الدين الرابع.. إنهم يدعون إلى دين جديد.. البصيلى: مسخ منعدم الهوية والوضوح.. ونسيرة: هوس فكري ومحاولة لإنعاش المشترك الدينى
"الدين الإبراهيمي" لعبة إستراتيجية جديدة تخطط لها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لبسط سيطرتهما وتحقيق مطامعهما في الشرق الأوسط، تحت مسمى الدين من خلال حيلة مقنعة لا يختلف عليها المسلم والمسيحى ولا حتى اليهودى.. فكرة يتفق عليها الجميع حين يتم الترويج وتوجيه الخطاب لها، والتي تتمثل في دمج الأديان السماوية الثلاث في دين جديد يدعى "الدين الإبراهيمي".
الدين الإبراهيمي
وحرصت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على اختيار نقطة الدين واختيار الديانات السماوية الثلاث ودمجها في دين إبراهيمى واحد، رغم أن العالم به كثير من الديانات الأخرى لتحقيق مطامعهم في الشرق الأوسط، نظرًا لأن الديانات التوحيدية (اليهودية والمسيحية والإسلام) هي تلك التي تنتسب إلى نبى الله إبراهيم عليه السلام "أبو الأنبياء".
ونظرًا لعدم وجود خلاف عليه في الأديان السماوية الثلاثة، لذا طرح هذا المشروع بكل ذكاء بزعم أنه يمكنه حل النزاعات والصراعات السياسية وخدمة السلام والإنسانية في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم بشكل عام، وأصبح لها في مصر أذرع ممتدة خبيثة، لم تعد تخفي نواياها على أحد، ومنابر إعلامية معروفة للقاصي والداني.
دين جديد
"إنهم يدعون لدين جديد".. عبارة تعدت كونها إحدى الإكليشيهات التى ينطق بها قادة الكفار فى أفلام الدراما المصرية التى تعرب عن مولد الإسلام، حتى تحولت إلى واقع ملموس فى عصرنا الحالى، من خلال ظهور دعوات تدعو إلى ديانة جديدة تسمى "الديانة الإبراهيمية"، والتى تقوم على فكرة إيجاد مزيج بين الأديان السماوية الثلاثة "الإسلام والمسيحية واليهودية"، ويروج لها اتباعها بأنها تسعى إلى نشر قيم التسامح والإخاء، وتدعيم أصول "والأخوة الإنسانية".
وذلك من خلال عدة مؤسسات أنشئت خصيصًا لهذا الغرض سواء بشكل علنى أو اتخذت لنفسها شكل آخر تستطيع من خلال الوصول إلى عقول الشباب. "فيتو" بدورها فتحت نقاشًا مع بعض المتخصصين فى شئون علوم الأديان والفكر المعاصر، لكشف ما تخفيه تلك الدعوات والأهداف الحقيقية التى تقف وراء تلك الحملات التى تتخذ الدعاية لها أشكال عدة.
مسخ منعدم الهوية
ومن جانبه أكد الدكتور أحمد البصيلى، عضو هيئة التدريس فى كلية الدعوة الإسلامية، فى جامعة الأزهر الشريف، أن الدعوة الإبراهيمية عبارة عن "مسخ" منعدم الهوية والوضوح، فهى عبارة عن فكرة قائمة على تمييع الحقائق، ولا تعترف بها الديانات الثلاثة، سواء المسيحية أو اليهودية أو الإسلام.
خاصة أن الإسلام يأمرنا بالمسالمة والإحسان، وهما يرادفان معنى الإحسان والقسط، كما قدم الفضل على الإقساط، وهو العدل فى معاملة غير المسلمين حتى لو كانوا ملحدين، فالإسلام لا يحتاج من قريب أو من بعيد إلى ما يسمى الديانة الإبراهيمية من أجل تعميق الأخوة الإنسانية، بل إن الإسلام فى جوهره وحقيقته ومبادئه، يأمر أتباعه أمرًا باتًّا بأن يكونوا يدًا تعاون كل البشر على خلاف ديانتهم وتوجهاتهم.
لكن فى نفس الوقت أنا كمسلم لى هوية ومرجعية أدافع عنها كما أدافع عن نفسى؛ لأنها هى ذاتى، والتى بغيرها أعتبر غير موجود.
استقطاب
وشدد على أننا كمسلمين لسنا فى حاجة على الإطلاق، إلى هذا الاستقطاب المزرى و"المؤمل" والموجه من أجل تمييع فكرة وحقيقة الدين فى قلوب المتدينين، خاصة أن الدعوة الإبراهيمية هى إستراتيجية المرحلة لتصفية الإسلام، وإذا أردنا أن نخلص تلك الدعوة فنقول إنها حرب على الهوية، سواء المسيحية أو اليهودية أو الإسلامية، خاصة أنهم يقولون إن المقصد من الديانة الإبراهيمية، هو تدعيم أصول الأخوة الإسلامية.
وفى حقيقة الأمر أننا كمسلمين القرآن يقول لنا: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إليهم ۚ إن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، فالإسلام هنا استخدم مع المخالفين لى مصطلح لم يستعمله إلا مع الوالدين، وهو البر، بل نقول إن الإسلام هو الدين الوحيد الذى ينظر إلى المخالف له فى العقيدة نظرة شراكة فى بناء الحضارة.
اعتدال
وأضاف " البصيلي" فى تصريحات خاصة لـ"فيتو": أن الإسلام يدعم الاعتدال ولو من بيئة كافرة، ويحارب الاعتداء ولو من بيئة مسلمة، بمعنى أن الإسلام يحبذ ويثمن الاعتدال، حتى وإن صدر من بيئة معادية، حيث قال تعالى فى كتابه: {وإن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ}، وذلك فى بيان تعامل المسلمين مع غيرهم من غير المسلمين، ودعوة صريحة للسلم.
كما أن الإسلام يكره ويجرم الاعتداء ولو من بيئة مسلمة، إلى حد أن المسلم إذا رفع السلاح بغير حق فالإسلام يأمرنى أن أقاتله، وإذا قتلنى فأنا شهيد، حيث قال تعالى: {وإن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فإن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأخرىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْر اللَّهِ}، فالطائفة التى تبغى هنا هى من المسملين، وهذا دليل قاطع على أن الإسلام يجرم ويحرم الاعتداء حتى وإن كان من داخل البيئة المسلمة.
وأشار " البصيلي" أن المبادئ التى يدعيها أصحاب الديانة الإبراهيمية من نشر قيمة التسامح والتصالح والسلام ونبذ التعصب، فالإسلام نفسه قائم على جُملة من الدعائم والأركان هى كلها رحمة لكل العالمين، حتى أن المولى -عز وجل- لما أراد أن يلخص كل شمائل النبى - صلى الله عليه وسلم- قال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، ولم يقل للمسلمين أو لطائفة بعينها، بل جمع كل العوالم على الإطلاق.
فكرة مرفوضة
وما ينادون به من أجل إغراقنا به من مبادئ الديانة الإبراهيمية الإسلام غنى به، ولسنا بحاجة إلى تسول هذه القيم التى نحن أغنياء جدًا بها، خاصة أن الديانة موضوع الدمج بين الأديان هى فكرة فوق أنها مرفوضة شرعًا فهى عصية على التطبيق، بل تستحيل أن تطبق على أرض الواقع، لا فى بيئة مسلمة أو عربية أو أجنبية.
وإن ادعى المدعون أن لها أنصارًا وأتباعًا، فهم فى الحقيقة أتباع تحت وطأة "الدينار والدرهم"، وإلا فكيف أصلى وأصوم وهم يريدون أن يبيعوا لنا بضاعة هى فى الأصل موجودة لدينا، سلبوها منا ويريدون أن يبيعوها لنا بعد أن سرقوها وزيفوها.
ونوه عضو أستاذ كلية الدعوة فى جامعة الأزهر، أنهم يدعون بتلك الدعوة عملية الدمج بين الأديان الثلاثة، وسكان العالم الآن ما يقارب من 9 مليارات، وعدد الذين يتبعون الأديان السماوية الثلاثة لا يتعدى بأى حال من 4.5 مليار، وبقية البشرية عبارة عن ملحدين أو لا دينيين أو أصحاب ديانات وضعية، والتى وصل عددها إلى 300 ديانة أو يزيد، فما الجديد الذى تقدمه الديانة الإبراهيمية فى هذا الفراغ الدينى، والتصحر الذى يعبر عن إفلاس الديانة الإبراهيمية المزعومة والتى عجزت عن تغطية هذا التصحر الفكرى.
لأن الإسلام ملئ هذا الفراغ، وأمرنا نحو مبادئ الأخوة الإنسانية التى يدعون إليها وأن امد يد العون لكل مكونات كون الله، لدرجة أن النبى - صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن رجل مد يد العون لكلب فغفر الله له، وأن امرأة لما قطعت المعونة عن قطة دخلت النار، وهل الديانة الإبراهيمية بها كل هذه التغطية لمجالات الحياة على المستوى البشرى والفكرى.
أساليب المواجهة
ولفت "البصيلي" إلى أن هناك رسائل ماجستير ودكتوراه صنفت ونوقشت فى هذا الإطار، وإذا أردنا أن نقوم بواجب الوقت فى هذا الإطار، أنه فرض عين على كل متخصص أن يدلي بدلوه فى توعية النشء بخطوة هذه الدعوات، خاصة أنها تلبس شكل الإنسانية والأخوة والشعارات البارقة والجذابة، فلا بد علينا أن نجابه هذه الدعوات باحتراف.
ويكون العمل نوعين، هما، الأول منه هو التخصصى، والثانى استخدام الأسلوب الشيق، واتباع نفس الأسلوب الذى يستخدمونه، ونعرف نقاط الضعف عن الأجيال الناشئة وترميمها من أجل يكونوا جنودًا لنا فى هذه الحرب الفكرية الضروس، مؤكدا أن دعوة الديانة الإبراهيمية ليست قائمة على دعوات فردية، وإنما هو أمر موجه وممول، ومن يقومون بتمويله هم الأكابر فى هذا العالم من أجل أغراض سياسية أو غيرها.
هوس فكرى
من جانبه يرى الدكتور هانى نسيرة، أستاذ الفلسفة والفكر المعاصر، أن ما يكتب ويثار حول هذا الأمر هو حالة من "الهوس في التفكير" أو "هذيان"، خاصة أنه لا يوجد دين جديد يسمى بالإبراهيمية الجديدة، وما يثار حول هذا الأمر هو نوع من المبالغة، خاصة أن الدعوة للتسامح والمحبة هى دعوة عقلانية تدعو لاحترام الأديان، وغير مسئولة عما يفعله الصهاينة فى فلسطين.
خاصة أننا كنا نفرق قديمًا بين اليهود والصهاينة، وحالة من التآمر، خاصة أنه لا يوجد دين جديد يُدعَى إليه، لكن سيدنا إبراهيم هو حقيقة بين كافة الأديان، حتى وإن كانت القيم الإنسانية مدخلًا لهذه الدعوات، كما يقال، لكن يظل سيدنا "إبراهيم" هو عامل مشترك بين كافة الأديان.
وأشار إلى أن الإبراهيمية فى حد ذاتها ليست بدعة، والحديث حول الماسونية فى هذا المجال أنها حركة قامت قبل اليهودية، وهى تعد فكرة خرافية، وقد تتجلى فى دعوات الإخاء أو غيرها من الأشكال، التى لا يمكن حصرها، كما أن هناك مشابهة فى العالم تسمى الحركة "المريمية"، والتى تقوم على فكرة الحوار بين الأديان والمشترك الإبراهيمى بين الأديان والمشترك المريمى بين الأديان، خاصة أن كل دين سماوى يوجد فيه "مريم".
وأضاف "نسيرة" لـ"فيتو" أنه كانت هناك محاولات مشابهة فى نهاية القرن التاسع عشر، اجتمع جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وتحاروا حول فكرة إيجاد دين عالمى مشترك، ولم تفلح تلك المحاولة، لافتا إلى أن ما يصاغ حاليًا ليس دين عالميًّا مشتركًا، وإنما هو محاولة إنعاش المشترك الدينى، الذى يحظى فيه نبى الله إبراهيم بمكان أساسى بين هذه الأديان.
كما أن حالة الهوس المثارة فى هذا الشأن تخلق حالة من الإنتاج الفكرى، والبعض لديه حالة من استعداد "للهذيان". وأكد أستاذ الفكر المعاصر أن الحديث الذى يثار حول هذا الأمر، نشط بعد إعلان بعض الدول إعلان السلام مع إسرائيل، وإنشاء البيت الإبراهيمى فى دولة الإمارات، كما أن هذه الدعوات واستخدام اسم نبى الله "إبراهيم" من باب توظيف السياسة فى الدين، خاصة أن الدين لا يخرج للناس بشكل فردى، وإنما يكون له زعيم أو رمز، وهم يروجون لهذا الأمر، فهم على خطأ.
نقلًا عن العدد الورقي...
الدين الإبراهيمي
وحرصت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على اختيار نقطة الدين واختيار الديانات السماوية الثلاث ودمجها في دين إبراهيمى واحد، رغم أن العالم به كثير من الديانات الأخرى لتحقيق مطامعهم في الشرق الأوسط، نظرًا لأن الديانات التوحيدية (اليهودية والمسيحية والإسلام) هي تلك التي تنتسب إلى نبى الله إبراهيم عليه السلام "أبو الأنبياء".
ونظرًا لعدم وجود خلاف عليه في الأديان السماوية الثلاثة، لذا طرح هذا المشروع بكل ذكاء بزعم أنه يمكنه حل النزاعات والصراعات السياسية وخدمة السلام والإنسانية في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم بشكل عام، وأصبح لها في مصر أذرع ممتدة خبيثة، لم تعد تخفي نواياها على أحد، ومنابر إعلامية معروفة للقاصي والداني.
دين جديد
"إنهم يدعون لدين جديد".. عبارة تعدت كونها إحدى الإكليشيهات التى ينطق بها قادة الكفار فى أفلام الدراما المصرية التى تعرب عن مولد الإسلام، حتى تحولت إلى واقع ملموس فى عصرنا الحالى، من خلال ظهور دعوات تدعو إلى ديانة جديدة تسمى "الديانة الإبراهيمية"، والتى تقوم على فكرة إيجاد مزيج بين الأديان السماوية الثلاثة "الإسلام والمسيحية واليهودية"، ويروج لها اتباعها بأنها تسعى إلى نشر قيم التسامح والإخاء، وتدعيم أصول "والأخوة الإنسانية".
وذلك من خلال عدة مؤسسات أنشئت خصيصًا لهذا الغرض سواء بشكل علنى أو اتخذت لنفسها شكل آخر تستطيع من خلال الوصول إلى عقول الشباب. "فيتو" بدورها فتحت نقاشًا مع بعض المتخصصين فى شئون علوم الأديان والفكر المعاصر، لكشف ما تخفيه تلك الدعوات والأهداف الحقيقية التى تقف وراء تلك الحملات التى تتخذ الدعاية لها أشكال عدة.
مسخ منعدم الهوية
ومن جانبه أكد الدكتور أحمد البصيلى، عضو هيئة التدريس فى كلية الدعوة الإسلامية، فى جامعة الأزهر الشريف، أن الدعوة الإبراهيمية عبارة عن "مسخ" منعدم الهوية والوضوح، فهى عبارة عن فكرة قائمة على تمييع الحقائق، ولا تعترف بها الديانات الثلاثة، سواء المسيحية أو اليهودية أو الإسلام.
خاصة أن الإسلام يأمرنا بالمسالمة والإحسان، وهما يرادفان معنى الإحسان والقسط، كما قدم الفضل على الإقساط، وهو العدل فى معاملة غير المسلمين حتى لو كانوا ملحدين، فالإسلام لا يحتاج من قريب أو من بعيد إلى ما يسمى الديانة الإبراهيمية من أجل تعميق الأخوة الإنسانية، بل إن الإسلام فى جوهره وحقيقته ومبادئه، يأمر أتباعه أمرًا باتًّا بأن يكونوا يدًا تعاون كل البشر على خلاف ديانتهم وتوجهاتهم.
لكن فى نفس الوقت أنا كمسلم لى هوية ومرجعية أدافع عنها كما أدافع عن نفسى؛ لأنها هى ذاتى، والتى بغيرها أعتبر غير موجود.
استقطاب
وشدد على أننا كمسلمين لسنا فى حاجة على الإطلاق، إلى هذا الاستقطاب المزرى و"المؤمل" والموجه من أجل تمييع فكرة وحقيقة الدين فى قلوب المتدينين، خاصة أن الدعوة الإبراهيمية هى إستراتيجية المرحلة لتصفية الإسلام، وإذا أردنا أن نخلص تلك الدعوة فنقول إنها حرب على الهوية، سواء المسيحية أو اليهودية أو الإسلامية، خاصة أنهم يقولون إن المقصد من الديانة الإبراهيمية، هو تدعيم أصول الأخوة الإسلامية.
وفى حقيقة الأمر أننا كمسلمين القرآن يقول لنا: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إليهم ۚ إن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، فالإسلام هنا استخدم مع المخالفين لى مصطلح لم يستعمله إلا مع الوالدين، وهو البر، بل نقول إن الإسلام هو الدين الوحيد الذى ينظر إلى المخالف له فى العقيدة نظرة شراكة فى بناء الحضارة.
اعتدال
وأضاف " البصيلي" فى تصريحات خاصة لـ"فيتو": أن الإسلام يدعم الاعتدال ولو من بيئة كافرة، ويحارب الاعتداء ولو من بيئة مسلمة، بمعنى أن الإسلام يحبذ ويثمن الاعتدال، حتى وإن صدر من بيئة معادية، حيث قال تعالى فى كتابه: {وإن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ}، وذلك فى بيان تعامل المسلمين مع غيرهم من غير المسلمين، ودعوة صريحة للسلم.
كما أن الإسلام يكره ويجرم الاعتداء ولو من بيئة مسلمة، إلى حد أن المسلم إذا رفع السلاح بغير حق فالإسلام يأمرنى أن أقاتله، وإذا قتلنى فأنا شهيد، حيث قال تعالى: {وإن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فإن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأخرىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْر اللَّهِ}، فالطائفة التى تبغى هنا هى من المسملين، وهذا دليل قاطع على أن الإسلام يجرم ويحرم الاعتداء حتى وإن كان من داخل البيئة المسلمة.
وأشار " البصيلي" أن المبادئ التى يدعيها أصحاب الديانة الإبراهيمية من نشر قيمة التسامح والتصالح والسلام ونبذ التعصب، فالإسلام نفسه قائم على جُملة من الدعائم والأركان هى كلها رحمة لكل العالمين، حتى أن المولى -عز وجل- لما أراد أن يلخص كل شمائل النبى - صلى الله عليه وسلم- قال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، ولم يقل للمسلمين أو لطائفة بعينها، بل جمع كل العوالم على الإطلاق.
فكرة مرفوضة
وما ينادون به من أجل إغراقنا به من مبادئ الديانة الإبراهيمية الإسلام غنى به، ولسنا بحاجة إلى تسول هذه القيم التى نحن أغنياء جدًا بها، خاصة أن الديانة موضوع الدمج بين الأديان هى فكرة فوق أنها مرفوضة شرعًا فهى عصية على التطبيق، بل تستحيل أن تطبق على أرض الواقع، لا فى بيئة مسلمة أو عربية أو أجنبية.
وإن ادعى المدعون أن لها أنصارًا وأتباعًا، فهم فى الحقيقة أتباع تحت وطأة "الدينار والدرهم"، وإلا فكيف أصلى وأصوم وهم يريدون أن يبيعوا لنا بضاعة هى فى الأصل موجودة لدينا، سلبوها منا ويريدون أن يبيعوها لنا بعد أن سرقوها وزيفوها.
ونوه عضو أستاذ كلية الدعوة فى جامعة الأزهر، أنهم يدعون بتلك الدعوة عملية الدمج بين الأديان الثلاثة، وسكان العالم الآن ما يقارب من 9 مليارات، وعدد الذين يتبعون الأديان السماوية الثلاثة لا يتعدى بأى حال من 4.5 مليار، وبقية البشرية عبارة عن ملحدين أو لا دينيين أو أصحاب ديانات وضعية، والتى وصل عددها إلى 300 ديانة أو يزيد، فما الجديد الذى تقدمه الديانة الإبراهيمية فى هذا الفراغ الدينى، والتصحر الذى يعبر عن إفلاس الديانة الإبراهيمية المزعومة والتى عجزت عن تغطية هذا التصحر الفكرى.
لأن الإسلام ملئ هذا الفراغ، وأمرنا نحو مبادئ الأخوة الإنسانية التى يدعون إليها وأن امد يد العون لكل مكونات كون الله، لدرجة أن النبى - صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن رجل مد يد العون لكلب فغفر الله له، وأن امرأة لما قطعت المعونة عن قطة دخلت النار، وهل الديانة الإبراهيمية بها كل هذه التغطية لمجالات الحياة على المستوى البشرى والفكرى.
أساليب المواجهة
ولفت "البصيلي" إلى أن هناك رسائل ماجستير ودكتوراه صنفت ونوقشت فى هذا الإطار، وإذا أردنا أن نقوم بواجب الوقت فى هذا الإطار، أنه فرض عين على كل متخصص أن يدلي بدلوه فى توعية النشء بخطوة هذه الدعوات، خاصة أنها تلبس شكل الإنسانية والأخوة والشعارات البارقة والجذابة، فلا بد علينا أن نجابه هذه الدعوات باحتراف.
ويكون العمل نوعين، هما، الأول منه هو التخصصى، والثانى استخدام الأسلوب الشيق، واتباع نفس الأسلوب الذى يستخدمونه، ونعرف نقاط الضعف عن الأجيال الناشئة وترميمها من أجل يكونوا جنودًا لنا فى هذه الحرب الفكرية الضروس، مؤكدا أن دعوة الديانة الإبراهيمية ليست قائمة على دعوات فردية، وإنما هو أمر موجه وممول، ومن يقومون بتمويله هم الأكابر فى هذا العالم من أجل أغراض سياسية أو غيرها.
هوس فكرى
من جانبه يرى الدكتور هانى نسيرة، أستاذ الفلسفة والفكر المعاصر، أن ما يكتب ويثار حول هذا الأمر هو حالة من "الهوس في التفكير" أو "هذيان"، خاصة أنه لا يوجد دين جديد يسمى بالإبراهيمية الجديدة، وما يثار حول هذا الأمر هو نوع من المبالغة، خاصة أن الدعوة للتسامح والمحبة هى دعوة عقلانية تدعو لاحترام الأديان، وغير مسئولة عما يفعله الصهاينة فى فلسطين.
خاصة أننا كنا نفرق قديمًا بين اليهود والصهاينة، وحالة من التآمر، خاصة أنه لا يوجد دين جديد يُدعَى إليه، لكن سيدنا إبراهيم هو حقيقة بين كافة الأديان، حتى وإن كانت القيم الإنسانية مدخلًا لهذه الدعوات، كما يقال، لكن يظل سيدنا "إبراهيم" هو عامل مشترك بين كافة الأديان.
وأشار إلى أن الإبراهيمية فى حد ذاتها ليست بدعة، والحديث حول الماسونية فى هذا المجال أنها حركة قامت قبل اليهودية، وهى تعد فكرة خرافية، وقد تتجلى فى دعوات الإخاء أو غيرها من الأشكال، التى لا يمكن حصرها، كما أن هناك مشابهة فى العالم تسمى الحركة "المريمية"، والتى تقوم على فكرة الحوار بين الأديان والمشترك الإبراهيمى بين الأديان والمشترك المريمى بين الأديان، خاصة أن كل دين سماوى يوجد فيه "مريم".
وأضاف "نسيرة" لـ"فيتو" أنه كانت هناك محاولات مشابهة فى نهاية القرن التاسع عشر، اجتمع جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وتحاروا حول فكرة إيجاد دين عالمى مشترك، ولم تفلح تلك المحاولة، لافتا إلى أن ما يصاغ حاليًا ليس دين عالميًّا مشتركًا، وإنما هو محاولة إنعاش المشترك الدينى، الذى يحظى فيه نبى الله إبراهيم بمكان أساسى بين هذه الأديان.
كما أن حالة الهوس المثارة فى هذا الشأن تخلق حالة من الإنتاج الفكرى، والبعض لديه حالة من استعداد "للهذيان". وأكد أستاذ الفكر المعاصر أن الحديث الذى يثار حول هذا الأمر، نشط بعد إعلان بعض الدول إعلان السلام مع إسرائيل، وإنشاء البيت الإبراهيمى فى دولة الإمارات، كما أن هذه الدعوات واستخدام اسم نبى الله "إبراهيم" من باب توظيف السياسة فى الدين، خاصة أن الدين لا يخرج للناس بشكل فردى، وإنما يكون له زعيم أو رمز، وهم يروجون لهذا الأمر، فهم على خطأ.
نقلًا عن العدد الورقي...