو خشية الهلاك بسبب المرض، جازَ له حينئذٍ الفِطْر دون أن يترتّب عليه القضاء، بينما يكون القضاء واجباً في أحوالٍ مُعيَّنةٍ، منها: الفِطْر بسبب السفر الطارىء، أو إن حُلِف عليه بالطلاق مُشترِطاً الفِطْر معه، شريطة أن تتوفّر الخشية لدى الصائم من احتماليّة مُفارَقة الحالف لزوجته المُتعلِّق بها، فحينئذٍ يُجيب طلبَه ويُفطِر دون قضاءٍ.
الحنابلة: قالوا بعدم وجوب إتمام صيام التطوُّع في حَقّ من شَرع فيه؛ فمَن صام صيام تطوُّع، جاز له إفساده والخروج منه، ولا يترتّب عليه أيّ إثم، ولا يتوجّب في حقّه القضاء، وقد استدلّوا بما ورد في السنّة النبويّة بما أخرجه الإمام مسلم عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (قالَ لي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ذَاتَ يَومٍ يا عَائِشَةُ، هلْ عِنْدَكُمْ شيءٌ؟ قالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما عِنْدَنَا شيءٌ قالَ: فإنِّي صَائِمٌ قالَتْ: فَخَرَجَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، قالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، وَقَدْ خَبَأْتُ لكَ شيئًا، قالَ: ما هُوَ؟ قُلتُ: حَيْسٌ، قالَ: هَاتِيهِ فَجِئْتُ به فأكَلَ، ثُمَّ قالَ: قدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا)، ويُستحسن قضاء التطوّع دون وجوبه.
حُكم مَن أكل ناسياً في صيام التطوُّع
أجمع جمهور الفقهاء على أنّ من أكل أو شرب ناسياً في صيام التّطوّع صيامه صحيح، ولا مؤاخذة عليه، وفيما يأتي تفصيل الحكم في المسألة وأدلتها الشرعية:
الشافعيّة: قالوا إنّ الأكل والشُّرب في صيام التطوُّع نسياناً لا يُفسده.
المالكيّة: قالوا بعدم بُطلان صيام التطوُّع بسبب الأكْل أو الشُّرب نسياناً؛ قياساً على صيام الفريضة؛ فإذا أكل الصائم ناسياً غير مُتعمِّدٍ، فإنّه يُتمّ صيامه، وقد استدلّوا على ذلك بقَوْل الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (مَن أكَلَ ناسِيًا، وهو صائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنَّما أطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقاهُ).
الحنفيّة: قالوا إنّ الأكل في صيام التطوُّع نسياناً لا يُفسده؛ قياساً على صيام الفريضة؛ فكلاهما يتضمّن تَرك الأكل، ويُعَدّ التَّرْك شرطَ صحّةٍ.
الحنابلة: قالوا إنّ الله تجاوز عن خطأ المسلم ونسيانه؛ استدلالاً بقَوْله -تعالى-: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)؛ فمَن تناول شيئاً من مُفطرات الصيام نسياناً دون تعمُّدٍ، فلا يُؤاخَذ بذلك، ويُؤيّد ذلك القول أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- نَسب ذلك الفِعل إلى الله -تعالى- في قَوْله: (مَن أكَلَ ناسِيًا، وهو صائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنَّما أطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقاهُ)، وفي ذلك دلالةٌ على أنّ ذلك العمل من فَضْل الله -تعالى، ورحمته بعباده.