رئيس التحرير
عصام كامل

ما بعد وقف إطلاق النار.. تقارير عبرية: القاهرة الوحيدة القادرة على جلب إسرائيل وحماس إلى طاولة المفاوضات

نتنياهو
نتنياهو
مع الساعات الأولى من يوم الجمعة قبل الماضية، وضعت الحرب أوزارها، ودخل وقف إطلاق النار بين قوات الاحتلال وبين المقاومة الفلسطينية حيز التنفيذ بعد 11 يومًا من التصعيد المتبادل، الذي أظهر تطورًا في الآلة العسكرية الفلسطينية، في مقابل كسر أنف الكيان الصهيوني وإظهار عجزه وضعفه وقلة حيلته وهوانه على الفلسطينيين والاستسلام لوقف الحرب.


الدور المصري
الدور المصري كان حاضرًا وفاعلًا ومؤثرًا في الأحداث الأخيرة، وعكس تعاظم الدور الإقليمي للقاهرة، وأظهر استمرار الدعم المادي والمعنوي للفلسطينيين في ظل موجات التطبيع العربي المجاني مع الكيان الصهيوني.

هتاف المقدسيين باسم مصر
ورفع الأعلام المصرية فور وقف إطلاق النار أظهرا مكانة مصر رئيسًا وشعبًا في نفوسهم واعترافًا ضمنيًا بدورها في التدخل المباشر ووقف إطلاق النار، تزامنًا مع الإعلان عن تقديم 500 مليون دولار دعمًا مباشرًا وغير مباشر، فضلًا عن معونات أخرى قدمتها جهات مصرية رسمية وغير رسمية.

"فيتو".. بدورها تطرح على هامش التطورات الأخيرة حزمة من التساؤلات المشروعة والمنطقية: ماذا بعد وقف إطلاق النار، وهل يستمر طويلًا أو تعمد دولة الكيان خرقه مجددًا؟ متى تتوحد الفصائل الفلسطينية؟ هل عادت القضية الفلسطينية إلى الصدارة بعد محاولات وأدها؟ هل تعتزم الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن التخلي عن الفلسطينيين؟ وغيرها من التساؤلات التي تتطلب إجابة واضحة من المراقبين والمتابعين والدبلوماسيين والخبراء الإستراتيجيين.



الرابحون والخاسرون
من الطبيعى فى أي معركة أن يحاول الطرف الخاسر إخفاء هزيمته أو إضفاء طابع من الشجاعة على دوره، وهو ما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وحاشيته الترويج له بأن وقف إطلاق النار جاء بعد أن حققت العملية العسكرية الإسرائيلية أهدافها فى قطاع غزة.

لكن الواقع على الأرض وما جاء خلف الكواليس فى الغرف المغلقة فى إسرائيل أثبت عكس ذلك، بل أظهر قصورًا أمنيًا كبيرًا، كما جرى تبادل الاتهامات بين أفراد القيادة السياسية فى إسرائيل وصل حد وصف القيادة الاستخباراتية الصهيونية بأنها فاشلة، وذلك بعد النجاح الكبير الذى حققته المقاومة ودفع إسرائيل للخنوع أمامها واللجوء إلى وقف إطلاق النار.

اعتراف الهزيمة
التقارير العبرية أيضًا كشفت أنه تم الاعتراف في الكواليس بأن العملية فى غزة لم تحقق أي نجاح يذكر على عكس ادعاءات نتنياهو بما فى ذلك المهمة الرئيسية للعملية، وهى تدمير شبكة أنفاق حماس رغم أن نتنياهو ظهر فى مقطع فيديو يزعم تدمير معظمها، والانتقادات طالت فشل القيادة السياسية فى اتخاذ خطوة تنفيذ عملية برية والاكتفاء فقط بتنفيذ ضربات جوية.

كما أنه فى الوقت الذى زعم فيه نتنياهو بتصفية قيادات لحماس وجهت له اتهامات بأنه لم يسقط أي من القيادات المهمة للحركة بحجم يحيى السنوار على سبيل المثال.

من جانبه، أكد المحلل الإسرائيلى رون بن يشاى أن من بين الإخفاقات الإسرائيلية فى عملية غزة هى أن الجيش الإسرائيلى لم يتمكن من إحباط وتدمير نظام إطلاق القاذفات والصواريخ لحركة حماس، ولا يزال الكثير من الأسلحة الإستراتيجية للحركة موجودة فى غزة وقابلة للاستخدام، مما يسمح لحماس والجهاد بتهديد إسرائيل والحفاظ على توازن الرعب أمامنا كما حدث لنا مع حزب الله فى نهاية حرب لبنان الثانية.

مشددًا على أن هناك فشلًا آخر لإسرائيل فى الأحداث الأخيرة مرتبطًا بالشبكات الاجتماعية التى -وفقًا له- لولاها لما اندلعت التظاهرات فى الوسط العربى، مشيرًا إلى أن إسرائيل لم تراقب الشبكات الاجتماعية بشكل جيد.

سياسات الردع
أما الكاتب الإسرائيلى إليا ميمون فقال: إن الردع الذى تتحدث عنه إسرائيل أمام حماس لم يتآكل، لأنه ببساطة من المستحيل تآكل شيء غير موجود، نحن لا نتحدث عن الوقوف فى وجه جيش مصر أو سوريا أو حتى الأردن، نحن نتحدث عن موقف بسيط نسبيًا متمثل فى بعض الأكواخ فى غزة، وإطارات مشتعلة وقدرات محدودة للغاية أمام دولة إسرائيل، ولكن مع ذلك فشل ما يسمى الردع.

مردفًا: نحن نتحدث عن أفضل القدرات الاستخباراتية فى العالم، أمام بعض المسلمين فى قطاع غزة.

وتابع: "نحن نتحدث عن الموت البطيء والمطول لليمين السياسى، من بيجن حتى يوم أمس، لأن بوقف إطلاق النار دون تحقيق الأهداف تم كسر رقم قياسى آخر، إسرائيل بحاجة إلى إن تستيقظ".

الطرح ذاته تبنته القناة الـ13 العبرية التى كتبت أنه على الرغم من الترويج للنجاح الكبير لإسرائيل فى غزة إلا أنه فى الوقع الجيش الإسرائيلى لم يستطع الإضرار بقدرات حماس الصاروخية.

ويرى المراقبون أن الحرب العدوانية التى شنتها إسرائيل بكل عدتها العسكرية والإعلامية والدبلوماسية تلقت هزيمة نكراء فى الميدان والساحة السياسية، وهو ما يقف وراء قرار وقف إطلاق النار، كما أن نتنياهو خرج من عملية غزة بخفى حنين، فهى العملية التى بدأها لأهداف شخصية تتمثل فى تعزيز شعبيته داخليا وعرقلة تشكيل حكومة لا يرأسها من خلال إظهار أهمية وجوده فى المشهد الإسرائيلى كضرورة أمنية لدولة الاحتلال.

لكن بعد الهزيمة النكراء التى تعرضت لها إسرائيل هذه المرة انقلب الجمهور الإسرائيلى ضده، بل حتى أنصاره من اليمين هددوه بحل الشراكة معه، وأصبح الآن فى وضع لا يحسد عليه، وهو ما يؤكده المحللون فى إسرائيل بأن نتنياهو دخل عملية غزة وبمجرد أن زالت مخاوف تشكيل الحكومة أعلن التراجع عن العملية.

وفى اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلى الذى وافق بالإجماع على وقف إطلاق النار، تم طرح السؤال: "حسنًا حتى الآن، وماذا بعد؟"، ولم يتم إعطاء إجابة واضحة للسؤال، كما صدرت تعليمات للوزراء بعدم إجراء مقابلات أو التحدث إلى الصحفيين حول الاجتماع.

ومع النجاحات التى حققتها المقاومة أرجع الإعلام الإسرائيلى خطوة إسرائيل بشأن وقف إطلاق النار لعدة أسباب من بينها تغير لهجة الخطاب الأمريكى فى الأيام الأخيرة وكذلك وسائل التواصل الاجتماعى ودورها الفعال على مستوى العالم، وأيضا الإدانات الدولية، ومن بينها مؤسسات مثل مجلس الأمن، هذا إلى جانب الخسائر الهائلة التى تكبدتها إسرائيل، والتى عادلت قيمتها خلال أسبوع فقط قيمة الحرب الأخيرة على قطاع غزة فى 2014 والتى استمرت لمدة 50 يومًا.

ليس ذلك فحسب، وإنما السبب الرئيس يرجع إلى فقدان القيادة السياسية فى إسرائيل لتوازنها بعد دخول عرب 48 ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية على خط الأزمة، حيث بدأت تخرج احتجاجات داخل مدن مثل اللد وعكا وغيرها من المدن التى تضم عرب الداخل تنديدا لما يحدث فى القدس والمسجد الأقصى ونصرة لإخوانهم فى حى الشيخ جراح وذلك للمرة الأولى منذ تأسيس دولة الاحتلال عام 1948.

وهذا الأمر أثار مخاوف القيادة الإسرائيلية من حدوث انتفاضة لا يحمد عقباها قد تحرق الأخضر واليابس وتخرج عن السيطرة، هذا إلى جانب الانتفاضة اليسارية ضد نتنياهو والتى تجلت فى مقاطع الفيديو والتغريدات التى تم بثها على مواقع التواصل الاجتماعى والمناهضة لما يجرى بحق الفلسطينيين والتى نددت بالجرائم الصهيونية.

وحدة الصف
ومن ناحية المقاومة فإن نجاحها بشكل كبير هذه المرة يرجع إلى توحد الصف الفلسطينى فى غزة والضفة والمدن المحتلة الأخرى فضلًا عن اتباعها تكتيكًا مختلفًا أفشل القبة الحديدية وقدرتها على اعتراض الصواريخ، حيث تبنت حماس أسلوب الرشقات الصاروخية المتتالية الذى نجح فى شل كفاءة القبة الحديدية.

هذا إلى جانب أن كلفة اعتراض الصاروخ الواحد يصل إلى قرابة 80 ألف دولار، وهى تكلفة كبيرة جدًا على إسرائيل، كما أن المقاومة نجحت فى توسيع قطر هجماتها، ما عقَّد المهمة أمام القبة الحديدية، وعطَّل كفاءتها.

المبادرة المصرية
الدكتور سلامة أبو زعيتر عضو المجلس الوطنى الفلسطينى، أكد لـ"فيتو" أن التدخل المصرى والعربى والدولى شكَّل دورًا فعالًا ومارس ضغوطًا لوقف إطلاق النار وخاصة مع ارتفاع أعداد الشهداء من أطفال ونساء وشيوخ جراء القصف والعدوان الإسرائيلى.

وأوضح أن المبادرة المصرية بإعلان وقف إطلاق النار وبدء التهدئة من المقرر أن تتبعها خطوات لاتفاق طويل الأمد لمعالجة كثير من القضايا ذات البعد الوطنى والإنسانى، وسيكون للجانب المصرى دور كبير فى ذلك، وبدعم عربى خاصة فى مرحلة إعادة الإعمار فى غزة وتنظيم العلاقات وتطوير العمل بشكل يعيد الاعتبار للمؤسسات والنظام العام.

ونوه إلى أن تدخل المقاومة الفلسطينية منذ البداية كان مرتبطًا بالرد على قضية الأقصى، ومنع المسلمين من ممارسة الشعائر الدينية، خاصة فى رمضان، وتبعها قضية حى الشيخ جراح ومحاولة تهجير وطرد السكان وهذا ما دفع لحالة التصعيد والتى تطورت بشكل سريع إلى استهداف الأبراج والمنازل والمدنيين فى غزة.

وشدد على أن هذه الحرب سيكون لها تداعيات تفرض نفسها خلال المرحلة القادمة، خاصة أن الشعب الفلسطينى توحد خلف قضية الأقصى سواء فى الداخل عرب 48 وفى الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وفى الشتات، وهذا يشكل أداة ضغط للمطالبة بوقف عدوان الاحتلال وإنهائه ووقف جرائمه ودعم حق الشعب الفلسطينى فى الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وتابع بأن القادم فى العلاقات سيركز على حل الدولتين وتنظيم العلاقات بما يحفظ الحقوق ويدفع نحو استقرار المنطقة وإعادة الاعتبار للسلام العادل القائم على الشرعية الدولية والقرارات العادلة التى تساهم فى تسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بدعم عربى ومساندة للقضية الفلسطينية، وهذا سيعيد النظر فيما يخص المرحلة الماضية، وإعادة تقييمها من أجل الوصول لتسوية وحلول مقبولة.

موضحًا أن كثيرين يعولون على الدور المصرى والعربى فى إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وتعزيز العلاقات العربية وتوحيد الموقف الفلسطينى وإنهاء الصراع مع الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية